باريس: عقب ارتفاع شديد في درجات الحرارة واجتياح الفيضانات ثلاث قارّات، تجتمع نحو 200 دولة الاثنين للمصادقة على تقرير مهم للأمم المتحدة بشأن علوم المناخ قبل مئة يوم من قمة سياسية تهدف للمحافظة على الأرض ككوكب قابل للحياة.

وبات العالم مختلفًا عمّا كان عليه في 2014، عندما أصدرت الهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ تقييمها الشامل الخامس بشأن الإحترار العالمي في الماضي والمستقبل.

وفي ظلّ درجات الحرارة القياسيّة وحرائق الغابات وموجات الجفاف، تبخّرت الشكوك التي كانت سائدة حينذاك في أنّ الإحترار يتسارع أو في أنّ المصدر بشري بالكامل تقريبًا إضافة إلى المفهوم الذي يعطي تطمينات زائفة بأنّ تداعيات المناخ هي مشكلات الغد.

وبالفعل، بإمكان عوامل الطقس القاتلة وغير المسبوقة الصيف الحالي على غرار درجات الحرارة المرتفعة للغاية في غرب كندا والفيضانات التي اجتاحت غرب أوروبا وغرق أشخاص جرّاء سيول غمرت عربات مترو في وسط الصين أن تجعل 2021 العام الذي تصبح فيه التوقعات الخاصة بالمناخ حقيقة لا يمكن تجاهلها.

وفي عتبة أخرى منذ تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، تمّ تبنّي اتفاق باريس الذي حدّد هدفًا جماعيًّا يقضي بالحد من درجة حرارة الأرض لتكون عند مستوى يتجاوز مستويات أواخر القرن التاسع عشر بـ"أقلّ بكثير" من درجتين مئويتين.

ورفع التلوث الكربوني الناجم عن إحراق الوقود الأحفوري وتسرّب الميثان والزراعة الحرارة بـ1,1 درجة مئوية حتى الآن.

كما وضعت معاهدة 2015 حدًّا طموحًا بلغ 1,5 درجة مئوية، فيما افترضت العديد من الجهات المشاركة في المحادثات بأنه سيبقى مجرّد هدف طموح وبالتالي سيكون من السهل تنحيته جانبًا.

وقال عالم المناخ بيتر ثورن من جامعة ماينوث في إيرلندا والذي كان من أبرز الشخصيات التي صاغت تقرير الهيئة الحكومية الدوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ "لكن الدول عادت وطلبت من الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ إعداد تقرير خاص بشأن المسألة، وهو أمر بدّل الإطار تمامًا".

وكشف التحليل الناتج عن ذلك سنة 2018 مدى الدمار الذي يمكن أن يتسبّب به الإحترار بنصف درجة إضافية لتصبح 1,5 درجة مئوية الرقم الوحيد المطروح اليوم.

توقعات مناخيّة

وقال ثورن في مقابلة أجرتها معه فرانس برس عبر "زوم" أنّ 1,5 درجة مئوية "باتت الهدف بحكم الأمر الواقع" ودليل على تأثير الهيئة الحكومية الدوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ على تشكيل السياسة العالمية في هذا الصدد.

كما أنّ العلم نفسه شهد تغييرات في السنوات السبع الأخيرة.

وقال خبير المناخ روبرت فاوتارد، المؤلف البارز أيضًا لتقرير الهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ ومدير معهد بيار-سيمون لابلاس، "لدينا اليوم نماذج أفضل للتوقّعات المناخية وعمليات رصد أطول مع مؤشر أوضح بكثير على التغير المناخي".

ولعلّ الاختراق الأكبر هو ما يعرف بدراسات الإسناد التي تسمح لأول مرّة للعلماء بتحديد سريع لمدى تكثيف التغيّر المناخي حدثًا شديدًا في الطقس أو إمكان حصوله.

وعلى سبيل المثال، تمكّن تجمّع "إسناد الأحوال الجوية العالمية" في غضون أيام من موجة الحرّ الشديدة التي اجتاحت كندا وغرب الولايات المتحدة الشهر الماضي من التوصّل حسابيًّا إلى أنّ حدوثها كان أمرًا مستحيلًا تقريبًا لولا الإحترار الذي تسبّب به الإنسان.

