أحيت الفنانة اللبنانيَّة، جوليا بطرس، حفلاً فنيًّا في quot;فاسquot; للمرَّة الأولى، وكانت سهرتها مزيجًا من الأجواء الوطنيَّة والرومانسيَّة الحالمة.


بلال مرعي من فاس: هي المرة الأولى التي تحيي فيها الفنانة اللبنانيَّة،جوليا بطرس، حفلاً في المغرب، المرة الأولى التي تطل فيها في هذا البلد من خلال مهرجان quot;الموسيقى الروحيةquot; في مدينة فاس.

المطر الذي هطل قبل الحفل بساعة واحدة،لم يمنع الحضور من التوافد حتى غصّت مدرجات مسرح quot;باب المكينةquot; بالناس معلنة عن انطلاق حفل استثنائي لهذا المهرجان بكل ما للكلمة من معنى.

عنوان هذا المهرجان quot;حكم الكونquot;، والحكم من هذا الحفل تحديداً تلخص بالكلمات التالية: وطن، حرية، مقاومة، تمسك بالقيم، والمبادئ، والضمير.

هذه الحكم والمبادئ أدركها الجميع من خلال أول أغنية أطلقتها جوليا في المهرجان، لم تختر جوليا قصيدة تمجيد أو ترحيب لتفتتح بها الحفل، كان خطابها مباشراً منذ البداية، دخلت بفستان أحمر من تصميم العالمي إيلي صعب، وسط تصفيق حار من الحاضرين، مرحّبين بصوت الحرية، الذي يلتقونه للمرة الأولى في بلادهم، وموسيقى حالمة فيها الكثير من الشجن والعظمة.

quot;اسود الليل وعتم قلبي وصار الفرح بلون الكذبة لما بوطني عشت بغربة وما عدت أعرف حدا، اختنق الصوت بوجع الكلمة كل الغضب كتبتو باسمي لو بتغيب بيخلص حلمي وبتضيع حدود المدى، مشيت وخلفي نسيت الضحكة، أنا كرمالك ما رح ابكي لازم ترجع توقف تحكي بقلبي اسمعلك صدى، مهما الخوف تملك فيي، حبك أقوى وأغلى عليي عطيني من شمسك حرية ومن أرضك عطر و ندى، يا وطنيquot;.

أغنية جديدة تؤكد أن هذه الفنانة لن تحيد أبداً عن عشقها لأرضها، وعن تمسكها بمبادئها، وتجديدها ولائها لوطنها، أغنية من النوع الوجداني، تواصل بين جوليا ووطنها هذه العلاقة التي أسستها في أغنية quot;لبنانquot;وطدتها في هذا الحوار، لتعمم تلك العلاقة، ولتصبح لسان حال كل مواطن أينما كان.

هذه البداية أعلنت العنوان الكبير: الوطن..وبالفعل، طغى على هذا الحفل الطابع الوطني، حيث غنت جوليا ثوار الأرض، غابت شمس الحق، بتنفس حرية، نقاوم، ما عم افهم عربي، نحنا الثورة والغضب، أحبائي، انتصر لبنان، وسط تصفيق حار لجمهورآتٍ من كل الأنحاء، من المغرب، وتونس، ومصر، والجزائر، والكويت، وسلطنة عمان، ولبنان، وسوريا، وفرنسا، وبلجيكا... كلهم اجتمعوا ليتنفسوا الحرية مع صوت الحرية.

اللافت هو غناء جوليا أغنيتين جديدتين من ألبوم زياد بطرس الأخير quot;على خط النارquot;، وهما أغنيتي quot;أطلق نيرانكquot; وquot;عاب مجدكquot;، أغنيتين من النوع الثوري بامتياز، زادتا حماس الحضور بشكل لافت، وجوليا أدتهما بطريقة رائعة، وبتناغم تام مع الفرقة الموسيقية، حتى إن أغنية أطلق نيرانك حصدت تصفيقا لافتًا واستحساناً كبيراً لدى الحضور، حيث طالب جزء منهم بتكرار هذه الأغنية مرات.

تنوعت القصص واختلفت الموضوعات، فغنت جوليا يا قصص، لا بأحلامك، على شو، وين مسافر، وهي من الأغنيات المحفورة في ذاكرة الناس، فضلاً عن الأغنيات الجديدة.

quot;يومًا ماquot;، من الأغنيات التي يظهر فيها الجانب المحبب لدى الناس، هذا الجانب العفوي الساخر، كأغنية quot;على ما يبدوquot;، وتقول فيها: quot;على رغم الجو المشحون، تبعًا للظرف المرهون، مطرح ما عيونك بتكون، بحلم شوفك يومًا ما، بكرا بيخلص هالكابوس، بدل الشمس بتضوي شموس، على أرض الوطن المحروس، رح نتلاقى يومًا ماquot;، أغنية فيها الكثير من المرح، وفي الوقت نفسهالكثير من الجدية وحداثة في أسلوب الطرح.

