فتحي الشيخ من القاهرة:ما زالت الحرب العالمية الثانية مستمرة على أرض مصر ويسقط ضحاياها كل يوم، هذا ما أعلنته وزيرة التعاون الدولي في الحكومة المصرية فايزة ابو النجا منذ اسابيع أمام لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان المصري عند مناقشتها قضية الألغام في مصر. واضافت الوزيرة أن 22% من مساحة مصر غير مستغلة بسبب وجود الألغام وأنها منذ أن عُينت رئيسة اللجنة القومية لنزع الألغام وتنمية الساحل الشمالي الغربي في مصر في العام2001 حتى الآن لم تستطع أن تتوصل إلى اتفاق مع الدول المسؤولة عن زراعة الألغام على ارض مصر. وتشير البيانات إلى وجود 22 مليون لغم وقذيفة تمثل 21 في المئة من المخلفات القابلة للإنفجار في العالم المنتشرة في 65 دولة، وأن إجمالي الخسائر البشرية بسبب الألغام في مصر منذ العام 1982في نطاق الصحراء الغربية فقط بلغت 8313 فردًا منهم 696 قتيلاً و7617 جريحًا مصابًا.

حولت أحداث الحرب العالمية الثانية اكثر من 20% من أرض مصر إلى أراض ممنوع الاقتراب منها سواء من الانسان او من الدولة وذلك بما يزيد على 22مليون لغم، منها ١٧ مليون لغم. في منطقة الصحراء الغربية و ٦ ملايين لغم في شبه جزيرة سيناء وساحل البحر الأحمر، وقد نشأت الألغام بفعل المواجهات التي حدثت بين الجيشين الالماني والبريطاني في منطقة العلمين في الساحل الشمالي، حيث استخدمت خلالها الألغام الارضية على نطاق غير مسبوق، وصفها تقرير رسمي صادر من لجنة الشؤون العربية والخارجية في مجلس الشورى المصري أنها حدائق للشيطان لأنها حقول زرعت في باطن الأرض على امتداد ثلاث طبقات، بحيث إذا تمت إزالة اللغم الاول ينفجر الثاني وإذا أزيل الثاني انفجر الثالث.

الألغام في مصر يمكن تقسيم المشاكل الناتجة منها إلى مشاكل خاصة بالدولة والتنمية ومشاكل خاصة بسكان المناطق القريبة من الألغام، مشاكل الدولة يحددها فتحي الشاذلي مدير المشروع الوطني لإزالة الألغام والتنمية في وزارة التعاون الدولي قائلا: الألغام والذخائر غير المنفجرة الموجودة في مصر تحول دون تنمية المنطقة التي تقع بين مدينة العلمين والحدود المصرية مع ليبيا، وهي التي تبلغ مساحتها (683 ألف فدان) إلى جانب الثروة المائية المهدرة في هذه المنطقة من مياه الامطار والتي تصل إلى ٢٠٠ مليون متر مكعب طبقا لتقديرات علم الجيولوجيا.،وتعد ايضًا منطقة مهمة جدًا لما بها من ثروات طبيعية حيث يقدر احتياطي النفط بهذه المنطقة ب 4.8 مليار برميل واحتياطي الغاز الطبيعي يقدر بحوالى 13.4 تريليون قدم مكعب وأكثر من 600 مليون طن من الثروات المعدنية، كذلك تمنع يد التنمية أن تمتد إلى هذه المنطقة كما تعيق الألغام إمكانية الاستفادة من القدرات السياحية الهائلة المتوفرة في المنطقة، والتي توفرها المحميات الطبيعية، بالإضافة إلى سياحة الصحارى والواحات.


اما بالنسبة إلى سكان المناطق القريبة من الألغام والأضرار الواقعة عليهم من الألغام يشرحه لايلاف أحمد عامر أمين عام جمعية حدائق السلام للمتضررين من الألغام قائلاً: في الصحراء الغربية مناطق متعدّدة تنتشر بها الألغام بشكل خطر اكبرها جنوب العلمين حيث يبلغ عدد الألغام بها حوالى 13.8 مليون جسم، منتشرة على مساحة 398 الف فدان، تليها مناطق فوكه ومطروح وأم الرخم التي تشغل الألغام حوالى 147 الف فدان، كذلك سيدي براني والسلوم وتشغل الألغام حوالى 124 الف فدان، ويؤكد عامر أن المشكلة للاهالي أن هناك حقول ألغام كثيرة غير محددة ومعروفة بالنسبة إلى السكان. هذا بخلاف مرور اكثر من60 عامًا منذ الحرب العالمية الثانية ووضع هذه الألغام ونتيجة للظروف الطبيعية من رياح وأمطار وتحرك الكثبان الرملية تتغير اشكال الكثبان الرملية في الصحراء بما يجعل هذه الاجسام غير ظاهرة وفي ظل عدم وجود خرائط أو أسلاك وعلامات تحذيرية، فالمواطنون يتحركون في هذه المناطق بحرية لاعتمادهم على رعي الاغنام بشكل اساسي والزراعة على المطر حيث توجد الابار وهو ما يؤدي إلى زيادة عدد الحوادث.


على الرغم من مرور اكثر من 60 عامًا على انتهاء الحرب العالمية الا أن مصر لم تولِ هذه المشكلة اهتمامها الا في خلال العشرين عامًا الاخيرة، وكانت تمارس ضغوطًا على الدول التي زرعت هذه الألغام للتصدي لمسؤوليتها عن الألغام وهو ما يفسره احمد عامر لايلاف قائلاً: إن تكلفة ازالة الألغام مرتفعة للغاية اذا كانت تكلفة صناعة اللغم تصل إلى 3 دولارات فإن تكلفة نزعه تصل لـ 300 دولار بما يعني أن الحكومة المصرية تحتاج إلى مليارات لحل هذه المشكلة، ولكن حتى اللحظة لم يحدث اتفاق يرضي الطرفين في هذا المجال، حيث اشارت الوزيرة ابوالنجا إلى أن مفاوضتها مع هذه الدول تصل دائمًا إلى طريق مسدودة،لأنه بينما تطالب مصر بتحمل هذه الدول تكلفة ازالة الألغام طلبت هذه الدول أن تقوم بنفسها بإزالة الألغام وهو ما رفضته الحكومة المصرية لما للمنطقة من بعد قومي.


ولكن ايمن سرور مدير مؤسسة العمل لإزالة الألغام وحقوق الإنسان، وهي منظمة مصرية غير حكومية يرى أن الامر غير مرتبط بالمال وانما الحكومة المصرية لا تعطي قضية ازالة الألغام الاهتمام اللازم حيث يمكن استغلال الخبرات الموجودة في مصر للعمل على حل تلك المشكلة، ولكن ايًّا كان المسؤول عن مشكلة الألغام فهي مشكلة ملحة تحتاج إلى حل سريع لان التأخر اكثر من هذا يعني زيادة عدد الضحايا إلى جانب استمرار توقف عجلة التنمية في ربع مساحة مصر تقريبًا.