آفاق جديدة تتم يوميًا لوضع السرطان تحت سيطرة العلماء من خلال إبطال المرض الخبيث من دون اللجوء الى قتل الخلايا، وعلى الرغم من مرور ما يقارب الـ 40 عامًا على بدء المعركة التي يخوضها العلماء ضد هذا المرض القاتل، إلا أن انهم يؤكدون حاجتهم الى الخوض في اتجاهات بحثية أخرى توفر لهم آفاق جديدة نحو فهم أفضل لأبعاد المرض.

أشرف أبوجلالة من القاهرة: تهتم صحيفة النيويورك تايمز الأميركية بتسليط الضوء على الجهود البحثية التي يتم بذلها بشكل متواصل من جانب العلماء لإيجاد سبل علاجية جديدة تمكنهم من مواجهة مرض السرطان. وتقول الصحيفة إنه وبالرغم من مرور ما يقرب من 40 عامًا على بدء المعركة التي يخوضونها ضد هذا المرض القاتل، إلا أن العلماء يؤكدون أنهم ما زالوا بحاجة إلى الخوض في اتجاهات بحثية أخرى توفر لهم آفاق جديدة نحو فهم أفضل لأبعاد المرض.

تستهل الصحيفة حديثها بسرد سلسلة من الكشوفات التي نجح الباحثون على مدار العشرين عامًا المنقضية في التوصل إليها بشأن المرض الخبيث، وتلفت إلى أن تاريخ العلماء البحثي مع المرض يتسم دومًا بالكشف عن كل ما هو جديد، فبينما تم التوصل مثلاً في ما مضى إلى أن الطفرات الجينية تشكل جزءًا من عملية الإصابة بالسرطان، (على الرغم من أنها بمفردها ليست كافية، إذ ثبت أن السرطان ينطوي على التفاعل بين الخلايا والأنسجة المحيطة )، إلا أن تلك الفكرة بدت مربكة ومعقدة بصورة غير مبررة. ولهذا السبب، كان غالبًا ما يتم تجاهل أو استبعاد مثل هذه الاستنتاجات، في الوقت الذي كان يركز فيه الباحثون على الجينات والخلايا السرطانية المعزولة التي يتم إنمائها في أطباق تُعرف بـ quot;أطباق بتريquot; داخل المعامل المختبرية.

وعلى الرغم من تعمّق الباحثون الآن بصورة متزايدة في تلك الجوانب الغامضة، من خلال إقدامهم على دراسة الأورام الخبيثة في بيئاتها الخلوية، إلا أنهم وبمجرد أن يفعلوا ذلك، نجدهم يقولون إن بوسعهم تفسير الكثير من الأمور الشاذة المتعلقة بالسرطان. وهنا، يقول الباحثون إن التركيز الجديد على الأجواء المحيطة بالمرض يعد نقلة نوعية في ما يتعلق بفهمنا لأسباب حدوثه وسبل إيقافه. وعلى الرغم من عدم توصل الدراسات لأية طرق علاجية، إلا أن العلماء يتوقعون أن تكلل جهودهم بالنجاح ndash; إن قدر لها ذلك ndash; في ما هو مقبل من سنوات.

وتبرر الصحيفة حقيقة احتياج العلماء الآن لتلك الاتجاهات البحثية الجديدة، بمعدلات الوفاة التي عادةً ما تنتج عن معظم الأنواع السرطانية، وكذلك التأثير المحدود الذي تحظى به إستراتيجية تحور الجينات حتى الآن. وهو ما يمكن تفسيره ربما بوجود عدد كبير من المشكلات الوراثية في الخلايا السرطانية، فإذا تمت مهاجمة إحدى الجينات المتحورة، تقوم الجينات الأخرى بفرض سيطرتها. وفي هذا الإطار، تشير الصحيفة إلى أن العلماء بدأوا يلقون نظرة جديدة على الأفكار والاستنتاجات الطبية التي سبق وأن تم نبذها في الماضي ndash; ومنها ما كان يتحدث عن أن توجيه ضربة للثدي قد تؤدي للإصابة بالسرطان، وأن الإصابة بإحدى الأمراض المعدية قد تدعم ظهور خلايا سرطانية، وأن ضعف الجهاز المناعي قد يسمح بانتشار السرطان.

ويقول الباحثون إن طريقتهم الجديدة هذه ستساعد في استيضاح وتفسير بعض الألغاز، مثل تلك الأسباب التي تقف وراء تراجع معدلات الإصابة بسرطان الثدي عندما تتوقف السيدات عن تناول العلاجات الهرمونات الخاصة بمرحلة ما بعد انقطاع الطمث. حيث ترجح إحدى التفسيرات المتعلقة بهذا الأمر أن العلاج الهرموني يقوم بتغيير خلايا الثدي العادية وربما يسمح لبعض الأورام بالغة الصغر بالفرار من قنوات الحليب التي يبدأ سرطان الثدي في الانتشار من خلالها. وتلفت الصحيفة هنا إلى أن الفكرة الأساسية ( التي ما زالت في مراحلها التجريبية ) هي أن الخلايا السرطانية لا يمكن أن تتحول إلى ورم مميت من دون التعاون مع باقي الخلايا المجاورة.

وقد يعني ذلك أيضًا أن السرطانات تنمو بشكل جزئي لأن الخلايا العادية التي تحيط بها تسمح لها بالفرار. وهو ما يعني أيضًا احتمالية توافر طريقة جديدة للتفكير بشأن العلاج: حيث تبين أن هناك إمكانية لوضع السرطان تحت السيطرة، عن طريق منع الخلايا السليمة الموجودة حول المنطقة المصابة من الانهيار. وهنا، تنقل الصحيفة عن دكتور سوزان لاف، جرَّاحة سرطانات الثدي ورئيسة مؤسسة دكتور سوزان لاف البحثية، قولها :quot;يمكن التفكير في الأمر من منظور أن هناك طفلا ً يعيش في منطقة سكنية رديئة، وبالإمكان نقله من تلك المنطقة ووضعه في بيئة مختلفة، حيث سيتصرف حينها بصورة مختلفة تمامًا. إنه أمر مثير. فإن كانت تلك البيئة الجديدة موائمة، فذلك يعني أننا مطالبين بأن نتمكن من إبطال السرطان من دون الحاجة لقتل الخلاياquot;.

وفي السياق ذاته، تتحدث الصحيفة أيضًا عن الجهود التي تبذلها بعض الشركات الدوائية في هذا الشأن، فتقول إن شركة quot;غينيتيكquot; ndash; على سبيل المثال ndash; تجري الآن دراسات استقصائية بشأن الطريقة التي تبعث من خلالها سرطانات البشرة والمبيض والقولون والمخ بإشارات إلى الخلايا المحيطة لتحفيز عملية النمو السرطاني. وهي إذ تجري الآن اختبارات على إحدى العقارات العلاجية التي تأمل أن يساعد في منع إرسال تلك الإشارات. في حين تقوم شركات أخرى بدراسة عقاقير مثل الاستاتين أو العقاقير المضادة للالتهابات التي قد تعمل من خلال التأثير على الإشارات التي تتم بين الخلايا المحيطة ومختلف الأنواع السرطانية. لكن د. روبرت واينبرغ، الباحث في مجال السرطان بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، يرى أن هذا الأمر ليس بالأجندة العلمية الواضحة، ويعزو ذلك بشكل كبير إلى أن الباحثين مازالوا على قدر ضئيل من المعرفة بتلك الإشارات وآلية التحكم في عملية إطلاقها.

ونظرًا للخبرات والمعلومات الدقيقة التي تمكن الباحثون من التوصل إليها من خلال الدراسات التي أجروها على هذا المرض على مدار العقود الماضية، فقد خلصوا إلى أن quot;البيئة التي ينمو فيها الورم الخبيث لم يعد من الممكن تجاهلها من الناحية البحثيةquot;. وهنا، تنقل الصحيفة عن دكتور بيرت فوغلشتاين، مدير مركز لودفيغ لعلم وراثة السرطان والتداوي في جامعة جون هوبكنز :quot; أقول بلا خجل أني اختصاصي في العلوم الوراثية لمرض السرطان، وأؤكد أن التعديلات الوراثية التي تطرأ على الخلايا السرطانية هي السبب المباشر للخباثةquot;. ويردف بقوله :quot; لكنَّ الفرد لا يمكنه فهم هذا المرض بصورة تامة إلا عندما يفهم البيئة التي يظهر بها الورمquot;.

ثم تمضي الصحيفة لتلقي الضوء على ذلك الكشف الطبي المثير الذي تم التوصل إليه عام 1962 ( أي قبل الحرب التي تم إعلانها على السرطان بعشرة أعوم تقريباً ) على يد طبيب يدعى دي سميثرز، الذي كان يعمل في مستشفى رويال مارسدن بالعاصمة البريطانية لندن، وفيه تحدث عن أن السرطان ليس هذا المرض الذي يحدث نتيجة انقسام خلية خبيثة ثم تكاثرها إلى أن تقوم بتدمير مضيفها، لكنه قد يكون اضطراب في منظومة خلوية. وهو الكشف الذي رحب به كثيرًا دكتور بارنيت كرامر، المدير المساعد للوقاية من المرض في المعاهد الوطنية للصحة، ونقلت عنه الصحيفة قوله :quot; كنت أتمنى لو تمكنت من قراءة تلك الدراسة في بداية حياتي المهنية. فها نحن هنا اليوم ndash; بعد مرور 46 عامًا ndash; مازلنا نشتبك مع أمور تنبأ هذا الباحث بأننا سنتجادل حولهاquot;. وفي مجمل ما تبقى من حديثها، وإشارتها للتجارب التي أجراها باحثون أخيرًا وأعطت قدرًا من المصداقية للكشوفات الطبية التي سبق وأن تم التوصل إليها وكان يتم نبذها في أغلب الأحيان، أكدت الصحيفة على أن الحلم الذي يراود كثيرين من باحثي السرطان الآن هو العثور على طريقة تمنع بيئة الخلايا السرطانية من السماح لها بالنمو، لأنهم قد يتمكنون حينها من درء خطر السرطان.