لشبونة: سيبقى عالقاً في الأذهان أنه أغرب موسم في تاريخ مسابقة دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، لكنه انتهى باسم مألوف على الكأس المرموقة بعدما تفوق بايرن ميونيخ الألماني على باريس سان جرمان الفرنسي 1-صفر الأحد في المباراة النهائية التي أقيمت في لشبونة، ليتوج بذلك الفريق الأكثر جدارة بفضل جهود مدربه هانزي فليك.

وفي مشهد غير مألوف فرضه تفشي فيروس كورونا المستجد الذي علق الموسم منذ آذار/مارس قبل أن يستأنف ببطولة مصغرة في لشبونة بنظام خروج المغلوب من مباراة واحدة اعتبارا من ربع النهائي، كانت مكبرات الصوت في "ستاد دا لوش" الوسيلة الوحيدة لمنح الفائز مشاعر الاحتفال مع جمهوره.

كانت مدرجات الملعب الذي يتسع لـ65 ألف متفرج، خالية بسبب قرار إكمال الموسم خلف أبواب موصدة تجنبا لانتشار العدوى، ما ترك فراغا كبيرا كان لا مفر منه من أجل التمكن من استكمال البطولة التي وصلت الى بر الأمان الأحد وخرج بايرن رافعا الكأس للمرة السادسة في تاريخه بفضل هدف للاعب سان جرمان السابق الفرنسي كينغسلي كومان.

أكد رئيس الاتحاد الأوروبي "ويفا" السلوفيني ألكسندر تشيفيرين في مقابلة مع وكالة فرانس برس من لشبونة، أن صيغة البطولة المصغرة التي فرضها "كوفيد-19" هذا الموسم لن تتكرر.

بغض النظر عن إمكانية تكرار هذا النظام في المستقبل أو اعتماد صيغة مماثلة للتي استكملت فيها البطولة هذا الموسم، فإن بايرن بطل عن جدارة بالتأكيد، بعد أن خرج منتصرا من جميع المباريات الـ11 التي خاضها هذا الموسم في إنجاز لم يحققه سابقا أي فريق، مكررا سيناريو 2013 حين توج بالثلاثية للمرة الأولى باحرازه أيضا لقبي الدوري والكأس المحليين.

وسجل النادي البافاري بقيادة مدرب استلم تدريبه قبل انتصاف الموسم خلفا للكرواتي نيكو كوفاتش، 43 هدفا في طريقه الى اللقب القاري، بينها سباعية في مرمى توتنهام الإنكليزي (7-1) وسداسية في مرمى النجم الأحمر الصربي (6-صفر) في دور المجموعات، وثمانية تاريخية في مرمى برشلونة الإسباني (8-2) خلال الدور ربع النهائي.

فليك يستحق التنويه

كان بايرن الطرف الأفضل في نهائي الأحد ضد فريق يصل الى هذه المرحلة للمرة الأولى في تاريخه، حتى إن كان محظوظا بعض الشيء في مواجهة الهجوم الضارب للفريق المنافس بقيادة البرازيلي نيمار والأرجنتيني أنخل دي ماريا وكيليان مبابي.

بوجود الحارس القائد مانويل نوير، المدافعين جيروم بواتنغ والمهاجم توماس مولر، ضمت تشكيلة بايرن في مباراة الأحد أربعة لاعبين من الذين أحرزوا اللقب عام 2013 على حساب غريمهم المحلي بوروسيا دورتموند.

لكن الملفت في حملة هذا الموسم ليس ما قدمه المخضرمون وحسب، بل المساهمة المميزة من الوجوه الشابة على غرار الكندي ألفونسو ديفيس، ابن الـ19 ربيعا الذي قال لشبكة "دازن" للبث التدفقي "إنك تحلم بلحظات مماثلة حين تكون طفلا. بصراحة، لا أصدق ذلك، الفوز بدوري الأبطال هو أعلى ما يمكن الوصول اليه".

ويستحق فليك تنويها خاصا في هذا الإنجاز، لأنه نجح في قلب الأمور بعد عام على خروج بايرن من ثمن النهائي على يد ليفربول الإنكليزي الذي توج لاحقا باللقب، لاسيما أن الفريق البافاري بدا بعيدا كل البعد عن إمكانية الفوز بلقب المسابقة القارية تحت قيادة كوفاتش.

ولم يتوقع أشد المتفائلين بأن ينجح فليك الذي استلم منصبه في تشرين الثاني/نوفمبر كمدرب موقت قبل تعيينه لاحقا بصفة دائمة، في قيادة بايرن الى الثلاثية وهذا ما تطرق اليه مولر بالقول "يا لها من فرحة هائلة. نشعر بأننا قطعنا شوطا كبيرا منذ تشرين الثاني/نوفمبر".

وتابع مولر الذي ارتقى عاليا بمستواه بعد تعيين فليك "لا أعلم كيف بدا الأمر من الخارج، لكني أعتقد أننا نستحقه (اللقب) بالطريقة التي لعبنا بها".

وفي ما يخص تغيير المدرب في منتصف الموسم، فهذه المقاربة أعطت ثمارها في العديد من الأندية خلال المواسم القليلة الماضية، إذ بات فليك ثالث مدرب في العقد الماضي يحرز اللقب رغم استلامه المهمة في منتصف الموسم، بعد الإيطالي روبرتو دي ماتيو مع تشلسي الإنكليزي موسم 2011-2012 والفرنسي زين الدين زيدان مع ريال مدريد الإسباني موسم 2015-2016 ثم في الموسمين التاليين.

"ليست كرة القدم التي نعرفها"

يبقى أن نرى كيف سيكون أداء بايرن في الموسم المقبل الذي ينطلق قريبا جدا، مع انطلاق الدوري الألماني في 18 أيلول/سبتمبر ودور المجموعات في دوري أبطال أوروبا في تشرين الأول/أكتوبر.

سيكون النادي البافاري بالتأكيد قوة ضاربة مرة أخرى، على غرار منافسيه وفي مقدمهم باريس سان جرمان الذي يتوجب عليه النهوض ومعاودة المحاولة مجددا رغم صعوبة السقوط عند العقبة الأخيرة.

بالنسبة لمدرب النادي الباريسي توماس توخل "لقد أظهرنا خلال الأسابيع القليلة الماضية كل ما هو لازم للفوز بكل لقب. خسرنا 0-1 في النهائي أمام أحد أقوى الفرق في أوروبا. يجب أن نحافظ على نفس النوعية (من اللعب) للاستمرار في هذا الطريق".

يمكن القول أن صيغة خروج المغلوب من مباراة واحدة اعتبارا من ربع النهائي عوضا عن ذهاب وإياب ساعدت سان جرمان أكثر من أي فريق آخر، نظرا الى معاناته في مواجهات خروج المغلوب من مباراتين في السنوات الأخيرة.

لكن شرط ألا تتفاقم أزمة "كوفيد-19" مجددا، فإن دوري أبطال أوروبا سيعود الى طبيعته في الموسم الجديد، ويشمل ذلك رؤية المشجعين في المدرجات أو عدد محدود منهم على أقل تقدير.

وستكون إسطنبول مسرحا للمباراة النهائية عام 2021 بعد أن سُحِبَ منها نهائي هذا العام بسبب "كوفيد-19"، على أمل أن يتمكن الفريق الفائز من الاحتفال مع جماهيره.

وكما قال فليك "من مؤسف ألا يتمكن المشجعون من التواجد هنا معنا اليوم. ربما يمكنهم العودة مرة أخرى في المستقبل. مباراة كهذه بدون مشجعين، ليست كرة القدم التي نعرفها".