بغداد: رأى عراقيون في المأساة التي تعرّض لها مستشفى مخصص لمصابي كوفيد-19 في بغداد، حيث قضى أكثر من 80 شخصا احتراقا أو اختناقا جراء حريق اندلع في المكان، إثباتاً جديداً على أنّ سوء الإدارة والفساد يقتلان في بلدهم.

وبدا المشهد لافتا مع غياب وزير الصحة حسن التميمي بعد ساعات من وقوع الحريق، وسط دعوات كانت تتصاعد إلى إقالته.

وعزا شهود عيان ومصادر طبية اندلاع الحريق إلى "انفجار اسطوانات الأكسجين الطبي المخزّنة بدون مراعاة لشروط السلامة" في مستشفى ابن الخطيب في العاصمة العراقية.

وأسفرت المأساة عن مقتل 82 شخصا على الأقل، وإصابة 110 بجروح، حسب مصادر رسمية.

وبدت عمليات الإخلاء والإنقاذ بطيئة وسط ازدحام السلالم وتدافع المرضى وأقاربهم، وقد توفي البعض على إثر نزع ماكينات الاكسجين فجأة عنهم من أجل إجلائهم.

وأوضح طبيب من مستشفى ابن الخطيب لوكالة فرانس برس أن "لا وجود لمخرج طوارىء في وحدة العناية المركزة لمرضى كوفيد-19، ولا نظام لمكافحة الحرائق".

ويتوافق تصريح الطبيب مع خلاصات تقرير حكومي صدر في 2017 حول القطاع الصحي، وقد جرى إهماله.

وأعلنت وزارة الداخلية الأحد اندلاع سبعة آلاف حريق بين كانون الثاني/يناير وآذار/مارس. ويؤكد مسؤولون وعناصر إطفاء أنّ غالبية الحرائق كان سببها احتكاك كهربائي في متاجر ومطاعم أو مبان يكون صاحبها قد أخفى المخالفات بدفع رشى.

واكد الطبيب في "ابن الخطيب" أنّ "سوء الإدارة هو الذي قتل الناس".

وقال "يتجوّل مسؤولون صحيون وهم يدخنون في المستشفى حيث تخزّن أسطوانات الأكسجين"، مضيفاً: "حتى في غرف العناية المركزة غالبا ما يكون هناك قريبان أو ثلاثة جالسين قرب المريض".

وتروي ممرضة في مستشفى آخر في العاصمة، أنّه "عندما تتعطل معدات في المستشفى، يطلب إلينا المدير بألا نبلغ عن الأمر". وتابعت "يقول إنّ ذلك يعكس صورة سيئة عن المؤسسة، لكن في الحقيقة، ليس هناك معدات تعمل لدينا".

وقال الرئيس العراقي برهم صالح على إثر المأساة، في تغريدة على موقع تويتر، إنّ "الفاجعة (...) نتيجة تراكم دمار مؤسسات الدولة جراء الفساد وسوء الادارة".

وكان العراق معروفاً حتى ثمانينيات القرن الفائت بمشافيه في العالم العربي وبجودة خدماتها ومجانيّتها. لكنه بات اليوم يعاني تدهوراً على هذا الصعيد وسط ضعف تدريب كوادره الصحيين وقلة موارد وزارة الصحة التي لا تتجاوز 2% من مجمل موازنة الدولة.

ويردد أطباء عراقيون القصص نفسها منذ سنوات: زملاء لهم تعرضوا للضرب والتهديد بالقتل أو الخطف من قبل أقارب مرضى ماتوا، أو وقعوا ضحية نيران الاشتباكات القبلية أو العائلية.

ويفضل العراقيون تلقي العلاج في الخارج خصوصا في ظل ارتفاع الاسعار لديهم، إذ تضاعفت أسعار عبوات الاكسجين وأقراص الفيتامين-سي ثلاث مرات منذ بدء الأزمة الوبائية في البلاد.

وبين عام 2019 ومطلع 2020، تظاهر عراقيون ضد الفساد الذي كلّف البلاد ضعف ناتجها المحلي الإجمالي. وهم يرون أنّ تدهور الخدمات العامة سببه سنوات من المحسوبية والتفاهمات بين الأحزاب السياسية التي يحمي بعضها البعض الآخر.

وقرر رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي الأحد وقف عمل وزير الصحة ومحافظ بغداد وإحالتهما على التحقيق.

ويفضّل العراقيون التعويل على أنفسهم في ظلّ وجود مسؤولين يصفونهم ب"الفاسدين" و"غير الأكفاء".

وهذا الأمر كان واضحاً في مستشفى ابن الخطيب حيث انهمك شبان يغطون وجوههم بقمصان، في اسعاف الجرحى والمساعدة في نقلهم إلى سيارات اسعاف.