الملاحظ اليوم ازدياد انقطاع الصلة بين الوالدين والابناء ما يشكل وباء صامتًا في العلاقات بينهم.

أشرف أبوجلالة من القاهرة: في الوقت الذي انصب فيه اهتمام الأطباء والباحثين طيلة سنوات طويلة على معالجة المشكلات التي كان يشكو فيها الأبناء من آبائهم، بداعي أنهم السبب وراء ما يواجهونه من متاعب، بدأ يظهر الآن نموًا متزايدًا بالجانب الآخر من الموضوع، وهو ذلك المتعلق بالمعاناة التي يشعر بها الاباء الذين يقاطعهم أبناؤهم البالغون.

ورغم عدم وجود إحصاءات رسمية للوالدين الذين انقطعت علاقاتهم بأبنائهم البالغين، إلا أن المشكلة قائمة بالفعل. وتقول صحيفة النيويورك تايمز الأميركية في سياق تقرير تنشره حول هذا الموضوع، إن البطلة الأولمبية الحاصلة على الميدالية الذهبية، ليندسي فون، لم تتحدث إلى والدها طوال أربع سنوات على الأقل. بينما التُقِطت صور للممثل المخضرم، جون فويت، مع ابنته، أنجلينا جولي، في شباط / فبراير الماضي، وذلك للمرة الأولى، منذ أن انفصلا في عام 2002. كما تشير الصحيفة إلى أن عددًا من مواقع الإنترنت وغرف الدردشة الإلكترونية قد كرست عملها لهذا الموضوع، بسردها حكايات مفجعة عن أبناء لا يردون على مكالمات وإيميلات آبائهم ولا يسمحون لهم كذلك برؤية أحفادهم. وفي حين يسعى بعض الآباء والأمهات للحصول على المشورة، يصاب بعضهم الآخر بالاكتئاب ويفكرون حتى في الانتحار.

من جانبه، يقول جوشوا كولمان، الطبيب النفسي في سان فرانسيسكو والخبير في المسائل المتعلقة بقطيعة الوالدين :quot; يبدو أن هذا الموضوع يزداد بشكل أكثر شيوعًا، حتى في العائلات التي لم يسبق لها أن تعرضت لقسوة واضحة أو صدمات مثل الإيذاء الجسدي والإدمان. نحن نعيش في ثقافة تفترض أنه إذا ما كانت هناك قطيعة، فإن الأبوين لابد وأن يكونا قد فعلا شيئاً فظيعًا في حقيقة الأمر. لكن المسألة ليست قصة أطفال بالغين يقطعون علاقاتهم بأبائهم الذين ارتكبوا أخطاءً فظيعة. بل إنها عن آباء وأمهات كانوا جيدين، وارتكبوا أخطاءً كانت بالتأكيد في نطاق الحدود الطبيعيةquot;.

وتلفت الصحيفة في السياق ذاته إلى أن د. كولمان نفسه سبق له وأن مر بتجربة القطيعة على مدار سنوات مع ابنته البالغة، قبل أن يتصالح معها الآن. وقد أخذ وقتًا وبذل مجهودًا كي يتمكن من إصلاح العلاقة ويبقى على تواصل معها. وهو ما يعني أيضًا الاستماع إلى شكاوى ابنته وتقبل مسؤولية ما يرتكبه من أخطاء. لكن الصحيفة تعاود من جديد لتقول إن نجاح الأبوين في إعادة المياه لمجاريها ليس قاعدة ثابتة، حيث لا ينجح جميعهم في تلك المهمة. وتضرب الصحيفة المثل هنا بحالة سيدة تدعى، ديبي كينتنر، من ولاية تنيسي، التي سعت للحصول على المشورة بعد أن أنهت ابنتها الوحيدة علاقتها بها. وهنا، تنقل عنها الصحيفة قولها :quot; لقد شعرت بصدمة كما لو أن قطار بضائع قد صدمني. حيث فقدت الاتصال بها وبأحفادي الثلاثةquot;.

وتضيف في الإطار نفسه بالقول:quot; أعرف أن الأبوين والأبناء يتشاجران، لكن يكون هناك ما يكفي من الحب الذي يضمن إعادة المياه لمجاريها. فهذه أمِك التي منحتك حياة جميلة وأحبتكquot;. ثم تنتقل الصحيفة لتتحدث عن حالة أم أخرى تدعى، جوديث، حيث تحكي عن تجربتها عقب نشوب خلاف بينها وبين ابنتها، فتقول :quot; لقد بكيت كثيراً. وأشعر الآن باكتئاب شديد. لا أشعر بالبهجة في جميع الأجازات، وهو المسلسل الذي لا ينتهي. كنا ومازلنا نريدها ونحبها للغاية. ونريدها أن تعود لتدخل حياتنا من جديدquot;.

وفي ختام الحديث، تعود الصحيفة لتنقل عن دكتور كولمان اعتقاده بأن القطيعة الأبوية عبارة عن quot;وباء صامتquot;، لأن كثيرا من الآباء والأمهات يخجلون من الاعتراف بأنهم فقدوا الاتصال بأبنائهم. ويضيف :quot; غالبا ً ما يستسلم الأبوان في تلك المواقف في وقت قريب جدًا. وأنا إذ أنصحهم بأن يستمروا في كتابة الخطابات الأسبوعية، أو يبعثوا لهم برسائل البريد الإلكتروني، أو يحادثونهم هاتفيًا، حتى عندما يرفضوهم، وأن يكونوا أسخياء في تحمل مسؤولية ما يرتكبونه من أخطاء ndash; حتى لو لم تكن تبدو كأنها أخطاء في ذلك الوقت. ومن الوارد أن يشعر الأب بأنه يفعل شيئا بدافع الحب، لكنه لا يصل بالصورة نفسها إلى الطفلquot;. وفي أغلب الأحيان، من الممكن أن يقدم الأصدقاء، وباقي أفراد الأسرة، والمعالجون يد العون للآباء والأمهات لكي يتكيفوا مع فقدانهم طفلا اتخذ قرارًا بالقطيعة. كما يجب أن يتحلى الأبوان بالصبر، لأن المصالحة تحتاج عادة لعدة محادثات، وليست محادثة واحدة فحسب.