في واحد من أكثر السيناريوهات إثارة في كأس العالم، كان المغرب بأكمله بحاجة إلى أبرز نجومه لتوجيه الضربة القاضية لإسبانيا وإقصائها من المونديال والتأهل إلى الدور ربع النهائي.

فبعد انتهاء الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل السلبي وبعد إحراز منتخب المغرب لركلتي ترجيح، أصبحت كل الضغوط على كاهل أشرف حكيمي، الظهير الأيمن السابق لريال مدريد والمولود في إسبانيا، والذي كان من الممكن أن يمثل منتخب إسبانيا، لكن الأمور سارت بشكل مختلف.

فاللاعب البالغ من العمر 24 عاما فضل تمثيل منتخب المغرب، وأصبح الآن يحمل على كتفيه عبء المسؤولية تجاه أمة بأكملها، مدركا أن نجاحه في تسجيل ركلة الجزاء الحاسمة سيقود منتخب بلاده للوصول إلى الدور ربع النهائي لكأس العالم للمرة الأولى في تاريخه.

تقدم المدافع الشاب ووضع الكرة في منتصف المرمى لتعم مشاعر الفرحة والسعادة بين لاعبي ومشجعي المنتخب المغربي، قبل أن يحتفل بطريقة مؤثرة مع والدته في المدرجات بعد الفوز بركلات الترجيح بثلاثة أهداف مقابل لا شيء.

وأصبح المغرب رابع منتخب أفريقي - وأول منتخب عربي - يصل إلى دور الثمانية لكأس العالم بعد الكاميرون في 1990، والسنغال في 2002، وغانا في 2010. لكن لم تنجح أي من هذه المنتخبات في الوصول إلى ما هو أبعد من ذلك.

وقال المدير الفني لمنتخب المغرب، وليد الركراكي، بعد نهاية المباراة: "إنه إنجاز كبير، وجميع اللاعبين أظهروا إرادة هائلة".

وأضاف: "كنا نعلم أننا نحظى بدعم هائل، وقد منحنا ذلك الطاقة التي مكنتنا من تقديم هذا الأداء الليلة".

وبعد تحقيق هذا الإنجاز الاستثنائي، تلقى الركراكي اتصالا هاتفيا من ملك المغرب محمد السادس بعد المباراة.

وقال الركراكي: "إنه لأمر استثنائي أن يتلقى مغربي تلك المكالمة. إنه يشجعنا دائما ويقدم لنا النصيحة، ويدعونا لتقديم كل ما في وسعنا".

وأضاف: "رسالته ثابتة دائما ولا تتغير، فهو فخور باللاعبين، وفخور بنا، ونتيجة لذلك نريد أن نذهب إلى أبعد من ذلك وأن نقوم بعمل أفضل في المرة القادمة".

أشرف حكيمي
Getty Images
وضع حكيمي الكرة على طريقة "بانينكا" الرائعة

جماهير المغرب "تحب البلاد"

وكانت الضربة القاضية التي وجهها حكيمي للمنتخب الإسباني مهينة، إذ لعب الكرة على طريقة "بانينكا" الرائعة، وهو ما جعل حارس مرمى إسبانيا أوناي سيمون ينحني على ركبة واحدة بينما كانت الكرة تتجه نحو الشباك ببطء.

لكن الظهير الأيمن لباريس سان جيرمان ما كان ليحصل على فرصة أن يكون بطلا لولا تصدي الحارس المغربي ياسين بونو لركلتي جزاء ولو لم تصطدم تسديدة بابلو سارابيا بالقائم، في الوقت الذي نجح فيه كل من عبد الحميد صابيري وحكيم زياش في التسجيل لتصبح النتيجة تقدم المغرب بهدفين دون رد.

وبعد الفوز على إسبانيا بركلات الترجيح، بدأت الاحتفالات المغربية وركض اللاعبون حول الملعب، وحمل اللاعبون نجم تشيلسي حكيم زياش على أكتافهم.

وحمل اللاعبون المبتهجون المدير الفني المحبوب وليد الركراكي، الذي عُين في منصبه في سبتمبر/أيلول الماضي فقط، ودفعوه في الهواء.

وقال الركراكي: "أعتقد أنه من المستحيل أن تفعل ذلك بدون هؤلاء المشجعين. إنهم يأتون إلى الفندق، ويريدون الحصول على تذاكر، وقد جاء الكثير من المشجعين إلى قطر لدعم الفريق. جاؤوا من الولايات المتحدة، ومن أوروبا، ومن المغرب".

