خيبة الملايين هي العنوان الأبرز في مصر الأحد بعد الخروج المفاجئ لمنتخب الفراعنة من الدور ثمن النهائي لبطولة كأس الأمم الإفريقية لكرة القدم على أرضهم، وتبخر حلم رؤية محمد صلاح وزملائه يرفعون كأس اللقب الثامن في ستاد القاهرة.

غرقت مصر في صدمة السقوط المفاجئ أمام جنوب إفريقيا (صفر-1) السبت بهدف في الدقيقة 85 من المباراة، في نتيجة دفعت رئيس الاتحاد المحلي هاني أبو ريدة الى الاستقالة، وإقالة الجهاز الفني والإداري وعلى رأسه المدرب المكسيكي خافيير أغيري.

كان دوي السقوط موازيا لوطأة الصمت التي تحكمت بنحو 75 ألف مشجع غصت بهم مدرجات الملعب الأكبر بين الملاعب الستة المضيفة للبطولة السبت مع اهتزاز الشباك المصرية بالهدف الجنوب إفريقي. خشية الخروج المبكر دفعت المشجعين الى النهوض من كبوتهم سريعا، بهتافات تحفيز لم تكن كافية لنيل التعادل. خرج المشجعون سريعا، لكن ليس قبل أن يقوم العديد منهم بتحية لاعبي المنتخب الجنوب إفريقي على ما قدموه، في رسالة انتقاد لا لبس فيها للاعبيهم.

كان المد الأحمر في ستاد القاهرة قبلة أنظار متابعي البطولة في المباريات الأربع للفراعنة. فالملاعب الأخرى، وباستثناء تلك التي استضافت مباريات المنتخب الجزائري، خلت بشكل كبير من المشجعين، ما سيجعل مشجعي مصر مشهدا يخشى افتقاده لما تبقى من البطولة.

كان هؤلاء يحضرون قبل ساعات من الموعد، يهتفون، يحمسون، ويستمعون الى بعض الأغنيات التي تبث بصوت مرتفع، وأبرزها "يا حبيبتي يا مصر" التي أدتها الراحلة شادية، وباتت أشبه بنشيد للمنتخب.

كلماتها رسالة حب لبلاد مَن لم يعرفها "ما شفش (لم يرَ) الرجال السمر الشداد فوق كل المحن ولا شاف العناد في عيون الولاد وتحدى الزمن، ولا شاف إصرار في عيون البشر بيقول أحرار ولازم ننتصر".

يعرف لاعبو المنتخب الأغنية جيدا، ويدركون ما تعنيه للمصريين، وما كان يعنيه فوزهم المرتجى بالأمس. لكن صلاح، ومحمود حسن تريزيغيه، والقائد أحمد المحمدي، ومروان محسن، وغيرهم من حملة القميص الأحمر، لم يعكسوا معاني الأغنية على المستطيل الأخضر للمباراة التي كانت ارتداداتها واسعة في مختلف أنحاء البلاد.

- حسرة على "فرصة ذهبية" -

اختصر أحد المشجعين لوكالة فرانس برس خيبة الإقصاء بالقول أثناء مغادرة الملعب، متأثرا كعشرات الآلاف غيره "هذا فريق لا يمكن أن نحزن عليه، فريق غير قادر أن ينتج. من الظلم ان يعود هؤلاء الناس الى منازلهم حزينين".

أضاف "هذا منتخب عقيم عقيم عقيم"، على رغم أنه أنهى دور المجموعات بصدارة المجموعة الأولى بالعلامة الكاملة والشباك النظيفة، وحقق ثلاثة انتصارات في ثلاث مباريات سجل خلالها خمسة أهداف.

اختصر النجم السابق وائل جمعة ما جرى بعبارة "ليس في الامكان أفضل مما حصل. المنتخب ده آخره كده، المنتخب ده ما يجبش أكتر من كده".

أضاف المحلل عبر "بي إن سبورتس" القطرية "ثمة أخطاء كثيرة جدا جدا من كل الناس، أخطاء من الجهاز الفني، من اتحاد الكرة (...) فرصة ذهبية وتاريخية لنا أن نفوز بهذه البطولة على أرضنا وسط جمهورنا، لكن دفعنا ثمن أخطاء كثيرة".

