تباينت آراء النُّقاد والكتُّاب من جهة مع وجهات نظر المنتجين والممثلين من جهة أخرى، حول موضوع تحويل الأفلام القديمة إلى مسلسلات، ففي الوقت الذي رفض الطرف الأوَّل الظاهرة، معتبرًا إياها إفلاسًا واستغلالاً لنجاح الآخرين، يرى الطرف الثاني أنَّها تمثل إثراء لصناعة الدراما.
القاهرة: يجري التَّجهيز لموسم دراما رمضان 2011 على قدم وساق، وسيشهد إتساع ظاهرة تحويل الأفلام السينمائيَّة القديمة إلى مسلسلات، ومنها quot;سمارةquot; المرشَّحة لبطولته الممثلة المصريَّة، غادة عبد الرازق، وإنتاج شركة كينغ توت، وهو مأخوذ عن فيلم يحمل الإسم نفسه بطولة الفنانة المصريَّة تحيَّة كاريوكا، ومحسن سرحان، وأنتج في العام 1956.
quot;شباب إمرأةquot; المرشَّحة لبطولته الممثلة المصريَّة، رانيا يوسف، ومقتبس من فيلم بالاسم نفسه بطولة تحيَّة كاريوكا أيضًا وشكري سرحان.
quot;شفيقة ومتوليquot; وكانت الفنانة، سميَّة الخشاب، مرشَّحة للبطولة، لكنَّها اعتذرت عنه وهو مأخوذ عن فيلم بالاسم ذاته إنتاج العام 1978، بطولة سعاد حسني وأحمد زكي.
quot;الشيماءquot; بطولة الممثلة السوريَّة، قمر خلف، وهو مأخوذ عن فيلم quot;الشيماءquot; بطولة سميرة أحمد، وأنتج في العام 1973.
quot;الأرضquot; بطولة جمال سليمان والنسخة الأصليَّة تحمل الاسم نفسه، وأبدع فيها الراحل محمود المليجي، وأنتج في العام 1970.
quot;امبراطورية ميمquot; ومرشَّحة لبطولته الفنانة رغدة وهو مقتبس من فيلم قامت ببطولته الفنانة الكبيرة فاتن حمامة، وأنتج في 1972.
quot;إيلافquot; رصدت الظاهرة الَّتي لاحت بوادرها رمضان قبل الماضي مع مسلسل quot;الباطنيةquot;، ثم quot;العارquot; في رمضان الماضي، حيث تباينت آراء النُّقاد والكتُّاب من جهة مع وجهات نظر المنتجين والممثلين من جهة أخرى، ففي الوقت الذي رفض الطرف الأوَّل الظاهرة، معتبرًا إياها إفلاسًا واستغلالاً لنجاح الآخرين، يرى الطرف الثاني أنَّها تمثل إثراء لصناعة الدراما.
ووفقًا للسيناريست، أحمد صالح، فإنَّ اللجوء إلى إعادة إنتاج الأفلام السينمائيَّة الناجحة إفلاس من جانب المؤلفين والمنتجين وتكاسل منهم في البحث عن أفكار وقضايا جديدة تهم الرأي العام، على الرغم من أنَّ المجتمع يزخر بالأزمات الَّتي تصلح لكتابة ألف مسلسل، واتهم من يحاولون تقديم هذه الأعمال من جديد في صورة دراميَّة بالإستغلال غير المشروع لنجاح صنعه روَّاد السينما، ومحاولة الصعود على أكتافهم.
وشدَّد صالح على ضرورة التَّصدي لهذه الظاهرة الَّتي تعتبر بمثابة سطو على تاريخ السينما، خصوصًا في ظل فشل غالبية المسلسلات المأخوذة عن أفلام مثل quot;رد قلبيquot; وquot;العارquot;.
وردًّا على مبررات صنَّاع هذا النوع من الدراما بأنَّ المسلسل عادةً ما يكون مختلفًا تمامًا عن النسخة السينمائيَّة، يقول صالح إنَّه إذا كان الأمر كما يدعون، فلماذا لا يكون العمل مختلفًا أيضًا في الاسم وفي أسماء الأبطال؟ لافتًا إلى أنَّ مبرراتهم أقبح من ذنبهم، وتمثل إدانة لهم، و تؤكِّد أنَّ هناك سوء نية لاستغلال نجاح الأعمال الأصليَّة.
