نيويورك: موهوب لكن عصبي، كافح لاعب كرة المضرب الروسي دانييل مدفيديف لوقت طويل من أجل احتواء غضبه. بعد خيبة 2019، سيطر على أعصابه مفسحاً المجال لأداء جيّد منحه أول ألقابه الكبرى في فلاشينغ ميدوز على حساب المصنّف الأول عالمياً الصربي نوفاك ديوكوفيتش.

كان يجب تصديق الروسي عندما أكّد تعلّمه من دورس الماضي المختلفة، خصوصاً نهائي بطولة أستراليا المفتوحة في شباط/فبراير الماضي عندما خاض ديوكوفيتش نزهة أمامه، وأنّ خبرته المتراكمة ستجعل منه لاعباً أفضل.

أسبوعان في نيويورك أبرزا موقع الروسي عالمياً، وكان الختام مسكاً بفوزه الصريح على الصربي 6-4 و6-4 و6-4، حارماً إياه من إحراز البطولات الأربع الكبرى في سنة واحدة والإنفراد بعدد ألقابها ليبقى متساوياً مع السويسري روجيه فيدرر والإسباني رافايل نادال (20).

لم يتأثّر ابن الخامسة والعشرين نفسياً، حتى عندما آزرت جماهير نيويورك ديوكوفيتش في المجموعة الثالثة.

قال إبن العاصمة موسكو "كانت صعبة. أدركت أنّ الشيء الوحيد الذي يمكنني القيام به هو التركيز. لا أعرف ماذا كان سيحصل لو عادلني 5-5. كنت سأصبح مجنوناً".

"كنت مجنوناً"

عن طريق الصدفة، وجد دانييل المضرب بيده بعمر التاسعة. في طريقه إلى صفّ السباحة، وقع نظر والدته أولغا على إعلان لدروس كرة المضرب، فاعتبرها والده سيرغي، مهندس المعلوماتية، فرصة جيّدة لتسجيله.

لم يكن يعرف أنّ ميزانية شراء المضارب ستكلّفه كثيراً. عندما يفقد ابنه أعصابه، ترتفع الفاتورة!

أقرّ في مقابلة مع صحيفة "ليكيب" الفرنسية عام 2019 "كنت مجنوناً. لا يمكنك التخيّل كيف كنت حتى عمر التاسعة عشرة... لا أعرف من أين يأتي هذا الأمر، اعتبارًا من عمر العاشرة بدأت أقوم بأمور غريبة على أرض الملعب".

تابع "كنت أبكي، أحطّم المضارب... كلّ ما يمكنكم تخيّله. لم أكن أحبّ طريقة تصرّفي. بدءاً من الرابعة عشرة، كنت أخسر مباريات كثيرة لهذا السلوك. وبعد كلّ خسارة كنت أندم لوقت طويل".

بعد دراسته الفيزياء، الرياضيات ثم التجارة، قرّر التفرّغ لكرة المضرب. عاشق لعبة "فيفا" الإلكترونية والتي اقتبس منها احتفاله بالسقوط الحرّ بعد فوزه، انتقل مع عائلته إلى أنتيب الفرنسية عام 2014.

بعمر الثامنة عشرة، انضمّ إلى "مركز نخبة كرة المضرب" في كانّ حيث التقى مدرّبه الحالي جيل سيرفارا.

خروج عن النص

كان مدفيديف مغموراً عام 2017 عندما خاض بطولة ويمبلدون وسرق الأنظار. بعد خسارته في الدور الثاني أمام البلجيكي روبن بيملمانز، رمى عملات معدنية تحت كرسي الحكم ملمحاً إلى فساده.

اقتنع بعد سنوات أنّ هذا الأسلوب ليس ناجعاً ولا يساعده كثيراً. قبل بطولة الولايات المتحدة 2019، كشف استشارة معالجة نفسية لمساعدته على احتواء غضبه "ينجح الأمر في أحيانٍ كثيرة. لكن هذا لا يعني، أنه في مباراة معيّنة، قد أفقد أعصابي".

وهذا ما حصل في فلاشينغ ميدوز، تأهّل أمام الإسباني فيليسيانو لوبيس على وقع صافرات استهجان الجماهير، انتزع منشفته من بين يدي ملتقط الكرات، رمى مضربه على الكرسي ورفع أصبعه الأوسط أمام الكاميرا. قال بعد ذلك "شكراً لكم، كلما زادت صافراتكم، كلما زادت طاقتي".

يروي كيفة تحوّله من "طفل مشاغب" إلى أحد نجوم الكرة الصفراء "كنت غبياً. أعمل كي أصبح شخصاً أفضل على أرض الملعب". لم تتوقّف الصافرات آنذاك سوى في النهائي، حيث خسر مباراة عملاقة أمام الإسباني رافايل نادال.

في غضون سنتين، تحوّل تدريجاً من كتلة نارية إلى رجل جليد، مدجّجاً بـ13 لقباً وتجارب المناسبات الكبرى. قال قبل نصف النهائي الأخير "هذه السنة، لم أواجه أي مشكلة، وهذا جيّد".