الحسكة (سوريا): تعمل القوات الكردية الإثنين على مداهمة أقسام يتحصن فيها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية داخل سجن غويران في شمال شرق سوريا، وسط مخاوف على مصير مئات القصّر من المقاتلين السابقين في التنظيم المتطرف المعتقلين فيه، وذلك بعد أيام من اشتباكات بين الطرفين أوقعت وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان 154 قتيلاً.

وأعلنت الإدارة الذاتية الكردية "الحظر الكلي" اعتباراً من الاثنين حتى نهاية الشهر الحالي على منطقة الحسكة حيث تجري المعارك التي أدت الى موجة نزوح واسعة من الأحياء المحيطة بالسجن. وأوضحت أن هدف الإجراء "منع الخلايا الإرهابية من أي تسلل خارجي".


هجوم منسق

وشارك أكثر من مئة من مقاتلي التنظيم الموجودين خارج السجن وداخله، في هجوم منسّق بدأ مساء الخميس على السجن الذي يشرف عليه الأكراد، في عملية تعتبر "الأكبر والأعنف" منذ إعلان القضاء على التنظيم في سوريا قبل ثلاث سنوات. وتجدد الهجوم في اليوم التالي. وتصدت له قوات سوريا الديموقراطية التي يشكل المقاتلون الأكراد أبرز مكوناتها.

وأفاد المرصد الإثنين عن إدخال وحدات من قوات الأمن الكردية وقوات مكافحة الإرهاب في قوات سوريا الديموقراطية "عربات مدرعة إلى ساحة سجن غويران"، بعد رفض "غالبية عناصر التنظيم الذين يتحصنون في مبانٍ بالسجن الاستسلام".

وقال المتحدّث باسم قوات سوريا الديموقراطية المدعومة من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، فرهاد شامي، لوكالة فرانس برس "دهمت قواتنا أحد المهاجع حيث كان يتحصّن معتقلو داعش ويواصلون عمليات العصيان".

تسليم

وسلّم "العشرات من عناصر التنظيم أنفسهم داخل السجن وفي محيطه"، وفق ما قال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس، لافتاً الى أن "سجناء التنظيم باتوا محصورين في الجزء الشمالي من السجن".

وشاهد مصور لوكالة فرانس برس ثلاث حافلات كبرى لدى خروجها من حي الغويران، وسط إجراءات أمنية مشددة، تقلّ على الأرجح عناصر التنظيم ممن استسلموا للقوات الكردية. وأعقب خروج الحافلات سماع إطلاق نار كثيف في المكان.

وأدّت الاشتباكات العنيفة إلى فرار مجموعة من السجناء لم يتسن التأكد من عددها. وذكرت وكالة أعماق (الذراع الدعائية للتنظيم) أن عددهم 800.

وأكد المرصد ما أعلنه التنظيم لناحية سيطرة المهاجمين والسجناء على مخزن أسلحة كان موجودا داخل السجن.

وأوقعت الاشتباكات منذ الخميس، وفق آخر حصيلة للمرصد السوري، 102 من عناصر التنظيم و45 من القوات الكردية، إضافة الى سبعة مدنيين.

وبحسب منظمات دولية والأمم المتحدة، فإن أكثر من 700 من الأطفال والقصّر ممن انضووا سابقاً في صفوف التنظيم، كانوا معتقلين في السجن المكتظ، وهو عبارة عن مدرسة تمّ تحويلها قبل ثلاث سنوات الى مركز احتجاز. وكانت الإدارة الذاتية تحتجز فيه 3500 مقاتل على الأقل من مقاتلي التنظيم.

وفيات أطفال

وذكرت منظمة "سايف ذي تشيلدرن" (أنقذوا الأطفال) في بيان الإثنين، أنها "تلقت ومنظمات أخرى شهادات صوتية تؤشّر الى وقوع العديد من الإصابات والوفيات في صفوف الأطفال".

وأوردت أن العديد من الفتيان المحاصرين وسط القتال محتجزون في سجن غويران منذ نحو ثلاثة أعوام. ويتحدرون من عشرات الدول الأجنبية، الى جانب سوريا والعراق.

وقالت مديرة الاستجابة الخاصة بسوريا لدى المنظمة سونيا خوش إن "مسؤولية أي شيء قد يتعرّض له هؤلاء الأطفال تقع أيضاً على عاتق الحكومات الأجنبية التي اعتقدت أن بإمكانها ببساطة التخلي عن رعاياها الأطفال في سوريا"، منبّهة الى أنّ تعرضهم "لخطر الموت أو الإصابة مرتبط بشكل مباشر برفض هذه الحكومات إعادتهم إلى بلادهم".

وقالت باحثة سوريا لدى منظمة هيومن رايتس ووتش سارة كيالي "هؤلاء الأطفال عالقون عملياً في سجن غويران"، موضحة أن أعمارهم تتراوح بين 12 و 18 عاماً.

وتلقت "هيومن رايتس ووتش" بدورها تسجيلات صوتية من قاصر مصاب بجروح داخل السجن، قال فيها "هناك جثث قتلى في كل مكان"، بحسب كيالي.

واتهمت قوات سوريا الديموقراطية التنظيم مساء الأحد باستخدام "الأطفال "من "أشبال الخلافة" المرتبطين بداعش والبالغ عددهم 700 قاصر، كدروع بشرية"، موضحة أن هؤلاء "كانوا موجودين في مهاجع خاصة منفصلة" داخل السجن.

اليونيسف

وأعربت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" عن قلقها الشديد إزاء محنة هؤلاء الأطفال، داعية إلى الإفراج عنهم فوراَ.

وقالت المتحدثة باسم المنظمة إيفا هيندز "خصّصت قوات سوريا الديموقراطية أساساً قسماً خاصاً للأطفال" داخل السجن، لكن "لدى العديد منهم أقارب بالغون في السجن وقد انضموا إليهم في أقسام أخرى".

ونبّهت كيالي إلى أنّه "إذا كان تنظيم الدولة الإسلامية يستخدم هؤلاء الأطفال كدروع بشرية، وتحاول قوات سوريا الديمقراطية والتحالف بقيادة الولايات المتحدة استعادة السجن، فإن الأطفال معرضون لخطر هائل من كلا الطرفين".

وأعلن التحالف الدولي الذي يدعم الأكراد بالسلاح والتدريب وعادة بالغارات الجوية، في بيان أن "قوات سوريا الديموقراطية احتوت الخطر".

وحلّقت طائرات التحالف الدولي في أجواء المنطقة الإثنين، وفق مصور فرانس برس.

ومنذ إعلان خسارة التنظيم كل مناطق سيطرته في سوريا في آذار/مارس 2019، يشنّ الجهاديون بين وقت وآخر هجمات ضد أهداف حكومية وكردية في منطقة البادية الممتدة بين محافظتي حمص (وسط) ودير الزور (شرق) عند الحدود مع العراق، التي انكفأوا إليها.

ويرى خبراء في الهجوم الأخير على السجن مرحلة جديدة في عودة ظهور التنظيم.

ودأبت السلطات الكردية على التحذير من أنها لا تتمتع بالقدرة الكافية على احتجاز الآلاف من مقاتلي التنظيم، ناهيك عن محاكمتهم. وشكل الأكراد رأس حربة في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا.