لم يكن يتخيل قبل العام 1974 أن يحترف التمثيل، حيث كان يعمل مصوراً سينمائياً، لكن الأقدار شاءت له أن يتحول إلى ممثل، ذلك عندما رشحه المخرج عاطف سالم للعمل في فيلم quot;أين عقليquot; بطولة محمود ياسين وسعاد حسني ومن هنا كانت إنطلاقته الأولى.


القاهرة: يلقي الفنان مصطفى فهمي باللوم على كتاب السيناريو في أزمة مخاصمة الفنانين الكبار للسينما، وقال في الحلقة الثانية والأخيرة من حواره مع quot;إيلافquot; إن هؤلاء الكتاب أصبحوا يكتبون للشباب فقط، مشيراً إلى أنه يرفض الوقوف على خشبة المسرح لأربعة أسباب، هي إيمانه بضرورة تخصص الفنان، وأنه تعود الوقوف أمام الكاميرا، وأنه لا يحب القيود، وعدم وجود نصوص جيدة، وينوه فهمي بأن الدراما الإجتماعية المصرية ما زالت الرقم واحد في المنطقة العربية، معترفاً بتفوق الدراما التاريخية السورية على نظيرتها المصرية، ويؤيد فهمي مطالبة الفنانين بأجور مرتفعة، مؤكداً أن المنتج يحقق مكاسب ضخمة من وراء الفنان.

في إعتقادك، ما هي أسباب إبتعاد نجوم السينما الكبار عن الساحة، والتحول إلى الدراما التلفزيونية؟
طيلة تاريخ السينما، كان الجيل القديم يسلم الراية إلى الجيل الجديد، وعادة ما يحدث تداخل أو تلاحم بين الجيلين، حيث يستفيد الجيل الجديد من القديم، ويستمر القديم في العمل إلى جانب الجديد، فمثلاً عندما دخل محمود ياسين للسينما كان إلى جوار محمود مرسي، ورشدي أباظة، وعماد حمدي، وعندما دخل نور الشريف كان إلى جوار فريد شوقي. ولكن ذلك لم يحدث في السنوات العشرين الأخيرة، حيث لم يتسلم الجيل الجديد الراية من القديم، وحدث إنفصال بينهما. فاستمر الجديد في بناء ذاته، وتقديم أفلام من دون خبرة، وابتعد القديم تماماً عن الصناعة، ولم يعد له أي وجود أو مشاركة فيها. كما أن هناك مسؤولية تقع على كتاب السيناريو الذين اكتفوا بالكتابة للشباب فقط طيلة السنوات الماضية، ورفعوا شعار سينما الشباب، فكتبوا بلغتهم، وطرحوا أفكارهم فقط، ولم يمزجوا ذلك بخبرة الفنانين الكبار، فأحيانا تجد الفيلم ليس فيه شخصية واحدة غير الشباب، وكأن المجتمع بلا شيوخ أو أطفال.

كأنك تعفي شركات الإنتاج من المسؤولية، وتلقي بها على كاهل كتاب السيناريو فقط؟
نعم، لأن كتاب السيناريو هم أساس العمل الفني، فالمنتج يقدم ما يعرض عليه، فإذا قدمت إليه سيناريو ما، وحقق نجاحاً، يطلب من الكتاب تفصيل ما يشبهه، وإذا رفضوا لن يستطيع تقديم أي شيء، وهم من توقفوا عن الكتابة إلى الفنانين الكبار. وعموماً عادت المياه إلى مجاريها الطبيعية، مؤخراً فمثلاً اشترك محمود ياسين مع أحمد السقا في فيلم quot;الجزيرةquot;، واشترك محمود عبد العزيز مع عدد من النجوم الشباب، واشترك نور الشريف مع أحمد عز في فيلم quot;ترانزيتquot;.

وما يمنع أن يقدم الفنانون الكبار أدوار البطولة السينمائية مثل نظرائهم في السينما الأميركية، ولماذا يتنافس عادل إمام وحده مع الشباب؟
ليس هناك ما يمنع، سوى أنه لا توجد سيناريوهات موجهة لهؤلاء، يجب على الكتاب أن يوجهوا بعض إهتمامهم للفنانين الكبار، وسوف يعودون إلى مواقعهم في صدارة المشهد الفني. وعلى الرغم من ذلك دعني أصارحك القول إن جمهور السينما هم من الشباب، وعادة يرغبون في مشاهدة أفلام لأبطال في مثل سنهم، وليس الكبار الذين في مثل سن آبائهم.

أين أنت من المسرح، لماذا لم يشاهدك الجمهور على خشبته؟
لدي أربعة أسباب وراء الإبتعاد عن المسرح، أولاً لدي قناعة بأن الفنان لابد أن يتخصص في لون واحد من الفنون، فليس كل من حقق نجاحاً في السينما قادر على تحقيق النجاح نفسه في الدراما التلفزيونية أو المسرح، والعكس. وهناك أمثلة كثيرة لفنانين انتقلوا من السينما للمسرح، وكان مصيرهم الفشل. وهناك نجوم في المسرح لم يستطيعوا تحقيق أي نجاح خارج خشبة المسرح. وهناك أيضاً فنانون نجحوا في المسرح والسينما والتلفزيون. ثانياً تعودت على الكاميرا أكثر من التعود على التعامل المباشر مع الجمهور. ثالثاً المسرح يحتاج إلى انضباط شديد، فهو أشبه ما يكون بالمدرسة، فمثلاً لابد أن يكون جميع الفنانين على خشبة المسرح في تمام التاسعة مساء، ولا مجال للتأخير او الإعتذار. وأنا بطبيعتي الشخصية لا أحب القيود، فقد أسافر فجأة. رابعاً غالبية النصوص التي عرضت عليَ، كانت نصوصا لمسرح صيفي، وهذه العروض عادة ما تكون ترفيهية لإضحاك الجمهور، وهي بعيدة كل البعد عن فن المسرح الذي قرأت عنه، وما أعرفه عنه كفن راقٍ وعالمي. وعلى الرغم من ذلك، قال بعض الأصدقاء إني لو جربت الوقوف على خشبة المسرح لمرة واحدة، سأدمنه، وقد أترك أي فن آخر، وقد يحدث ذلك فعلاً. فأنا لم أكن أتخيل أن أقدم برنامجا، ولكن حدث. وقد أقف على خشبة المسرح، لكن متى؟ الله أعلم.

هل تخشى التغيير، لذلك تبتعد عن المسرح أو التنوع في الأدوار؟
أنا أحب التغيير في كل شيء، في كل مناحي الحياة، وأسعى دائماً للتغيير، وهو فلسفتي في الدنيا، ولذلك أنا معجب جداً، بطريقة تعامل الخارج في أوروبا وأميركا مع البرامج هناك، فعلى الرغم من أن بعض البرامج تحقق نجاحاً كاسحاً، إلا أنها تتوقف فجأة، لا لشيء إلا من أجل التغيير، لابد من التجديد في الأفكار.

ولكن ما رأيك في التغيير على المستوى السياسي، حيث تتصاعد دعوات المعارضة والتيارات السياسية المختلفة مطالبة بضرورة إحداث تداول السلطة؟
لا أستطيع الحديث في السياسة، لأني لست رجل سياسة، لكني سأتكلم بصفتي مواطنا، لدي ثقافتي وقراءاتي، وأقول إن التغيير في السياسة مطلوب، حتى ولو كان التغيير غير جيد، لكن يجب أولاً أن تكون لدى المواطن سلطة التغيير، حتى إذا تأكد أن من سيأتي به، لم يكن على مستوى طموحاته وتطلعاته، يتمكن من تغييره مجدداً، إلى أن يستطيع أن يأتي بالأصلح.

