طوكيو: بزغ النور أخيرًا على إحدى أكثر الألعاب الأولمبية جدلية في التاريخ بعد ايقاد المرجل في حفل افتتاح مبسّط لأولمبياد طوكيو، النسخة الـ32 من الألعاب الصيفية، بعد سنة من تأجيل غير مسبوق لأعرق حدث رياضي في العالم بسبب جائحة فيروس كورونا.

وأوقدت نجمة كرة المضرب اليابانية ناومي أوساكا المرجل في الملعب الأولمبي أمام مدرجات شبه خالية سترافق الرياضيين في غالبية المنافسات طيلة فترة الألعاب.

وستضيء الشعلة الأولمبية التي شهدت مساراً صعباً، الملعب الأولمبي حتى نهاية الحدث العالمي مساء يوم الأحد في الثامن من آب/أغسطس المقبل، بعد أسبوعين من المنافسات التي سيشارك فيها 11090 رياضياً يشكّلون 206 وفود من كل أنحاء العالم (205 بلد وفريق اللاجئين)، سيتنافسون على 339 ميدالية في 33 رياضة.

وكان أمبراطور اليابان ناروهيتو أعلن رسميًا "افتتاح ألعاب طوكيو" في منتصف الحفل وفقاً للصيغة العريقة، أمام قرابة ألف شخص فقط من المدعوين من كبار الشخصيات والمنظّمين والمسؤولين الأولمبيين في الملعب الذي يتسع لـ68 ألف مقعد، بعد حظر جماهيري محلي وأجنبي لحضور الألعاب.

وبعدما تأجلت في آذار/مارس 2020 لمدة سنة، وأصبحت أول ألعاب يتم إرجاؤها في زمن السِلم، تضمّنت رحلة الأولمبياد قائمة طويلة من التعقيدات، هدّدتها في بعض الأحيان من أن تصبح أول ألعاب حديثة بعد الحرب يتم إلغاؤها.

ووجّهت رئيسة اللجنة المنظمة سيكو هاشيموتو كلمة والتأثر واضح في عينيها "أرحب بكم جميعًا من كل قلبي...العالم بأسره واجه تحديات هائلة مع كوفيد-19. أريد أن أوجّه التحية والتقدير لكل العاملين بمن فيهم أولئك في القطاع الطبي في كل أنحاء العالم أيضًا".

واستذكرت التسونامي والزلزال والكارثة النووية في بلادها عام 2011 "مدّ لنا الناس في جميع أنحاء العالم يد العون...الآن بعد 10 سنوات بإمكاننا أن نريكم الى أي مدى تعافت اليابان...في ذلك الوقت، كان هناك تساؤل عن كيف يمكن للرياضة والرياضيين ان يلعبوا دورًا ايجابيًا في المجتمع. اليوم، في الوقت الذي يواجه العالم التحديات الكبرى، يسأل البعض أيضًا عن قدرة الرياضة وقيمة الالعاب الاولمبية".

وأكّدت "مواطنو العالم والشعب الياباني معنا في الروح في وقت يستمتع فيه رياضيو العالم أجمع في هذا الملعب الأولمبي في طوكيو تحت راية العلم الاولمبي".

ورغم أن المسؤولين اليابانيين حرصوا على تكرار ضمان إقامة ألعاب "آمنة" معتبرين أنها ستكون "دليلاً على انتصار البشرية على الفيروس" ما ساهم في تراجع حدة المعارضة الشعبية قليلاً في الاسابيع الاخيرة، إلا ان أولئك المعارضين أبوا إلا أن تُسمع أصواتهم في اليوم المنتظر.

فمقابل المئات من اليابانيين الذين احتشدوا خارج الملعب لمشاهدة الألعاب النارية والاستماع إلى الأصوات الصادرة من الداخل، واجههم العشرات من المعارضين الذين طالبوا "بإلغاء الأولمبياد" واستخدام الأموال لمساعدة القطاع الصحي ووصل صداهم إلى داخل أسوار الاستاد.

وفي حين فضّلت غالبية زعماء ورؤساء العالم عدم التوجّه إلى العاصمة اليابانية ، كان من أبرز الحاضرين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تستضيف بلاده النسخة المقبلة في العام 2024 والسيدة الأميركية الأولى جيل بايدن الى جانب رئيس اللجنة الدولية الألماني توماس باخ.

وقال باخ في كلمته "اليوم لحظة أمل. نعم، هي مختلفة تمامًا عن تلك التي تخيلناها. لكن فلنعتزّ بهذه اللحظة لأننا هنا سويا: الرياضيون من 205 لجنة أولمبية وطنية وفريق اللاجئين الأولمبي، يعيشون تحت سقف واحد في القرية الأولمبية".

وتابع البطل الاولمبي السابق الذي كرّر مرارًا معارضته لإلغاء الالعاب متوجّهاً إلى الرياضيين "لقد اضطررتم لمواجهة تحديات كبرى خلال مساركم الأولمبي (...) اختبرتم الكثير من الشكوك خلال الجائحة. لم تعرفوا إذا كان بمقدوركم رؤية مدربكم في اليوم التالي".

وبسبب اضطرار المنظّمين الى خفض الميزانية نتيجة الخسائر التي تكبدوها، لم يكن الحفل مهيبًا كما في النسخ الأخيرة، وانعكس ذلك على الرياضيين الذين حضر منهم زهاء 5700 وهم يرتدون الكمامات إلى الحفل الخالي من صخب الجماهير، من أصل قرابة 11 الفا سيتنافسون في الألعاب.

وافتتح الحفل بفيديو يظهر الرياضيين وهم يتمرنون في منازلهم خلال الجائحة قبل أن تطلق الألعاب النارية في سماء الملعب الأولمبي ويقف الحاضرون دقيقة صمت تحية للذين فقدوا حياتهم بسبب الفيروس.

وأظهرت الارقام الرسمية أن تكلفة الألعاب بلغت 1.64 ترليون ين، ما يعادل 14.8 مليار دولار أميركي، بما فيها 294 مليار ين إضافية (2.6 مليار دولار) بسبب تأجيل عام كامل.

وشهد الحفل الذي جاء أقل هيبة واستعراضا من النسخ الأخيرة، لوحات فنية مع تأثيرات بصرية وصوتية، وجسّد حب اليابان للحِرف التقليدية وألعاب الفيديو التي صدّرتها إلى العالم حيث دخل الرياضيون في طوابير البعثات على وقع أنغام موسيقى من ألعاب شهيرة.

وزيّنت 1824 طائرة مسيّرة (درون) سماء الملعب على شكل شعار الأولمبياد قبل أن تتحوّل إلى كرة ارضية على وقع أغنية "إيماجين" (تخيّل) للمغني الإنكليزي الشهير الراحل جون لينون التي تتحدّث عن عالم خالٍ من العنصرية والتمييز الطائفي والعرقي والمجاعة، في إحدى أجمل لوحات الحفل.

وبعد مسار صعب للشعلة تخلله إلغاء غالبية مراحلها في مختلف أنحاء البلاد لتحاشي تجمع الوفود على الطرقات، وصلت الى الملعب الأولمبي قبل أن يضاء المرجل المصمّم على شكل شمس ويرمز الى تلك المتواجدة على العلم الياباني، ليتفتح على شكل زهرة تجسد الحياة والأمل. وقد وُضع على أعلى تصميم مشابه لجبل فوجي الشهير الأعلى في البلاد.