اخلاص القاضي من عمان: منذ عدة اعوام لم نعد نشعر بوضوح المظاهر الطبيعية لفصلي الربيع والخريف لجهة استمرار البساط النباتي الاخضر واعتدال درجات الحرارة في الربيع , وانخفاضها كاستهلال لبداية الخريف , ما دفع البعض الى التساؤل : هل حقا احتجب فصلا الربيع والخريف ؟.

وبسبب موجة الحر التي تجتاح المنطقة والعالم افرد عدد من الفضائيات العربية برامج خاصة تناولت الحديث عنها , حيث طرحت تساؤلات عدة حول اسباب هذه الموجة ومصير هذين الفصلين كنتيجة للعوامل المناخية ومتغيراتها , والتي اصبحت حديث الناس والشغل الشاغل لهم .

مسؤولون ومتخصصون يؤكدون لوكالة الانباء الاردنية ( بترا) انه لا يمكن اختفاء أي من الفصول الاربعة كظواهر طبيعية ما دامت الشمس تدور حول الكرة الارضية , غير ان ثمة تغيرا ملحوظا في الفترات الزمنية لفصلي الربيع والخريف , اذ غابت مظاهرهما المعروفة لدى الجميع وتداخلت مواقيتها مع فصول اخرى .

ويستدركون انه لا يمكن القول ان هذين الفصلين تلاشيا او احتجبا بشكل كلي , بيد ان الحكم على ذلك يحتاج الى دراسات علمية مبنية على رصد لحالة المناخ لخمسين سنة مقبلة متتالية تبقى فيها ارتفاع درجات الحرارة وتصاعدها السمة الغالبة لها .

ولا يمكن اختفاء أي من الفصول الاربعة كظواهر طبيعية ما دامت الشمس تدور حول الكرة الارضية وفقا لمدير عام دائرة الارصاد الجوية المهندس عبد الحليم ابو هزيم الذي يقول : غير ان الارتفاع المستمر في درجات الحرارة قد يؤثر على الفترة الزمنية لفصلي الربيع او الخريف لا الى تلاشيهما .

وما ذهب اليه المهندس ابو هزيم يؤكد عليه مدير المركز الوطني للبحث والارشاد الزراعي الدكتور فيصل عواودة الذي يقول انه ما من شك ان العالم متفق على ان هناك تغيرا واضحا في المناخ الذي تعمل كل الجهات المعنية على رصده لمعرفة التوقعات المستقبلية المتعلقة بها , وان كان من الصعوبة بمكان معرفة تلك التغيرات وتداعياتها لفترات زمنية طويلة لان ذلك يحتاج الى قاعدة بيانات واجراء تحليلات بناء عليها وهذا ليس متاحا الان .

وفيما يتعلق باحتمالية تلاشي فصلي الخريف والربيع بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري يقول : ثمة تغير ملحوظ على قصر الفترات الزمنية لفصلي الربيع والخريف ولا يمكن ان نقول انهما مرشحان للتلاشي .

ويوضح ان ما اثر على قصر عمر الربيع في السنة الحالية مثلا ان موجات الحر في شهري شباط وآذار الماضيين جاءت اعلى من معدلاتها السنوية لذات الفترة من العام الماضي , ورافق الحر انقطاع للامطار ما ادى الى الشعور بغياب فصل الربيع , اذ ان الغطاء النباتي الاخضر الذي كان يميز الربيع انحسر بسبب ارتفاع درجات الحرارة .

وكذلك الحال فيما يتعلق بفصل الخريف كما يبين الدكتور عواودة اذ انه وخلال السنوات القليلة الماضية تأخر هطول الامطار الخريفية وبقيت درجات الحرارة في الخريف عالية قياسا الى نظيراتها في سنوات سابقة ما عزز الشعور ايضا بتلاشي فصل الخريف .

لكن في الحقيقة فان مصطلح التلاشي لا يمكن البناء عليه او الحكم بانه كذلك لمجرد ارتفاع درجات الحرارة لسنة او سنتين متتاليتين , بل ان ذلك قد يحدث اذا استمرت درجات الحرارة بالتصاعد ورصدت لخمسين سنة مقبلة وغابت كل مظاهر فصلي الربيع والخريف حينها قد نتحدث عن (تلاشي) ولكن الحكم الان صعب رغم كل التقارير التي تبث عبر الفضائيات وتبدي تخوفاتها من احتجاب فصلي الربيع والخريف .

ويقول ان التغير في المناخ موجود منذ نشأة الكون , لكن ما يشهده العالم الان هو تسارع في ذلك التغير , والذي انعكس على كميات الامطار وتوزيعها على المناطق الجغرافية وعلى درجات الحرارة .

ويشير الى ان كميات الامطار التي تهطل على العالم هي ذاتها لكن المشكلة في توزيعها الجغرافي الناجم عن الاحتباس الحراري حيث انها تنحسر في مناطق وتغزر في اخرى مؤكدا ان عدم انتظام الامطار وتغير مواعيد هطولها والارتفاع في درجات الحرارة غيّر مواقيت حلول فصلي الربيع والخريف .

وفي سياق متصل ينوه الى ان استمرار تصاعد ارتفاع درجات الحرارة لا قدر الله سيؤدي الى انقراض انواع معينة من الزراعات ونمو اخرى , واختفاء انواع معينة من الحشرات وظهور اخرى , وشيوع امراض جديدة قد تكون منقرضة .

ويقول ان ذلك الاستمرار لا قدر الله يؤدي الى اضرار بالغة في المزروعات التي تحتاج الى كميات كبيرة من المياه والتي سيتعذر وجودها بسبب عمليات التبخر الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة , وسيؤدي ايضا الى تبخر في مياه السدود وتأثر الزراعات البعلية وستنعكس كذلك على تربية الدواجن اذ انها تربى في بيوت غير مكيفة الامر الذي يستوجب البحث عن انظمة لتبريدها .

ويتوفر في المركز الوطني وفقا له وحدة خاصة لتتّبع الجفاف وتداعياته ورصد كل ما يتعلق بالتغيرات المناخية وتعمل بالتعاون مع عدد من الجهات ذات العلاقة .

ويضيف الدكتور عواودة ان الارتفاع غير المسبوق بدرجات الحرارة ناجم عن ظاهرة الاحتباس الحراري , حيث ان موجات من الحر تجتاح دولاً عدة بينما تتعرض دول اخرى لفيضانات تتسبب بكوارث .

وكان تقرير اممي اصدره اخيرا برنامج الأمم المتحدة الإنمائي اكد ان كثرة التعرض للجفاف والفيضانات والأعاصير يزيد من خطورة التغير المناخي الذي أصبح حتمياً وواقعياً ولا مفر منه , اذ تحدث التقرير عن محاور أساسية تؤثر سلباً على التنمية المستدامة في العالم .

ومن بين هذه المحاور التأثير على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي وانعدام الأمن المائي فضلا عن التأثير على الصحة البشرية، وتغير الانظمة الايكولوجية التي ستترك آثاراً سلبية على حياة العديد من الانواع المعروفة وغير المعروفة من النباتات والحيوانات , وارتفاع في منسوب البحار ودرجات حرارة قياسية .

ولم يستبعد المدير التنفيذي لجمعية البيئة الاردنية المهندس احمد الكوفحي اختفاء مظاهر فصلي الربيع والخريف اذا ما استمرت ظاهرة الاحتباس الحراري بالتأثير السلبي على الكرة الارضية مشيرا الى ان تلك الظاهرة قلبت موازين المناخ الاعتيادية , اذ نرى امطارا تسقط على صحاري , واخرى تحتجب عن مناطق كانت معروفة بغزارة امطارها .

ويضيف : انه والحالة هذه فما الذي يمنع من تغير مظاهر الفصول واقتصار السنة على فصلي : الصيف الذي سيكون طويلا بسبب ارتفاع درجات الحرارة , والشتاء الذي يحمل امطارا في مناطق ويحتجب عن الهطول في اخرى .

ويؤكد ان معادلة توزيع الامطار اختلت في العالم بسبب ظاهرة الاحتباس الحراري حيث شهدت السدود اثرهاعلى سبيل المثال تبخرا ملحوظا اثّر على منسوب المياه فيها منوها الى انها قد تعيد احياء جراثيم لامراض منقرضة في بعض المناطق كجرثومة الملاريا .

ويؤكد ضرورة التنبه الى تعزيز طاقة محطات توليد الطاقة الكهربائية في ظل الاقبال غير المسبوق من قبل الكثيرين على اقتناء مكيفات التبريد , والبحث عن بدائل للطاقة واستغلال طاقتي الرياح والشمسية .

يشار الى ان ظاهرة الاحتباس الحراري ناجمة عن تجمع الغازات الدفيئة الناتجة عن حرق الوقود الاحفوري , اذ تتجمع على شكل غلاف يحيط بالكرة الارضية لتشكل بدورها حاجزا يشبه الزجاج يعمل على تجميع اشعة الشمس بداخل الكرة الارضية دون ان تنعكس بالكمية المناسبة الكفيلة باحداث التوازن البيئي , الامر الذي يؤدي الى خلل وتغير في المناخ .