وحسبما يرى السيناريست، يسري الجندي، فإنَّ نجاح أو فشل عمليَّة إعادة انتاج الأفلام السينمائيَّة الناجحة يعتمد على ثلاثة عناصر، الأوَّل هو حرفيَّة الكاتب ومدى تمكُّنه من أدواته وقدرته على تطوير الأفكار وتناولها من زوايا جديدة مع ضرورة عدم الإنغلاق على العمل الأصلي والوقوع في أسره، والثاني قدرة المخرج على الإبداع في تقديم عمل ذي نكهة مختلفة عن الفيلم الأساسي، والثالث موهبة الممثلين وخبرتهم ومدى قدرتهم على عدم السقوط في فخ تقليد الفنانين الذين قدموا العمل من قبل وحقَّق نجاحًا سينمائيًّا، وأنّْ تكون لهم بصمة خاصَّة بهم، مشيرًا إلى أنَّه لو تضافرت هذه العناصر الثلاثة معًا سيحظى العمل بالنجاح المرجو، واستطرد قائلاً: quot;ولكن إن كان الهدف استغلال عمل ناحج في انتاج مسلسل تجاري من دون مجهود حقيقي، فستطارد هذه الأعمال لعنة النسخ الأصليَّة، وستذهب إلى عالم النسيان وتظل الأصليَّة خالدة، تشهد بحرفيَّة وإبداع صانعيها، وسطحيَّة مقلِّديها.
وترى الناقدة، ايريس نظمي، أنَّ المثل الشعبي القائل: quot;التاجر لما يفلس يدور في دفاتره القديمةquot; ينطبق على صنَّاع هذه النوعيَّة من الدراما، الذين يعانون إفلاسا حقيقيا في الأفكار، وبالتالي يقلبون في التَّاريخ السينمائي ويعيدون إنتاج أفضل أفلامه، واعتبرت أنَّ هؤلاء يرتكبون جرمًا في حق التراث الفني الذي يعتبر ملكًا للأمَّة، ولا ينبغي العبث به بهذا الأسلوب المستفز، وأضافت أنَّ الكثير من الأعمال الَّتي أعيد انتاجها لم تحظ بأي نجاح يذكر، لأنَّها كانت بمثابة مسخ مشوه لأعمال عظيمة وخالدة، وطالبت من يقومون بما وصفته بـquot;الجرمquot; باحترام عقول المشاهدين الذين ملوا من تلك الخدع المكشوفة لعمل دعاية وتحقيق مكاسب ماديَّة طائلة على حساب التراث السينمائي.
ويتساءل الناقد، رفيق الصبان، عن السر وراء الإصرار على إعادة تقديم الأفلام الَّتي تشكِّل علامات في تاريخ السينما دراميًّا على الرغم من فشل غالبية التَّجارب السابقة؟ وأضاف أنَّ هناك هدفا غير معلن يدفع المنتجين الذين يديرون دفَّة صناعة الدراما إلى السير في هذا الطريق على الرغم من الفشل والإنتقادات، موضحًا أنَّ هذا الهدف يتمثَّل في إعادة تقديم أفلام ناحجة ومثيرة للجدل يحقِّق للمنتج دعاية مجانيَّة، ويجذب المعلنين، إضافة إلى أنَّ المشاهد سيجلس أمام الشاشة لمتابعته، من أجل مقارنته بالعمل الأصلي، مشيرًا إلى أنَّه من الصعب جدًّا إعادة معالجة قضيَّة سبق عرضها في مدة ساعتين من خلال مسلسل مدته تزيد على 21 ساعة، وسيحدث مط وتطويل يصيب المشاهد بالملل.
