يرى البعضأنَّتكالب المنتجين على التعاقد مع كبار نجوم السينما للقيام ببطولة المسلسلات الدراميَّة لرمضان 2011، أنَّه بمثابة دق مسمار في نعش هذه الصناعة الَّتي تحاول النهوض والإزدهار، مؤكِّدين أنَّ ظاهرة النجم الأوحد كانت سببًا في تدهور صناعة السينما، وستكون سببًا في تدهور الدراما أيضًا.
القاهرة: فيما كان شهر رمضان يلملم أوراقه استعدادًا للرحيل، وبينما كان الماراثون الدرامي يقترب من نهايته، كان الصراع بين المنتجين على أشدِّه من أجل الفوز بالتعاقد مع كبار النجوم أو quot;السوبر ستارزquot;، من أجل القيام ببطولة مسلسلات رمضان 2011، وبلغت الأجور المتفق عليها أرقامًا فلكيَّة خياليَّة تراوحت مابين 12 و30 مليون جنيه للنجم الواحد، الأمر الذي يثير العديد من علامات الإستفهام، خصوصًا أنَّ هؤلاء المنتجين اشتكوا من وجود أزمة في تسويق أعمالهم، واضطر بعضهم إلى تأجيلها للعام المقبل.
عادل إمام يشعل الصراع
جاءت الشرارة الأولى للصراع من تعاقد المنتج صفوت غطاس مع الفنان عادل إمام على بطولة مسلسل quot;فرقة ناجي عطااللهquot; مقابل 30 مليون جنيه مصري، بمعدل مليون لكل حلقة، ويعكف المؤلف يوسف معاطي على كتابته حاليًّا، ورصد المنتج له ميزانيَّةً تقدَّر بـ60 مليون جنيه.
فيما تعاقدت شركة quot;كينغ توتquot; مع الفنان يحيى الفخراني على بطولة مسلسل quot;محمد عليquot;، نظير 30 مليون جنيه، وسيبدأ التصوير في نوفمبر المقبل، وهو النجم غير السينمائي الوحيد الذي يحصل على هذا الأجر.
كما تعاقدت شركة السبكي مع محمد سعد على بطولة مسلسل quot;ألف لمبي ولمبيquot;، وهي الشَّخصيَّة المحبَّبة إليه، وكان سعد طلب 20 مليوناً، ولكن الشركة خفضت المبلغ إلى 12 مليوناً، وانتهى المؤلفون محمد النبوي وعلاء حسن وسامح سر من كتابته، وكان مزمعاً عرضه في رمضان 2010، إلاَّ أنَّ انشغال الشركة والفنان بفيلم quot;اللمبي 8 جيجاquot; أجل المسلسل لرمضان المقبل، ومن المقرر أن يبدأ سعد التَّصوير في يناير 2011.
ويشارك محمد هنيدي في الماراثون المقبل بمسلسل quot;رمضان مبروك أبو العلمين حمودةquot; وهو الفيلم الذي كتبه له المؤلف يوسف معاطي، وسيحوِّله إلى عمل درامي، ويتقاضى هنيدي 20 مليون جنيه، نظير بطولة المسلسل.
كريم عبد العزيز من نجوم الصف الأول في السينما، قرر أيضًا دخول مضمار المنافسة الدراميَّة، وأبرم المنتج صفوت غطاس معه عقدًا لبطولة مسلسل رمضاني، لم يتحدَّد كاتبه حتَّى الآن، وسيحصل كريم على 18 مليون جنيه، وكان قد فسخ تعاقده مع شركة الصبَّاح الذي كان مقابل 12 مليوناً، وكان المسلسل باسم quot;عساكرquot; ومن تأليف وحيد حامد.
واتفق المنتج كامل أبو علي مع النجمين الزوجين أحمد حلمي ومنى زكي على بطولة مسلسل مقابل 15 مليونًا لكل منهما، وقرر النجم هاني رمزي العودة إلى حلبة المنافسة مرَّةً أخرى بفيلم quot;أمين الإنتقامquot;، من تأليف حمدي يوسف، وإخراج أشرف سالم، ويشاركه بطولته نيللي كريم بعد أنّْ اعتذرت دنيا سمير غانم، إضافة إلى لبلبة، وحسن حسني، وسيحصل رمزي على مبلغ 16 مليون جنيه.