أبدعت جوليا وأبدعت معها فرقتها الموسيقية بقيادة المايسترو هاروت فازليان، وعزف ميشال فاضل على البيانو، الجميع كان حاضرًا بمحبة، انعكست جليًا على المسرح.

هذا الانسجام والحالة الفنية التي وجدت على خشبة المسرح فرضت رهبة ما لدى الجمهور، فكان يصغي وينصت في كل الأغنيات، وكان من شبه المستحيل أن تسمع صوتًا واحدًا، إلا الاهات التي تنطلق مع انتهاء جوليا من كل جملة.

أغنية quot;قالو مشيناquot; من الأغنيات الجديدة أيضًا، ويقول مطلعها quot;قالو مشينا وما تودعنا، متل حبوب اللولو وقعنا، حبة حبة، كل الاشيا اللي بتجمعنا، بطل هلق الها معنى، وصارت كذبة، نحنا مهما بعدنا وضعنا، بلحظة بتلاقينا رجعنا، وحدو الحب بيبقى معنا، وطن وغربةquot;، من الأغنيات الرومانسية التي أدتها جوليا باحساس عال، وكأنها تغني بشرايينها، وتعطي كل كلمة حقها من الاحساس، ولم يتوقف الناس عن ابداء اعجابهم بكل كلمة متذوقين معاني الأغنية الصعبة نسبيا ومثنين على هذا الخيار الموفق.

قضايا كثيرة ناقشتها جوليا، غنت للأطفال الذين يولدون في الحرب من دون أن تكون خيارهم، هي دائما خيار الكبار وهم دائما الضحايا، أغنية جديدة على ايقاع جديد، أغنية مميزة من كلمات صديقتها غيا حداد ويقول مطلعها: quot;في دولة صغيرة فوق الشمس، فيها أطفال كتار، ولدو بنار الحرب اللي عملوها الكبارquot;.

حلقت جوليا أداء، وحلق الناس معها في عوالم أخرى، كل أغنية أداء وكل أداء باحساس وتكنيك عال، فكانت تعبّر بعيونها ويديها وشرايينها، أبكتالحضور في كثير من الأحيان، ثم نقلتهم الى الأجواء الرومانسية فالحماسية، بالابداع والرقي نفسه.

أغنية quot;على ما يبدوquot; حصدت تفاعلاً لافتًا، والجمهور كان يرددها عن ظهر قلب مع جوليا، ختمت جوليا الحفل بأغنية غابت شمس الحق، لكن الجمهور أبى أن تغادر، مع أن البرق والرعد أنذرا بقدوم العاصفة، على الرغم من هذا، عادت جوليا مجددًا لتشارك الجمهور الوافد من مختلف المناطق لحظات من الحرية، فأعادت غناء quot;أنا بتنفس حريةquot;، لتختتم الحفل مودعة جمهورها ومحبيها، الذين عبّروا عن فرحهم الكبير وحبهم لجوليا والفن الهادف الذي تقدمه.

بعض الحاضرين من جنسيات أوروبية تساءلوا عن معاني كلمات أغنية بتنفس حرية تحديدًا، و حين أوضح لهم أحد الحاضرين المعاني بدأوا بالتصفيق والمشاركة، حتى إنهم بقووا بعد الحفل كحال كثير من الجمهور، هاتفين على أمل أن تعود جوليا لتغني مجددًا.

هذه المشاركة لجوليا في مهرجان فاس، الذي اعتاد استقطاب أهم الفرق العالمية، تعبّر عن رغبة ادارة المهرجان في اضافة بعد اخر على العروض، بمشاركة فنانة لبنانية عاشت هموم الشعب ومعاناتهم، كما أفراحهم وانتصاراتهم، فكانت صوت من لا صوت لهم، عبّرت عنهم وأصبحت جزءًا من يومياتهم وضمائرهم وأرواحهم.

استمرت البروفات للحفل مدة شهر أو أكثر بين بيروت، أرمينيا والمغرب، فكان على مستوى عال من الاحتراف، تجدر هنا الاشارة إلى أن كل الذين ساهموا في هذا الحفل كانوا يدًا واحدة وقلبًا واحًدا ليظهر المهرجان بصورة راقية ومحترمة.

زياد بطرس الجندي المجهول اهتم بأدق التفاصيل، وكان حريصًا والفرقة الموسيقية وجميع المشاركين في الحفل على كامل الجهوزية ليكون الحفل أقرب الى المثالية، وهذا ما حصده.

حتى إن الأحوال الجوية لم تشأ أن تخذل جوليا وجمهورها، فالمطر الذي هطل قبل الحفل توقف خلال الحفل، ثم عاد وهطل مباشرة بعد مغادرة الفرقة بشكل أقوى مع عاصفة قوية، لكن فرحة جوليا بهذا النجاح وفرحة الناس بحضورها، جعلت من الحفل محطة مهمة واستثنائية في حياة جوليا الفنية، وتؤكد أنها لن تكون الزيارة الأولى والأخيرة للمغرب.

هذا النجاح حفز جوليا لتقول إنها لن تتأخر في جولتها المقبلة التي أعلن عنها مرارًا، والتي ستشمل عددا من الدول العربية والأوروبية.