فيليس (جمهورية مقدونيا الشمالية): عشر سنوات مضت منذ أن تخلى ديمشي أكوف عن عمله للانتقال إلى الريف حيث يعيش أقرب ما يمكن إلى الطبيعة، طامحا إلى تلقين ذلك للآخرين في مقدونيا الشمالية، أحد أكثر الدول تلوّثا في أوروبا.

يقيم ديمشي البالغ الثالثة والأربعين في منزل شيّده بيديه ويستقبل فيه مئات الأشخاص في السنة ليدرّبهم على الاكتفاء الذاتي، في ظل الحاجة الماسة إلى مراعاة الطبيعة في هذا البلد.

روى لوكالة فرانس برس "حين جئت إلى هنا لأعيش هذه الحياة، لم أكن أعرف شيئاً، فبدأت أبحث عن معلومات وعن دورات، وأدركت أن ثمنها باهظ جدا".

وتابع "قلت لنفسي إنّني إن تمكنت ذات يوم من اكتساب هذه المعرفة، فسوف أنقلها إلى غيري مجانا".

لم يكن السبيل إلى ذلك سهلا على الدوام. ويقول في بادئ الأمر "لم أكن أعرف حتى ما هي المجرفة".

لكنه تعلم من الإنترنت ومن كتيّبات إرشاديّة كل ما يحتاج إليه للعيش في ذلك المكان النائي الخالي من أيّ شيء، على مسافة كيلومترات من أقرب مدينة فيليس.

جدران منزله أكياس من التراب، يمكنه قضاء ساعات في الصالون جالسا أمام موقدته. ومن وسائل الاكتفاء الذاتي، فهو يتزود بالمياه من بئره، ويتدفأ بواسطة ألواح شمسيّة، ويأكل الخضار التي يزرعها ويحتفظ بها في ما يشبه برّادا صنعه من الطين.

ولتقاسم ما تعلّمه، نظم عشرات الدورات في السنوات الأخيرة.

Going back to the land: Dimche Ackov inside his circular home made from clay
منزل أكوف مصنوع من الطين

نظرة مختلفة
ويقول ديمشي أكوف إن هدفه هو أن يغادر المشاركون في هذه الدورات "بنظرة مختلفة إلى البيئة. لا يعود بوسعك بعد ذلك تدميرها، تشعر أنك جزء منها".

وهدف الدورات أيضا على حد قوله إطلاع المشاركين فيها على صعوبة العيش في الهواء الطلق، ودفعهم إلى القيام بالخطوات الصغيرة التي تأتي بنتيجة.

ويقول ديمشي في هذا السياق إنه "إذا ما عمد مليون شخص إلى رفض استخدام الأكياس البلاستيكية، فسيحدث ذلك فرقا كبيرا".

ورغم صغر حجم مقدونيا الشمالية وعدد سكانها الذي لا يتعدى 1,8 مليون نسمة، فهي تواجه تحديات مناخية هائلة في طليعتها تلوث الهواء وسوء إدارة النفايات وإزالة أشجار الغابات بصورة عشوائية وغيرها.

وخلصت دراسة نشرتها صحيفة غارديان الشهر الماضي إلى أن مقدونيا الشمالية هي من الدول الأكثر تضررا جراء تلوث الهواء في أوروبا، مشيرة إلى أن حوالى ثلثي سكانها يعيشون في مناطق حيث نسبة الجزيئات الضارة في الهواء أعلى بأربع مرات من توصيات منظمة الصحة العالمية.

وهذا ما يحمل ديمشي على التأكيد أن "الوقت حان لإصلاح الأضرار" مضيفا "نحن جداول صغيرة، لكن معا يمكن أن نصبح نهراً ونغيّر مجرى الأمور. إنني شخص متفائل، وإلا لما كنت هنا".