النجم يحقِّق مكاسب سريعة
ووفقًا للناقدة الفنيَّة خيريَّة البشلاوي فإن منتجي الدراما يختارون الطريق الأسهل والأسرع لتحقيق المكاسب الماديَّة، ألاَّ وهو الإستعانة بنجوم الصف الأوَّل في السينما، لأنَّ المسلسل الذي يقوم ببطولته quot;سوبر ستارquot; يسهل تسويقه قبل الشروع في تصويره، خصوصًا وأنَّ القنوات العربيَّة تنظر إلى إسم البطل، وليس إلى الفكرة أو القضيَّة الَّتي يناقشها المسلسل.
وأضافت أنَّ المنتج عندما يدفع إلى نجم سينمائي 30 أو 35 مليون جنيه، أي ما يزيد على نصف ميزانيَّة العمل، يعلم جيِّدًا أنَّه يستطيع جمع أضعاف هذا المبلغ، مشيرةً إلى أنَّ الأمر لم يعد يقتصر على ممثلي السينما فقط، بل يتم الإستعانة بمخرجيها وكتابها ومصوريها أيضًا.
وأكدت البشلاوي أنَّ الإعتماد على النجم الأوحد في تسويق العمل الفني، يؤثر بالسلب في باقي عناصر الإنتاج من ديكور وتصوير واختيار أماكن التصوير، بل وأجور باقي الفنانين المشاركين فيه، وتكون النتيجة تقديم عمل ضعيف فنيًّا، الأمر الذي يساعد على انهيار صناعة الدراما سريعًا.
انهيار الدراما خلال عامين
وتتوقَّع الناقدة إيريس نظمي انهيار صناعة الدراما خلال عامين على الأكثر في حال إصرار منتجي الدراما على الإستعانة بنجوم الصف الأوَّل بالسينما ودفع أجور خياليَّة لهم، على حساب تكلفة الإنتاج ككل، وتقول إنَّ حصول النجم على ما يتجاوز نصف ميزانيَّة العمل بحجة أنَّه quot;اللي شايل المسلسلquot;، تعجِّل في تدمير الصناعة الَّتي شهدت ازدهارًا خلال السنوات القليلة الماضية، حيث يخرج العمل في صورة فنيَّة فقيرة للغاية، نتيجة quot;الكروتةquot; أو الإستسهال في التصوير والديكورات، ولن يستطيع النجم خداع المشاهدين طوال 30 حلقة إذا كان المسلسل إجمالاً غير جيِّد، وبالتَّالي سينصرفون عنه، وهذا ما حدث في رمضان الفائت، حيث فشلت بعض المسلسلات الَّتي اعتمدت على النجم الأوحد، وكان يجب على المنتجين أنّْ يأخذوا منها العبرة والعظة، بدلاً من التصارع على التعاقد معهم مرَّة أخرى، إذا كانوا حقًّا يريدون لهذا الصناعة الإزدهار والإستمرار.
وتدعو نظمي المنتجين إلى تبني العمل الجماعي ذي الموضوع أو القضية الثرية، والذي يضم مجموعة من الفنانين من مختلف الأجيال، مع الإهتمام بباقي عناصر العمل، مؤكِّدةً أنَّه في حال تنفيذ هذا الإقتراح سيجبر نجوم الصف الأول على تخفيض أجورهم، وتقديم وجوه جديدة باستمرار، وخفض تكلفة الإنتاج، وبالتَّالي سهولة أكثر في التسويق.
فتش عن الإعلانات الإستهلاكيَّة
وحسب وجهة نظر الناقد عصام زكريا فإنَّ شركات الإنتاج تشتري الحصان قبل تصنيع العربة، ثم تبحث عمن يموِّل تصنيع العربة، ألاَّ وهي شركات الإعلانات الَّتي تتحكَّم في العمل ككل، وتقف وراء ظاهرة النجم الأوحد، الَّتي انتقلت من السينما إلى الدراما، وأضاف أنَّ تحكم الإعلانات في الدراما كانت سببًا رئيسا في انقراض الدراما الدينيَّة، وستطيح بالموضوعات والقضايا الَّتي تناقشها المسلسلات، لتتناسب مع المنتجات الإستهلاكيَّة التافهة الَّتي تروِّج لها.
