لندن: منعته الإصابة من أن يلعب دوراً في أهم انتصار في تاريخ إنكلترا في عالم الكرة المستديرة، إلاّ أنّ ذلك لم يحل دون أن يبقى اسم الهداف الأسطوري جيمي غريفز الذي توفّي عن 81 عاماً، خالداً في الأذهان كأحد أبرز الهدّافين فتكاً في تاريخ كرة القدم الإنكليزية.

سجّل 366 هدفاً في 528 مباراة مع تشلسي وميلان الإيطالي وتوتنهام ووست هام، كما حمل لفترة طويلة الرقم القياسي لأكبر عدد من الأهداف في الدوريات الخمس الكبرى، لحين وصول البرتغالي كريستيانو رونالدو الذي تجاوز أرقامه المطلقة في عام 2017.

لم تنحصر إنجازاته على الصعيدين المحلّي أو الأوروبي، بل تألّق دولياً حيث سجّل مع منتخب "الأسود الثلاثة" 44 هدفاً في 57 مباراة، وفي حين منعته إصابة في قدمه من خوض نهائي كأس العالم 1966 والفوز التاريخي على ألمانيا الغربية 4-2، إلاّ أنّ غزارة أهدافه ضمنت بقاء إرثه خالداً.

فقط بوبي تشارلتون مع 49 هدفاً في 106 مباريات دولية وغاري لينيكر (48 في 80) وحامل الرقم القياسي واين روني (53 في 120) سجّلوا أهدافاً أكثر منه مع إنكلترا.

اعتاد غريفز على التصريح بسخرية "مررت بمرحلة جفاف تهديفيّة مرة" ويتابع ضاحكاً "كانت أسوا 15 دقيقة في مسيرتي".

كان غريفز لاعباً قصيراً وسريعاً وثابتاً، تميّز بتسديداته بالقدمين كلتيهما، كما اشتهر بقدرته على إنهاء الهجمات بنجاح وغالبًا ما كان يتجاوز حارس المرمى ليسجّل.

يتذكّر زميله السابق في وست هام، هاري ريدناب "عندما كان يحصل على الكرة داخل منطقة الجزاء، كان العالم يتوقّف".

وأضاف "كان الأمر كما لو أنّ شخصًا قام باستخدام وضعية التوقّف على شاشة التلفزيون" و"كانت المباراة تسير من حوله، لكن يبدو أنّ جيم كان في مجرة أخرى: أبطأ وأكثر هدوءًا، ممّا يجعل عقله غافلًا عن الهيجان الذي يحيط به".

جعلت أهدافه البالغ عددها 266 في 379 مباراة مع توتنهام في مختلف المسابقات بين عامي 1961 و1970، منه الهدّاف التاريخي للنادي. كما أحرز 37 هدفًا في موسم 1962-1963 في الدوري، وهو رقم لم يتمكّن أي لاعب من "سبيرز" من تحطيمه حتى الآن.

بدأ مسيرته مع تشلسي وسجّل في مباراته الأولى ضد توتنهام عام 1957، فيما أحرز 41 هدفاً في موسم 1960-1961 في الدوري وهو رقم قياسي صامد أيضًا، لم يتمكّن أي لاعب من "بلوز" من تجاوزه. أحرز خلال مسيرته في تشلسي (1957-1961) 124 هدفًا في 157 مباراة في الدوري، إضافة إلى 8 في مسابقات الكؤوس رافعاً رصيده إلى 132 هدفًا في 169 مباراة.

وبعد 50 عاماً من اعتزاله، لا تزال إنجازاته التهديفيّة تحتل مرتبة متقدّمة إلى جانب أفضل نجوم الكرة المستديرة المعاصرين.

علاقة حب

نشأ غريفز في هينو شمال شرق لندن، وانضم إلى تشلسي في سن المراهقة وخطا خطواته الأولى في سن الـ 17، ليصل إلى حاجز الـ 100 هدف في العشرين من عمره.