وأوضح "لا يمكن أن تكون فريقا منظِما للبطولة، وتلعب وتؤدي بالشكل الذي ظهرنا به. تعتمد على لاعبَين أو ثلاثة (...) كرة القدم جماعية".

في الاتجاه ذاته، وجه اللاعب السابق هيثم فاروق سهام الانتقاد الى اللاعبين، معتبرا ان قميص منتخب مصر "غالٍ وقيّم، واسم مصر ده كبير. التي شيرت ده (هذا القميص) لعب به عظماء، محمود الخطيب، حسن شحاتة، ابراهيم يوسف، أحمد الكاس، طارق أبو زيد، (محمد) أبو تريكة، وائل جمعة، حازم أمام (...) لا يرتديه أي كان".

الخيبة والشعور بالخذلان حضرا بكثافة في الصحف، مع سهام انتقاد الى أغيري واختياراته في أرض الملعب والأسماء التي استدعاها الى التشكيلة، وصولا الى طريقة إدارة المعسكر والجدل الذي رافقه بشأن اللاعب عمرو وردة.

"الأخطاء الكارثية" كانت من أبرز العناوين التي بنت عليها وسائل الإعلام الخروج غير المتوقع لمنتخب كان من أبرز المرشحين لإضافة نجمة ثامنة الى القميص الأحمر.

وعنونت صحيفة "الأخبار"، "منتخبنا يخذل الملايين ويودع أمم أفريقيا"، بينما تحسرت "الوطن" على "تبخر الحلم".

ورأت صحيفة "الأهرام" الحكومية أن ما حصل بالأمس كان "واحدة من أكبر مفاجآت الكان (بطولة أمم إفريقيا) 2019"، وأن كرة القدم المصرية دفعت "نتيجة أخطاء الجهاز الفني التي بدأت من اختياراته لقائمة المنتخب ودخوله البطولة بلاعبين دون المستوى الدولي".

الخذلان والانتقادات حضرا بكثافة في المؤتمر الصحافي بعد المباراة، حيث وجد أغيري نفسه أمام محاكمة غالبية قضاتها مصريون يضعون جنسيتهم وحبهم لبلدهم ومنتخبهم فوق أي اعتبارات مهنية، ولم يتمكن العديد منهم من مغالبة الدموع لدى طرح الأسئلة.

وسأله أحدهم بتأثر بالغ "ما تفسيرك للأخطاء التي ارتكبناها في الفترة الماضية وكلفتنا أن نخرج على أرضنا ووسط جماهيرنا من بطولة نحن ننظمها؟"، بينما طالبه آخر بالحديث "بكل صراحة لأن الشارع (...) ينتظر من المسؤول الفني الأول عن المنتخب أن يقول لنا حقيقة ما يحدث".

أضاف "أنت متهم بأنك حرمت الكرة المصرية من مواهب حقيقية" مثل رمضان صبحي وعبدالله جمعة وآخرين، وأنه "عاند" بخيارات الأسلوب.

دافع أغيري، مؤكدا رضاه عن خياراته وأداء اللاعبين، ما دفع أحد الصحافيين للتعليق "هو راضِ عن الأداء، يعني أنه راضٍ عن الخروج؟".

أعادت وسائل إعلام التذكير بالجدل الذي رافق المنتخب بشأن استبعاد وردة على خلفية قضية "تحرش" بعارضة أزياء عبر مواقع التواصل، وانتشار شريط مصور فاضح منسوب إليه، قبل خفض عقوبته والسماح له بالعودة بدءا من ثمن النهائي بعد "تكاتف" اللاعبين معه.

شارك وردة بديلا في مباراة الأمس، ولاقى تصفيق الجمهور لدى دخوله، كما حصل أثناء فترة الاحماء، حيث رد اللاعب برفع يده ورسم إشارة قلب نحو المشجعين... وصدى صوت شادية لا يزال يتردد وهي تقول "يا بلادي يا أحلى البلاد يا بلادي، فداكي أنا والولاد يا بلادي".