واستطرد متسائلاً: هل يعقل أنّْ يتم الترويج أو الإعلان عن مستحضرات التَّجميل والبطاطس المقرمشة والمكسَّرات والحلويات أثناء عرض مسلسل ديني؟! بل يتم ذلك من خلال مسلسلات على شاكلة quot;زهرة وأزوجها الخمسةquot; وquot;العارquot;.
ويتابع قائلاً: إنَّ شركات الإنتاج تتعاقد على عرض المسلسل قبل التعاقد مع الفنان البطل، وتحصل على جزء من الأجر، لتسلم النجم الأوحد جزءًا أو قسطًا من أجره، والمنتج يتعامل بنظام ما يعرف في السوق التجارية بـquot;يلبس طاقية ده لدهquot;، وفي النهاية لا يصرف ميلم واحد من حسابه الخاص، ومثل هؤلاء المنتجين كانوا السبب في تدهور صناعة السينما بعدما رفعت الدولة يدها عنها، فقد كان الانتاج مايقرب من 120 فيلمًا سنويًّا، تقلص فجأة إلى 40 ثم إلى حوالى عشرة أفلام حاليًّا، وليتها أفلام على مستوى فني جيِّد، ولفت زكريا إلى أنَّ المنتج لا يعنيه الصناعة أو المشاهد، بقدر حرصه على المكسب السريع. وقال: إنَّهم يدقون مسمارًا في نعش صناعة الدراما.
انخفاض الإنتاج 50%
المنتجون أنفسهم يعترفون بأنَّ نجوم الصف الأوَّل بالسينما خطر على صناعة الدراما، لكنهم يعتبرون أنَّهم quot;شر لابد منهquot;، ويقول المنتج صفوت غطَّاس الذي تعاقد مع الفنان عادل إمام على بطولة مسلسل quot;فرقة ناجي عطااللهquot; بأعلى أجر في تاريخ الدراما، بلغ 30 مليون جنيه، إنَّ الدراما صارت صناعة برَّاقة وجاذبة لنجوم السينما، بعد أن كثرت القنوات الفضائيَّة الَّتي تحتاج دائماً إلى ما تملأ به شاشاتها.
وزاد في القول: هذه القنوات وخصوصًا الخليجيَّة تفضل مسلسلات النجوم الكبار على المسلسلات ذات الموضوعات ولكن من دون quot;سوبر ستارquot;، وبناءً عليه نحن كمنتجين مرغمون على الإستعانة بهؤلاء النجوم، لأنَّ تسويق مسلسلاتهم أمر سهل ومضمون.
ويشكو غطاس من ارتفاع تكلفة إنتاج المسلسلات حتَّى وصلت إلى ما يزيد على المليون جنيه لكل ساعة، بعد أنّْ كانت لا تتجاوز المائة ألف جنيه في السابق، ويعترف بأنَّ ارتفاع أجور النجوم يؤثر بالسلب في تكلفة الإنتاج وباقي العناصر.
وتوقع تقلص الإنتاج المصري إلى 50% في رمضان المقبل، بسبب مبالغة الفنانين في أجورهم، مبررًا ذلك بأنَّ القنوات العربيَّة لن تشتري سوى أعمال النجوم، ولن يكرر التلفزيون الرسمي ما فعله هذا العام بشرائه نحو 75% من المسلسلات، وأنقذ كثيرًا من المنتجين من شبح الخسارة والإفلاس.
وحول ما إذا كان يتعرَّض لخسائر بسبب ارتفاع أجور الفنانين، قال غطَّاس إنَّ مسلسلات النجوم تحقِّق أرباحًا كبيرةً، وهو ما يعلمه النجم جيِّدًا، ولذلك يضاعف أجره عامًا بعد الآخر.
التعليقات