وعلى الجانب الآخر، يرى المنتجون أنَّ الأعمال الدراميَّة تختلف عن الأفلام السينمائيَّة القديمة، وتقدم معالجة مختلفة وعصريَّة للقضية، ويقول المنتج محمد شعبان الذي سيعيد انتاج فيلم quot;سمارةquot; في شكل درامي، إنَّ الأعمال الدراميَّة تختلف تمامًا عن الأفلام، في كل شيء باستثناء الفكرة الأساسيَّة، والأمانة تقتضي القول إنَّ الفكرة مقتبسة، مشيرًا إلى أنَّ طريقة الكتابة الدراميَّة تختلف عن السينمائيَّة، وكذلك الإخراج، وحتَّى أداء الممثلين، ولا وجه للمقارنة بين فيلم مدته 120 دقيقة مثلاً بمسلسل مدته أكثر من 21 ساعة.
وحسب المنتج، صفوت غطاس، فإنَّ الأعمال الدراميَّة المأخوذة عن أفلام لم تفشل، والدليل أنَّ العام المقبل سيشهد إنتاج مجموعة مسلسلات من هذا النوع، لافتًا إلى أنَّ وجهة نظر النُّقاد تختلف عادة عن آراء الجمهور، ففي الوقت الذي إعتبروا فيه أنَّ مسلسل quot;العارquot; فاشل كان من أعلى المسلسلات من حيث نسبة مشاهدة.
وينحاز الفنانون لوجهة النظر المؤيدة للظاهرة، ويقول الفنان محمود ياسين إنَّ الأفلام الناحجة عادةً ما تحمل زخمًا من الأفكار الَّتي من الممكن معالجتها في صورة دراميَّة، ويشير إلى أنَّ نجاح العمل يعتمد على مدى مهارة الكاتب واحترافيَّة الممثل والمخرج في تقديم عمل مختلف يستطيع أن يجذب المشاهد إليه منذ الدقيقة الأولى في عمر المسلسل وحتَّى نزول تتر النهاية، وأكَّد ياسين أنَّ هناك العديد من الأعمال الدراميَّة المقتبسة من أفلام حقَّقت نجاحًا لافتًا ومنها: quot;العارquot;، quot;الباطنيةquot;، quot;ريا وسكينةquot;، وquot;رد قلبيquot;، وحازت على نسبة مشاهدة عالية جدًّا عند عرضها على الشَّاشة للمرَّة الأولى، ولفت ياسين إلى أنَّ التنوع هو سر ثراء أي فن، ومن هذا المنطلق، لابد من تشجيع صنَّاع الدراما على تقديم أعمال مختلفة، ولا مانع من إعادة تقديم الأفلام الَّتي حقَّقت نجاحًا كبيرًا في الماضي، لأنَّ الجديد لن يمحو القديم ولن يقلل من قيمته والحكم في النهاية للمشاهد.
وتؤكد الفنانة غادة عبد الرازق الَّتي تعاقدت على بطولة مسلسل quot;سمارةquot; المأخوذ عن فيلم يحمل الاسم نفسه، أنَّ هناك اختلافًا كبيرًا بين الدراما والسينما، وأنَّ كلامها له طعم ومذاق خاص به، معتبرةً أنَّ إعادة إنتاج الأفلام السينمائيَّة في شكل درامي لا يمثل جريمة في حق هذه الأفلام، و قالت إنَّ quot;سمارةquot; المسلسل لن يكون نسخة طبق الأصل عن quot;سمارةquot; الفيلم، ولن يتشابها إلاَّ في الفكرة الرئيسة فقط.
وتشجع الفنانة، رانيا فريد شوقي، تلك الظاهرة وترى أنَّها لا تحمل أيَّة إساءة إلى التراث السينمائي، وقالت إنَّ المقارنة لا تصح بين فيلم مدته 120 دقيقة ومسلسل مدته قد تصل إلى 21 ساعة، وأوضحت أنَّ هناك إختلافًا كبيرًا بين صناعة السينما وصناعة الدراما، وأنَّ جمهور كل منهما مختلف عن الآخر، فالأولى جمهورها من الشَّباب الذين يذهبون لمشاهدتها في دور العرض، والثانية جمهورها هو الأسرة الَّتي تشاهد هذه الأعمال من المنزل.
التعليقات