تتجه الجزائر إلى تكفل مبكّر بشريحة الانطوائيين الذين صار عددهم يناهز الـ40 ألفًا، في وقت يؤكد مختصون على ضرورة الإكثار من فرق متعددة الاختصاصات لمعالجة هذه الفئة.

كامل الشيرازي من الجزائر: سيمتد المخطط الاستراتيجي لمعالجة الانطوائيين إلى غاية العام 2015، ويختص هذا المخطط بنحو 40 ألف انطوائي، نسبة الذكور بينهم تتجاوز بأربع مرات الإناث، وتفيد مراجع محلية أنّ المتابعة العلاجية لكل انطوائي ستتراوح بين ثلاث إلى ست سنوات.

ويقول الأستاذ quot;عبد الله بوشناقquot; أنّ المخطط المذكور لن يكتفي بالطابع العلاجي، بل يسعى إلى الانفتاح بشكل أكبر على عالم الانطوائيين ومرافقتهم وإدماجهم اجتماعيًا من خلال عدد من المراكز النموذجية عبر المحافظات الكبرى، وتشجيع البحوث العلمية حول سيرورتهم، مع الإشارة إلى تدخل فرق متخصصة في متابعة هذه الفئة التي ظلت تعاني إلى وقت قريب من فقدانها حقوقًا أساسية تبعا لاعتبارهم الخاطئ في السابق كـ(متخلفين عقليًا)، جراء نقص المنشآت والعجز المسجّل على مستوى التأطير.

إلى ذلك، رأى اختصاصيون في تصريحات خاصة بـquot;إيلافquot;، أنّ ضمان تكفل أحسن بالحالات الانطوائية، يمرّ عبر متابعة تنفذها فرق متكونة من اختصاصيين في علم النفس والبيداغوجية والنطق والحركة والمربيين، كما يركّز أطباء وخبراء السيكولوجيا على أهمية تخصيص المنشآت المواتية للتكفل بالمصابين من خلال إنشاء مراكز- موارد للانطوائيين، بغية استقبال الأطفال وأوليائهم الذين يعتبرون طرفا هاما في عملية التكفل بهذا المرض.

ويشير الدكتور حسن بوسيف، إلى أنّ التكفل بالانطوائية على مستوى قسم الأمراض العقلية صعب للغاية، نظرا لغياب مرفق متخصص وطاقم مؤهل لضمان التكفل والمتابعة، مضيفا أنّ العائلات التي لديها أطفال انطوائيين تواجه الوضع لوحدها.

وأضاف بوسيف رئيس مصلحة الأمراض العقلية بمستشفى تلمسان، أنّ الفحوصات تعتمد أساسًا على مساءلة الأسرة وملاحظة الأطفال الانطوائيين، وفي غالب الأحيان يلجأ الأطباء إلى إعطاء هؤلاء أقراص مهدئة ينصح فريق آخر من الأطباء بتجنبها وعدم تناولها.
وبشأن تشخيص الانطوائية، ترى المختصة quot;عمارية بغدادليquot; أنّ الانطوائية كداء، تتحدد في ثلاثة أعراض، وتتمثل في وجود صعوبة في العلاقات مع الآخرين، واضطرابات في التواصل الشفهي وغير الشفهي، فضلا عن اهتمام محدود وسلوك متكرر.

وتركّز عمارية على الإشارات التي تلازم المريض الانطوائي مثل الاضطراب القلق والتخلف الذهني والتشويه الذاتي والصرع واختلال التنسيق الحركي، وكذا إشارات الإنذار عند الرضع من 12 إلى 24 شهرًا، حينما لا تصدر عنهم حركات للتعبير وإجابات عند مناداتهم بأسمائهم ولا كلمات أو جمل قصيرة، فإنّ الوضع يدعو إلى قلق الأولياء الذين يجب أن يستشيروا على الفور اختصاصيين في علم النفس الطفولي.

وتؤكد الأستاذة بغدادلي على ضرورة المراقبة وبصفة دائمة لكل الأطفال بإشراك كافة الأطراف منهم الأطباء العامين وأطباء الأطفال والمهنيين مثل المربيين بدور الحضانة، علمًا أنّه جرى منذ العام 2008، تشكيل فرق متخصصة في الجزائر على مستوى عدد من المراكز، في خطوة لمعالجة الانطوائيين.

وخلال ملتقى دولي حول الانطوائية بالجزائر، أشار الأستاذ روني بري من جامعة ليون الفرنسية، إلى أهمية استفادة الأطفال الذين يعانون من الانطوائية من الظروف التربوية نفسها كغيرهم من الأطفال الآخرين شريطة أن تتم مرافقتهم لدى دخولهم العالم العادي.

وأشار بري في مداخلة حول quot;التكفل بالأطفال المصابين بالانطوائيةquot;، أنّه يتعين التكفل بهذا الاضطراب المبكر والمتوسع والدائم والغير متجانس لتلبية احتياجات التكيف الاجتماعي والصحة والتعلم.

وبشأن ما يُثار حول مسائل الكشف المبكر وتعليم النطق والإدماج وتكييف الطفل الانطوائي، يوضح بري أنّ أسباب الانطوائية ليست معروفة، ولا يوجد بحسبه أي علاج حاليًا، لذا يستوجب جعل التكفل فرديًا بدل الحديث عن برامج.

ولدى تطرقه إلى مختلف البرامج للتكفل بهذا المرض المعتمدة بالعديد من البلدان، أكدت الدكتورة سميرة يونسي على أهمية إشراك الأولياء والأطراف المعنية بالتكيف الاجتماعي في كل عملية للتكفل، قائلة:quot;في الوقت الراهن، لا يتوفر أي دواء أو عملية باستثناء التركيز على الاتصال وتطوير الجوانب الاجتماعية والاتصاليةquot;.

ويرى فاعلون أنّ الأهم يكمن في تسجيل إجماع حول بعض القواعد مثل التدخلات المبكرة والتعاون مع الأولياء والحفاظ بالقدر المتاح على الظروف المعيشية والتعليمية العادية، مع اقتراح محيط بيداغوجي وتربوي يرتكز على أهداف محددة ومتدرجة مع الاهتمام بتحسين الاتصال.

وإلى جانب إعداد تقييمات معمقة للانطوائية بالجزائر، أكّد حسن بوسيف وعمارية بغدادلي، على ضرورة تسطير عمليات للتكوين لفائدة كافة الفاعلين المعنيين بالتشخيص، والتكفل بحالات الانطوائية عن طريق استحداث شهادة مهنية للمربيين المتخصصين في النمو الإدراكي النموذجي والمضطرب.