جذبت أهدافه العملاق الإيطالي ميلان، فقرّر التعاقد معه في حزيران/يونيو 1961 مقابل مبلغ كبير في حينها بلغ 80 ألف جنيه إسترليني (121.600 دولار)، ولكن على الرغم من تسجيله تسعة أهداف في 12 مباراة بالدوري الإيطالي، إلّا أنّه فشل في الإستقرار في لومبارديا.

وبحلول كانون الأوّل/ديسمبر عاد إلى لندن لينضم إلى توتنهام مقابل 99.999 جنيها إسترلينياً.

قرّر مدرب توتنهام حينها بيل نيكلسون أن تستقر الصفقة على المبلغ المذكور آنفاً كي لا يثقل كاهل غريفز بعبء كونه أوّل لاعب كرة قدم إنكليزي يتم التعاقد معه بصفقة تتجاوز 100 ألف جنيه.

وهكذا بدأت علاقة الحب العظيمة في مسيرة غريفز.

فاز بكأس الإتحاد الإنكليزي مرتين على ملعب "وايت هارت لين"، وسجّل ضد بيرنلي في نهائي 1962، كما أحرز هدفين في مباراة الفوز على أتلتيكو مدريد الإسباني 5-1 في نهائي كأس الكؤوس الأوروبية عام 1963، ممّا جعل توتنهام يدوّن اسمه كأول نادٍ إنكليزي يفوز بلقب بطولة قارية.

صدارة هدّافي الدوري الإنكليزي

احتلّ هذا المهاجم صدارة هدّافي الدوري الإنكليزي في ستة مواسم، ولكن على الساحة الدولية كانت قصة مغايرة إذ جانبه الحظ: بدأ كأس العالم 1966 على أرضه كأحد أبرز النجوم، إلاّ أنّه أُصيب بجرح في ساقه بعد عرقلة من الفرنسي جوزيف بونيل أبعدته عن تشكيلة "الأسود الثلاثة".

اعتقد غريفز أنّ القدر ابتسم له مجددًا عندما بات جاهزاً لخوض النهائي، لكن المدير الفني ألف رامسي كان له رأياً مخالفاً إذ قرّر عدم إشراكه، ليدفع بلاعب وست هام جيف هيرست بدلاً منه، فحفر الأخير اسمه بأحرف من ذهب في تاريخ كرة القدم الإنكليزية بتسجيله ثلاثية "هاتريك"، مع هدف ما زال حتّى يومنا هذا يثير الشكوك حوله.

قال غريفز متحدّثاً عن هذه اللّحظة "رقصت في جميع أنحاء الملعب مع الجميع، ولكن حتى في لحظة الإنتصار هذه والسعادة الكبيرة شعرت بحزن عميق".

ارتبط اسم غريفز بواحدة من أشهر الحوادث في مونديال 1962 أمام البرازيل، حيث اقتحم كلب شارد الملعب فتدخّل غارينشا لإيقافه من دون أن ينجح، في حين نجح المهاجم الإنكليزي في فعل ذلك عن طريق تثبيت الكلب الذي تبيّن لاحقاً أنّه تبوّل عليه.

وبينما قرّر غارينشا اصطحاب الكلب معه إلى البرازيل، اشتهر غريفز في بلاد "السامبا" بـ "الرجل الذي التقط كلب غارينشا".

سقط غريفز في عالم إدمان الكحول مع اقتراب مسيرته من نهايتها في الدرجة الأولى، حيث كانت محطّته الأخيرة بقميص وست هام.

بعد تعاقده، عمل مع صحيفة "ذي صن" الشهيرة وكانت له كتابات أسبوعية، كما ظهر في فيلم "ساينت أند غريفزي" مع مهاجم ليفربول واسكتلندا السابق إيان سانت جون.

نجا من سكتة دماغية في عام 2015 وحصل على وسام الإمبراطورية البريطانية في عام 2020. تأهّل من إيرين ولديه أربعة أولاد.