ما حدث في تونس نوع من التغيير لم يعهده العالم العربي من قبل، كيف ترى ذلك التغيير؟
الشعب التونسي عبر عن رأيه بأفضل صورة، وأعلن رفضه للسلطة التي كانت قائمة، وهذا حقه.

عودة إلى الفن، ودعني أسألك عن رأيك في الزحف الجماعي من نجوم السينما إلى الدراما التلفزيونية، هل سيضر هؤلاء بتلك الصناعة؟
من حق الفنان أن يعمل في السينما والتلفزيون والمسرح، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في تكديس المسلسلات في شهر واحد فقط، وهذا خطأ فادح، يؤدي إلى تعطيل فئات كثيرة عن العمل طوال العام، ومنهم الفنيون والمساعدون والمجاميع وكذلك الفنانين، بحجة أن شركات الإعلانات، لا تريد إذاعة إعلاناتها سوى خلال شهر رمضان فقط، فلو تم توزيع ما أنتج العام الماضي وعرض في شهر واحد على مدار العام، ستحدث انتعاشة كبرى في كل شيء، في الفضائيات وشركات الإعلانات، فضلاً عن توفير فرص عمل طوال العام، وليس لمدة شهر أو شهرين فقط. وسأسوق الدليل على أهمية توزيع المسلسلات التي تذاع في رمضان على مدار العام، ألا هو أن جميع القنوات تعيد إذاعة المسلسلات التي سبق عرضها في رمضان، ويتم إذاعة إعلانات أثناء العرض، فماذا يكون الحال، لو أن هناك أربعة أو خمسة مسلسلات جديدة شهرياً؟ بالتأكيد سيكون الحال أفضل للجميع.

لكنّ هؤلاء الفنانين تسببوا في إرتفاع الأجور بطريقة مبالغ فيها؟
من حق الفنان أن يطلب الأجر الذي يراه مناسباً لعمله. ومن حق المنتج أن يرفض. وأؤكد لك أن المنتج عندما يدفع رقما معينا للفنان، فهو يكسب أضعافه عشرات المرات، لأنه في النهاية تاجر، لا يحب الخسارة، ولو أنه تعرض للخسارة أكثر من مرة، لن يدخل هذا المجال مرة أخرى.

هذا التوجه أدى إلى احتكار مجموعة من الفنانين الأعمال التي يتم تقديمها سنوياً؟
معك حق، لكن المسألة في النهاية عرض وطلب، وعادة المنتجون يتوجهون صوب الفنان الذي سيتعاقد بسببه مع محطات فضائية كبيرة لشراء المسلسل، ويتوجب على هؤلاء المنتجين البحث عن وجوه جديدة أو تصعيد نجوم الصف الثاني.

في ظل إحتكار وجوه محددة للعمل في المسلسلات، تعرضت المنطقة العربية لغزو من الدراما التركية والإيرانية، ما الحل من وجهة نظرك؟
منذ نحو عشرة أعوام، حذرت من هذا الغزو الدرامي، حيث كانت هناك مسلسلات مكسيكية في ذلك الوقت، وكان تلاقي إقبالاً من الجمهور، ثم تلتها التركية ثم الإيرانية مؤخراً. ويرجع السبب في الإقبال عليها إلى أنها تحمل صوراً جديدة، تضم مشاهد ومناظر وطبائع جديدة، لاسيما أن الجمهور ملّ من الأماكن نفسها التي يجري فيها التصوير، مل من المشاهد التي ليس بها لون الخضرة أو الشواطئ، لاسيما أن غالبية المشاهد يتم تصويرها داخل المكاتب أو الشقق توفيراً للنفقات، يجب على صناع الدراما التلفزيونية تدراك الأمر سريعاً قبل أن يتحول المشاهد كلياً عن الدراما المصرية، عليهم التصوير في أماكن جديدة، وما أكثرها في مصر، وفي ذلك إفادة للسياحة أيضاً، فمثلاً صار المكان الذي صور فيه مسلسل quot;نورquot; التركي مزاراً سياحياً يقصده السياح العرب سنوياً، ويجب عليهم كذلك أن يعملوا خيالهم، والإبتعاد عن الإكتفاء برصد وإعادة إنتاج الواقع المر والسوداوي الذي يعاني منه المواطن في حياته، لأن السينما والدراما التلفزيونية والمسرح فنون مبنية على الخيال بالأساس.