لكن التحليل بعد الوقائع مختلف عن التوقعات المسبقة فيما تعرّضت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التي أسّست عام 1988 لتوفير المعلومات الضرورية للمفاوضات المرتبطة بالمناخ في الأمم المتحدة، إلى انتقادات من قبل بعض الجهات التي اعتبرت أنها قلّلت من أهميّة الخطر، وهو نمط اعتبرت مؤرخة العلوم في جامعة هارفارد نعومي أوريسكيس أنّه يهدف للبقاء في الجانب "الأقل دراماتيكية" للأحداث.

وقالت لوكالة فرانس برس "هناك الاتجاه المحافظ الذي يتبعه العلم بشكل عام، يعد ذلك أمرًا جيّدًا من نواح كثيرة".

وتابعت "لكن في مجال التغيّر المناخي، كان على العلماء التعامل مع ضغط سياسي وثقافي هائل لعدم المبالغة في التهديد".

وأضافت أنّ على الهيئة الحكوميّة الدوليّة المعنيّة بتغيّر المناخ أن تواجه التدخّل المباشر من الحكومات التي تعمل باسمها.

وأفادت "أعتقد أنّه لا يوجد الكثير من الشك في أنّ تأثير الضغط الخارجي، بالمجمل، كان هدفه دفع بياناتها باتّجاه الجانب الأقل قلقًا بدلًا من الأكثر قلقًا".

تقرير العلماء

واعتبارًا من الاثنين، سينقّح ممثلو 195 بلدًا بمساعدة علماء "ملخّصًا لصنّاع القرارات" مكوّنًا من حوالى 20 إلى 30 صفحة سطرًا سطرًا وكلمةً كلمةً.

سيستغرق الإجتماع الإفتراضي المخصّص للجزء الأول (المعني بالعلوم الفيزيائية) من التقرير المكوّن من ثلاثة أجزاء أسبوعين بدلًا من أسبوع كما جرت العادة، فيما يتوقع نشر الوثيقة في التاسع من آب/ أغسطس.

أما الجزء الثاني من التقرير والذي سيتم نشره في شباط/فبراير 2022، فيغطي التداعيات.

وحذّرت مسودة تم تسريبها واطلعت عليها فرانس برس من أن التغيّر المناخي سيعيد تشكيل الحياة على الأرض في العقود المقبلة وإن تمّت السيطرة على التلوّث الكربوني المسبّب للاحترار، ودعت إلى "تغيير جذري" لتجنيب الأجيال المقبلة مواجهة وضع أسوأ بكثير.

أما الجزء الثالث، الذي سيكشف عنه الشهر التالي، فيدرس الحلول لخفض الانبعاثات.

وسيتوقع الجزء الأول درجات الحرارة العالمية حتى سنة 2100 وفق مختلف السيناريوهات المرتبطة بالإنبعاثات، يتوافق بعضها مع أهداف اتفاق باريس وغيرها التي ستزج بأطفال اليوم في عالم غير مريح بدرجة كبيرة، فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية بثلاث أو أربع درجات.

وبناء على أبحاث منشورة، قد يتوقع (حتى وفق السيناريوهات المتفائلة) "تجاوزًا" موقّتًا لهدف 1,5 درجة مئوية، وتقديرات تمّت مراجعتها لتكون بأرقام أعلى لارتفاع منسوب البحار على المدى البعيد.

وإذا صحّت توقعات الوكالة الدولية للطاقة هذا الأسبوع بتلوّث كربوني قياسي بحلول العام 2023، فبإمكان تجاوز كبير للحد من هذا النوع أن يستمر طويلًا.

كما سيكون هناك تركيز على أحداث بـ"احتمال ضئيل وخطر كبير".

وقال مدير معهد الأنظمة العالمية في جامعة إكستر تيم لنتون أنّ "التفاعلات التي تضخّم التغيير أقوى مما اعتقدنا ولربما نقترب من نقطة تحول ما".

وبعيدًا عن عتبات درجات الحرارة التي لا يزال يتوجّب تحديدها، قد تتجاوز أجزاء من نظام المناخ نقطة اللّاعودة، بما في ذلك الصفائح الجليدية التي تضبط ارتفاع منسوب البحار بأمتار والتربة الصقيعيّة المحمّلة بغازات دفيئة تتجاوز بمرّتين تلك الموجودة في الجو.