لم تستطع الأغاني الَّتي ولدت بعد نجاح الثورة البقاء طويلًا في أذهان الجمهور، لأنَّها لم تكن نابعة من القلب، وإنَّما جاءت من أجل الوجود على السَّاحة، وإستغلال الحدث لصنع مجد شخصي.


القاهرة: ما إن اندلعت الثورة المصرية في 25 يناير الماضي، حتى إنقسم الفنانون إلى ثلاث مجموعات، تضم المجموعة الأولى مؤيديها وهم أقلية. أما المجموعة الثانية فتشمل مؤيدي النظام السابق، وهم أكثرية، بينما تضم المجموعة الثالثة الصامتين الذين كانوا في إنتظار إنتصار أي الطرفين على الآخر، فيسارعون بالوقوف إلى جانبه. ولما انتصرت الثورة، سارع المؤيدون والمعارضون والصامتون إلى تقديم أغان في مديح شباب الثورة، وذمّ النظام السابق، وبلغ عدد تلك الأغاني ما يزيد عن الـ77 أغنية.

وعلى الرغم من إنقضاء ما يزيد على شهور عدةعلى نجاح الثورة في إسقاط نظام الحكم، إلا أن تلك الأغاني، لم تنجح في التعبير عنها، ولم ينجذب المصريون إليها، باستثناء أغنية quot;إزايquot; للفنان محمد منير، وquot;يا بلادي يا بلاديquot; للفنانين رامي جمال وعزيز الشافعي، وquot;هنا القاهرةquot; على الحجار،فيما سقطت باقي الأغاني إلى بئر النسيان سريعاً، علىالرغم من أنها كانت لأسماء لامعة مثل عمرو دياب، وتامر حسني، وعمرو مصطفى، وهاني شاكر.

quot;إيلافquot; بحثت في أسباب وفاة تلك الأغاني بعد لحظات من مولدها.

لم تستطع الأغاني التي ولدت بعد نجاح الثورة البقاء طويلاً في أذهان الجمهور، لأنها لم تكن نابعة من القلب، وإنما جاءت من أجل الوجود على الساحة، وإستغلال الحدث التاريخي في صنع مجد شخصي، حسبما يرى الموسيقار، محمد سلطان.

وأضاف أن الجميع لاحظ أثناء الثورة غياب غالبية الفنانين عن الساحة، سواء في التعبير عن رأيهم وتأييد الثورة عبر التلفزيون أو الفضائيات، أو من خلال تقديم أغان تلهب مشاعر الثوار، وللأسف الشديد، تطوع الكثيرون لمهاجمتها، وإتهام المحتجين بالعمالة للخارج أو تلقي أموال من أجل قلب نظام الحكم.

وتابع سلطان: quot;قد يغفر المصريون لهؤلاء ذنوبهم، لو كان لهم رأي مختلف عن إقتناع، لكنه لا يغفر أبداً للمتحولين، الذين يلعبون علىكل الأحبال، فبعدما كانوا يغنون للنظام السابق، ويساندونه بكل قوة، صاروا يغنون للثورة، وهم لا يعلمون أنهم quot;يغنون على الناسquot;، ولكن ما يجهلونه أن الناس تعرف جيداً من يغني لها ممن quot;يغني عليهاquot;، ولذلك لم تجد تلك الأغاني لها أي مكان في قلب أي مصري، وماتت بعد مولدها بلحظاتquot;.

فيما يري الموسيقار، صلاح الشرنوبي، أن الثورة إندلعت إحتجاجاً على تردي الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية والفساد والظلم، مشيراً إلى أن الثورة قامت ضد تردي الأوضاع الفنية في مصر أيضاً، وأوضح أن الوسط الغنائي كان فاسداً، حيث إن العديد من الأصوات لم تكن صالحة للغناء.

ولكن نظراً إلى وجود معايير أخرى غير الموهبة والتمكن الفني، لمعت أسماؤها، ولا يمكن أن يستمر هؤلاء طويلاً، لا يمكن أن يظلوافنانون لكل العصور، وأكد أن من غنوا للنظام السابق، ووقفوا في صفوفه ضد الثوار، لا يمكن أن تكون أغانيهم معبّرة عن تلك الثورة النقية البيضاء، التي قام بها الشباب.

ويلفت الشرنوبي النظر إلى جانب آخر ساهم في فشل الغالبية العظمى من الأغاني، قائلاً إنها خرجت بعد انتصار الثورة بأيام قليلة، لدرجة إن بعضها كتبت كلماتها ووضعت ألحانها، وتم تسجيلها في أقل من 24 ساعة، ولذلك كانت الكلمات غير نابعة من القلب، وكانت كلمات مسلوقة وركيكة، وكانت الألحان رديئة، فكيف لها أن تنجح؟ موضحاً أن النجاح عادة ما يكون من نصيب المجتهد في عمله والمخلص له، وهذا لم يتوافر في حوالى 99%، فيما يطلق عليها أغاني ثورة 25 يناير.

الأغاني التي خرجت بعد الثورة، لم تكن على مستوى الحدث، لذلك سقطت في بئر النسيان، هكذا تحدث الموسيقار، حلمي بكر، عن أغاني الثورة، وأوضح أن الحدث عظيم، ولم تشهد مصر مثيلاً له في تاريخها، بينما جاءت الأغاني هزيلة من حيث التركيبة اللغوية والجمل اللحنية، ولم تصدر من أصوات محبوبة للشعب الذي قام بالثورة، لأنها كانت معادية لها، حتى قبل إنتصارها بساعات قليلة، وبالتالي ليس من المعقول أن يتقبل المصريون تلك الأغاني، حتى لو كانت ذات كلمات معبّرة وألحان رائعة.

الفنانة، عزة بلبع، قدمت العديد من الأغاني الثورية قبل اندلاع الثورة، منها quot;الحلم جايquot;، وquot;شد القلوع يا برادعيquot;، وعلى الرغم من أنها غابت عن الساحة الفنية لسنوات طويلة، بسبب مواقفها المناهضة للنظام السابق، إلا أن الجمهور لم ينساها أبداً.

وتقول إنها كانت تعاني الإضطهاد في العهد البائد، مشيرة إلى أنه تم إقصائها عن الساحة الفنية منذ سنوات طويلة عندما بدأت تغني للمقهورين والمظلومين في عهد النظام السابق، ومنعت أغانيها من العرض في التلفزيون أو الفضائيات، مؤكدة أنها على الرغم من ذلك، كانت تقيم حفلات في ساقية الصاوي أو غيرها من الأماكن العامة سنوياً.

وتنبه بلبع إلى أن السبب في عدم تعلق المصريين بالأغاني التي خرجت بعد نجاح الثورة، يأتي لتأكدهم من عدم إيمان أصحابها بالثورة، لذلك لم تكن كلماتها أو ألحانها معبّرة عنها، وجاء معظمها سطحيًا وغير عميق، في المقابل احتفى المصريون بالأغاني القديمة، مثل أغاني عبد الحليم، وعفاف راضي، وأم كلثوم، وشادية، مما يؤكد أن الفن الجيد والصادر من إخلاص وحب يبقى طويلاً، وما يولد من أجل أن يبقى صاحبه على الساحة أو الركوب فوق حدث عظيم مثل الثورة، يموت سريعاً.

وأكدت بلبع أنها كانت من أوائل الفنانين الذين تنبأوا بالثورة في أغانيهم، موضحة أن أغنيتها quot;الحلم جايquot;، كانت تتحدث عن الأمل في الشباب للقيام بالثورة، وأنها قدمت تلك الأغنية قبل ثورة 25 يناير بشهور قليلة.

كانت أغنيتها quot;مصر هي أميquot;، واحدة من الأغنيات الرئيسة للثوار في ميدان التحرير، وعلى الرغم من أن عمر تلك الأغنية تتخطى عشرات السنوات، إنها الفنانة، عفاف راضي، التي تعزو السبب في ذلك إلى أنها أغنية صادقة، وأضافت أن الأغاني القديمة الوطنية القديمة كانت ومازالت الأكثر تأثيرًا في الثورة، لأن الفنانين والشعراء والملحنين الذين اشتركوا فيها كانوا مؤمنين بها، وبمعانيها، ولم يقدموها لمجرد الوجود على الساحة أو من أجل القفز على حدث عظيم، والظهور على أنهم من المشاركين في صنعه، وهذه هي المصداقية الحقيقية.

منوهة بأن هذا هو الفارق بين تلك الأغاني وما صدر في أعقاب نجاح الثورة في الإطاحة بالرئيس السابق حسني مبارك، فالأخيرة صدرت من أشخاص لم يكونوا مؤمنين بعدالة مطالب الثورة، فبالتالي فقدت شرط المصداقية الذي يعتبر السبب الوحيد لنجاح الأغاني الوطنية.