وكيف ترى الصراع ما بين الدراما المصرية والسورية؟
ليس هناك صراع، بل منافسة جيدة، وأعتقد أن الدراما السورية تفوقت علينا في المسلسلات التاريخية، ولكن نحن متفوقون جداً في الدراما الإجتماعية، ما زلنا الرقم واحد فيها على مستوى العامل العربي.

بعض الفنانين يعارض اشتراك نظرائهم السوريين في المسلسلات المصرية، أين تقف من تلك القضية؟
أؤيد الإستعانة بأي فنان من أية دولة إذا كان المنتج قطاعا خاصا، لكني أعارض ذلك إذا كان المنتج هو الدولة، ممثلة في قطاع الإنتاج، صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات، مدينة الإنتاج الإعلامي، لأن الدولة يجب عليها أن تدعم مواطنيها أولاً، وتوفر لهم فرص عمل، وهذا ما يحدث في جميع دول العالم، ففي فرنسا لا تستطيع الحصول على تصريح بالتصوير في شوارعها، إلا بعد أن تستعين ببعض أعضاء نقابة الممثلين والمصورين، وإذا كان العمل ليس في حاجة إليهم، يدفع المنتج لهم أجورهم، من دون أن يقوموا بأي عمل.

يشهد موسم دراما رمضان 2011، إعادة إنتاج مجموعة من روائع السينما المصرية في صورة مسلسلات، هل هذا يصح؟
إنه دليل على الإفلاس الفكري، الكتاب أصبحوا مثل quot;التاجر لما يفلس، يدور في دفاتره القديمةquot;، وليس لديهم جديد يقدمونه، وهذا يرجع إلى فقر عام يسود المجتمع، فليس لدينا إختراعات أو ثقافة أو أفكار جديدة، لأنه لا أحد يحاول إجهاد نفسه في التفكير والإبتكار. فبدأت ظاهرة تجسيد الشخصيات التاريخية، أو إعادة إنتاج الأفلام الناحجة، نحن شعوب لا تقرأ، ومن لا يقرأ لن يستطيع تقديم إنتاج ثقافي جديد، لن يستطيع الإبتكار. ما تتحدث عنه هو جزء من تدهور المجتمع.

أخيراً، ماذا عن مصطفى فهمي الإنسان، ما هي فلسفتك في الحياة؟
فلسفتي في الحياة، بنيتها على قول الشاعر إيليا أبو ماضي quot;كن جميلاً ترى الوجود جميلاًquot;، فأنا أرى أن الله خلق الدنيا جنة، فهي تضم الخضرة والأنهار والجبال والمناظر الجميلة، لكننا لا نرى جمالها، ونتعامل معها على اعتبار أنها مكان للحروب الدمار والصراعات، والتلوث، وعلينا أن نستمتع بجمالها. أنا أحب الحياة بكل ما فيها، وأنا شخص نهاري، ولا أحب السهر، وأمارس رياضة التنس، وأحب السفر إلى المدن الساحلية، وليس العواصم، لأني أعشق الجلوس على الشواطئ والنظر إلى البحر. وأحب القراءة والموسيقي، وأنا إنسان معتدل في حياتي.

وماذا عنك كأب؟
أنا أب لولد وبنت، ربيتهما على علاقة الصداقة معهما، ومنذ صغر سنهما، أتناقش معهما في كل الأمور، ولا أفرض عليهما رأيي، إلا إذا كان هناك خطر يحيق بهما، ففي هذه الحالة، لا مفر من فرض رأيي عليهما.