وأضاف: "إنهم يحبون البلاد، وما يمكنني قوله هو أننا لم نفعل شيئا. أنا أحتاج إليهم في مباراة دور الثمانية، لكنني فخور جدا بالمشجعين وبشعبي".

وليد الركراكي
Getty Images
تلقى وليد الركراكي اتصالا هاتفيا من ملك المغرب محمد السادس بعد الفوز على إسبانيا

"لم يكن أحد يثق في قدرتنا على القيام بذلك، لكننا كنا نثق بأنفسنا"

لقد كان المغرب يعرف جيدا أن المنتخب الإسباني هو الأوفر حظا للفوز في تلك المباراة.

لكنهم التزموا تماما بخطة المدير الفني، من خلال الاعتماد على الدفاع المحكم، وهو الأمر الذي جعل المنتخب الإسباني لا يسدد إلا تسديدة واحدة فقط على المرمى، على الرغم من أن المنتخب الإسباني، بقيادة المدير الفني لويس إنريكي، حاول التغلب على المغرب من خلال الاستحواذ على الكرة، وأكمل أكثر من ألف تمريرة.

واستمد لاعبو المنتخب المغربي حماسا كبيرا من الجمهور المغربي الذي كان عدده أكبر بكثير من الجمهور الإسباني ولم يكن يتوقف عن الهتاف والرقص لمدة 120 دقيقة كاملة.

ولم يرحل المشجعون الإسبان الذين كانوا موجودين خلف المرمى وهم يشعرون بالإحباط وخيبة الأمل فحسب، لكن المؤكد أنهم سيعانون من مشكلات في السمع طوال الليل بسبب ما سمعوه من الهتافات الصاخبة من الجمهور المغربي.

وجسد القائد رومان سايس روح المغرب، إذ كان يلعب وهو يعاني من إصابة في أوتار الركبة. وقدم نجم وست هام، نايف أكرد، مستويات رائعة قبل أن يخرج مصابا وهو يعرج، بينما أكمل لاعب الوسط سفيان أمرابط المباراة بأكملها وقدم مستويات رائعة رغم أنه كان يلعب وهو مصاب.

وقال الركراكي: "إسبانيا من أفضل المنتخبات في العالم، إن لم تكن الأفضل. لم يكن من الممكن أن نضغط عليهم بطول الملعب، لأن هذا هو ما كانوا يريدون منا القيام به".

وأضاف: "لقد تحلينا بالصبر، وكنا نعرف أنه إذا وصلنا إلى ركلات الترجيح فستكون لدينا فرصة لتحقيق الفوز لأن لدينا واحد من أفضل حراس المرمى في العالم. لقد كافحنا من أجل ذلك".

وقال بات نيفين، الجناح الأسكتلندي السابق، لبي بي سي: "لا يمكنك أن تقول إن المغرب لا يستحق الفوز. لقد قاتلوا ولعبوا بروح عالية، ثم بشجاعة كبيرة خلال ركلات الترجيح".

وأضاف: "يا لها من لحظة تاريخية. يمكنك أن ترى وتشعر بمدى ما يعنيه ذلك لهذه الأمة. لم يكن أحد يعتقد أنه بإمكانهم الوصول إلى هذا الحد".

وقال مشجع مغربي سعيد للغاية، اسمه عزام، وهو يحتفل خارج الملعب لبي بي سي: "لم يكن أحد يثق في قدرتنا على القيام بذلك، لكننا كنا نثق بأنفسنا. ونعتقد أنه يمكننا الفوز مرة أخرى أيضا".

وأضاف: "هذا الفريق يضم مجموعة من الأبطال. نحن نحبهم ويمكنهم الوصول إلى نصف النهائي، ثم النهائي، ويمكنهم رفع كأس العالم. لم نكن خائفين من إسبانيا. لقد تركنا لهم الاستحواذ على الكرة، وفزنا بالمباراة".

وتابع: "الاحتفالات في المغرب ستكون كما لم ترها من قبل. ستكون مذهلة، مثل الاحتفالات هنا".

وكان عزام محقا تماما في ذلك، فقد شهدت العاصمة الرباط احتفالات مبهجة، ويتطلع المنتخب المغربي إلى تحقيق مفاجأة أخرى عندما يلعب يوم السبت أمام منتخب البرتغال الفائز بكأس الأمم الأوروبية عام 2016.