إذا كانت السلطات الجزائرية تتباهى بتحكمها في النفايات الطبية فإنّ واقع الميدان يكذب ذلك رأسا، طالما أنّ هذا النوع من النفايات الحساسة كالإبر والحقن وسائر مواد الجراحة المستعملة، تتراكم على نحو خطير وتثير هواجس أكثر حدة، بعدما ارتفع مخزون البقايا الناتجة عن الأنشطة اليومية للمؤسسات الاستشفائية والطبية.
quot;إيلافquot; سألت مسؤولين وخبراء في الموضوع.

كامل الشيرازي من الجزائر: يقدّر مخزون النفايات الطبية في الجزائر بثلاثين ألف طن يتم لفظها كل عام، ويجري قذفها غالبا داخل المفرغات العامة، رغم خطورتها البالغة على صحة الأشخاص وتهديدها الصريح للبيئة بحكم احتوائها على مواد كيمائية سامة وكم هائل من الميكروبات والجراثيم التي تنتشر بسرعة وتتحلّل في الهواء.

وتقلّل وزارة البيئة الجزائرية على لسان مسؤولها الأول quot;الشريف رحمانيquot; من حجم الظاهرة، إذ يشدد الوزير على امتلاك الجزائر لما لا يقلّ عن 348 جهازا لحرق النفايات الاستشفائية، و1500 مهني مختص، ويضيف رحماني أنّ الجزائر تمكنت من انجاز 460 مخططًا على مدار الأحد عشر سنة المنقضية، بفضل البرنامج المحلي لتسير النفايات، وإتمام مائة مركز لردم النفايات، وجرى إنشاء 26 مؤسسة ملحقة بهذا الصدد.

ويشير رحماني إلى تفكير حثيث في إنشاء مراكز محلية مختصة بمعالجة وتسيير هذا النوع من النفايات، بجانب اهتمام الجهات الرسمية بإعادة تدوير النفايات المكدسة، بعدما بيّن تقرير حديث أنّ الخزانة العامة تتكبد نحو سبعة مليارات دولار جراء تقاعس السلطات فيما مضى عن تسيير ثلاثة ملايين طن من النفايات المتراكمة.

بالمقابل، يفنّد الخبير quot;حسان جلوليquot; رواية السلطات رأسا، ويستدل بكون معظم محطات معالجة مثل هذه النفايات في المستشفيات الجزائرية متوقفة، بل إن معظمها لم يسيّر بطريقة مثلى أبدا، رغم أنّ التشريع الساري المفعول في الجزائر، يقرّ بعقوبات تتراوح ما بين الحبس إلى الغرامة بالنسبة للمؤسسات الاستشفائية التي تتخلص من نفاياتها الاستشفائية بكيفيات غير سليمة تسبب أضرارا للبيئة ومواطنيها.

كما ينبّه جلولي إلى كون الموقف أخطر مما يحاول المسؤولون تصويره للرأي العام، حيث باتت الأدوية المستعملة والمعدات الطبية الفاسدة التي يُرمى بها في المحيط الخلفي لعموم المشافي، هاجسا ينذر بالوخامة لا سيما في ظلّ افتقاد غالبية المؤسسات الصحية هناك إلى ما يُعرف بالمرامد المتخصصة، وعدم ردم النفايات أو القضاء عليها.

وعن المخرج لإشكال النفايات الاستشفائية، يقدّر quot;كريم باباquot; وهو مدير مركزي مكلف بتسيير النفايات، أنّ الأمر يستدعي حلا شاملا وفعّالا، ملّحا على أنّ إنهاء معضلة النفايات الاستشفائية، مرتبط بالترميد الجيد، وتشديد الرقابة، مع إلزام سائر المراكز الصحية والمشافي وتلافي الرمي الفوضوي للنفايات تتسبب بشكل كبير في تلويث المحيط، مع تشديد العقوبات ضدّ المخالفين.

من جانبه، يذهب quot;الشيخ فرحاتquot; أحد المشتغلين على الملف، إلى أنّه يمكن الارتقاء بمراكز الردم التقني للنفايات إلى مستوى مصانع حديثة منتجة تتولى إعادة تدوير سائر النفايات الطبية والأدوية الفاسدة وتحويلها إلى أشياء لها منفعة في التصنيع، مستشهدًا بتجربة المتعامل الألماني quot;جيتي زادquot;.

ويكشف د/ يوسف طرفاني، عن معالم مخطط نموذجي لتسيير النفايات الاستشفائية جرى الشروع فيه شمال البلاد، على أن يتم تعميمه إلى باقي المناطق في غضون المرحلة القادمة، ويقوم المخطط على تسيير النفايات بالشراكة مع مخابر مختصة، من خلال تصنيفها ووضعها في أكياس ملوّنة بحسب درجة خطورتها قبل أن يتم ردمها أو إتلافها، بدلا عن أسلوب الحرق الذي يفرز احتقانا بيئيا.

وفي مبادرة أشرف عليها أكاديميون مؤخرا، جرى تنظيم يوم دراسي لتلقين عمال المشافي تقنيات الجمع والتخزين، وإفادتهم بمعلومات قيّمة حول معالجة وتصنيف النفايات وفق القوانين المعمول بها وطرق الوقاية من الأخطار المحتملة إبان عمليات الفرز والجمع والتخزين على مستوى المرافق الاستشفائية خصوصا عندما يتعلق الأمر بنفايات بإمكانها نقل العدوى كتلك الحادة والشائكة والقاطعة والتشريحية والإشعاعية والسامة والصيدلانية.