على بعد آلاف الكيلومترات من أوطانهم، وجد الأكراد بارقة أمل نادرة في مسيرة طبعتها ظروف قاسية وأحلام سياسية صعبة: ناد لكرة القدم أسسه مهاجرون قبل 13 عاما، يصعد حديثا للدرجة السويدية الأولى.

ركض العشرات من المشجعين الفرحين على أرض الملعب، وهم يحتفلون ويلوحون بالأعلام الكردية بعد فوز فريق دالكورد على غايس غوتنبرغ 1-صفر، ليضمن بذلك المشاركة في دوري الدرجة الأولى في السويد الموسم المقبل. سجل هدف الفوز لاعب خط الوسط راويز لاوان بعد مرور 59 دقيقة على بداية المباراة التي أقيمت في مدينة بورلانغ في 28 تشرين الأول/اكتوبر الماضي.

وقال لاوان لوكالة "تي تي" المحلية بعد المباراة "ملايين الأكراد يرقصون بفرح... من الرائع ان نمنحهم هذه الفرحة".

أضاف ان معاني هذا الانتصار "تتعدى كرة القدم".

وشكل هذا الفوز محطة إيجابية في مسار من الأحداث السلبية المتتالية، تبدأ من المعاناة مع حلم إقامة دولة كردستان، مرورا بالصراع المتواصل مع تركيا، وصولا الى التبعات السلبية لاستفتاء الاستقلال الذي أجراه إقليم كردستان في شمال العراق، والأزمة الحادة التي تلته مع الحكومة المركزية في بغداد.

وفي أربيل، عاصمة الاقليم الشمالي، قال أحمد كريم (35 عاما) لوكالة فرانس برس "سعدت جدا بالنتائج التي حققها (هذا النادي)".

وأضاف "نتمنى ان يمثل الرياضة الكردية في المحافل الدولية لاننا في منطقة الشرق الاوسط ليس لدينا فريق كردستاني خاص بنا".

ويتوزع الأكراد الذين يبلغ تعدادهم ما بين 25 مليون نسمة و35 مليونا، بشكل أساسي على أربع دول في الشرق الأوسط هي تركيا وسوريا والعراق وإيران. وسهّلت جغرافيا المناطق الكردية الجبلية بمعظمها والواقعة في الداخل من دون أي منفذ على بحر، على الاكراد الحفاظ على لغتهم بلهجاتها المختلفة وعلى عاداتهم وتقاليدهم.

ويحلم الأكراد منذ انهيار السلطنة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، بإنشاء دولتهم الخاصة. وبدا الاستفتاء على الاستقلال الذي أقيم في أيلول/سبتمبر، محطة أساسية على هذا الدرب.

الا ان الرياح سارت بما لا تشتهي أحلام الاستقلال الكردي، اذ اصطدمت الـ "نعم" الطاغية في نتيجة التصويت، بتكتل سياسي اقليمي ودولي غير محبذ لخطوة الاستقلال. أما أبرز الرافضين لهذه الخطوة، فكانت الحكومة المركزية في بغداد التي تمكنت بالضغط السياسي والعسكري، من استعادة كافة المناطق المتنازع عليها، والتي كانت قوات البشمركة الكردية قد انتشرت فيها على مراحل عدة، لاسيما بعد الهجوم الواسع لتنظيم الدولة الاسلامية مطلع صيف العام 2014.

ودفعت تبعات الاستقلال رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني الذي سعى بكل قوة نحو إجراء الاستفتاء، الى التنحي عن منصبه.

- الأمل بالنجاح -

في ظل هذه الضغوط والسلبيات، بدا دالكورد حلما محققا في مكان بعيد، يتردد صداه الايجابي لدى الأكراد في كل مكان.

ويقول الصحافي الرياضي أرسلان عبدالله الذي يعمل في قناة "رووداو" الكردية في شمال العراق، "نحن على متابعة دائمة لنشاطاته الرياضية ووصوله الى الدوري الممتاز، ونعتبره مكسبا كبيرا للرياضيين الكرد، سواء في أوروبا أو في كردستان العراق".

ويشكل النادي بتركيبته المتنوعة، صورة عن مزيج الشعب الكردي، فهو يضم في صفوفه لاعبين أميركيين وفلسطينيا وغامبيا. ويرى مساعد المدرب أمير أزرافشان ان نجاح الفريق يعود بالدرجة الأولى الى قوة شخصية لاعبيه وروح التحدي الموجودة لديهم.

ويوضح لفرانس برس "لديهم جميعا قاسم مشترك عندما يتعلق الأمر بالاستمتاع بتحد... يدفعهم الضغط الى العمل".

تأسس النادي في العام 2004 في مقاطعة دالارنا في وسط السويد، والواقعة على مسافة 300 كلم شمال غرب العاصمة ستوكهولم، وذلك كمشروع اجتماع لمساعدة الشبان على الانخراط في المجتمع.

ويقول الكاتب الكردي السويدي كوردو باكسي ان النادي "يمنح أملا للمهاجرين في السويد بأن في امكانهم النجاح".

وأشارت وسائل إعلام سويدية في شباط/فبراير 2016 الى ان 49 بالمئة من أسهم النادي تم شراؤها من قبل رجلي الأعمال الكرديين الشقيقين كاوا وسركت جوناد. ونقلت صحيفة "أفتونبلادت" في حينه عن الأخير قوله "نريد ان نفوز ونصل الى الدرجة الأولى في أسرع وقت ممكن. أرغب في ان أرى دالكورد في دوري أبطال أوروبا".

- "لا أصدقاء سوى الجبال" -

مع أكثر من 1,5 مليون معجب بصفحته على موقع فيسبوك، بات النادي مثالا على التآخي بين السويديين والمهاجرين الأكراد.

ويتخذ النادي من العلم الكردي (الأحمر والأبيض والأخضر وتتوسطه الشمس) شعارا له، بعد جعله كروي الشكل وإضافة حصانين اليه، في إشارة الى الأحصنة الخشبية التي ترمز لمقاطعة دالارنا.

ويقول رئيس مجلس إدارة النادي رمضان كيزيل "السويد أعطتنا امكانية الشعور بالحرية والحصول على التعليم، وهذا ما لم يكن متوافرا لنا".

أضاف "مُنِحنا الكثير وعلينا ان نعيد ذلك الى هذا المجتمع".

وتعني كلمة "دالارنا" الأودية بالانكليزية، وتشير الى الأودية الأخاذة التي تطبع هذا المنطقة. أما الأكراد، فعرفوا بالطبيعة الجبلية القاسية لمناطق تواجدهم في الشرق الأوسط، والتي أدت الى تداول عبارة شهيرة مفادها ان للأكراد "لا أصدقاء سوى الجبال".

ويقول باكسي "ليست مصادفة ان الأكراد تركوا الجبال وانتهى بهم المطاف في أودية السويد".