اعتبرت مجلة quot;فورينquot; بولسي أن ما يجري في مصر حاليا بشأن الانتخابات الرئاسية المقبلةيعتبر من أهم التحديات التي تواجه الرئيس الأميركي باراك أوباما.

نشرت مجلة quot;فورين بولسيquot; في عددها الأخير لشهري كانون الثاني/يناير ـ شباط/فبراير مقالا تحليليا يتناول الوضع في مصر معتبرة ان ما يجري في اكبر بلد عربي يشكل واحدا من أكبر التحديات التي تواجه ادارة اوباما الى حد وصف الوضع المصري بالقنبلة الموقوتة. وجاء في المقال:

من بين كل الأزمات التي تهدد بهز رئاسة اوباما ، قلة أشد تفجرا من القنبلة الموقوتة في مصر ، وهي قنبلة مخيفة بصفة خاصة لأن لا احد يعرف متى يمكن ان تنفجر. لعل حسني مبارك ، مارشال الجو السابق ابن الـ 81 عاما الذي حكم مصر كدولة بوليسية منذ عام 1981 ، يتنحى في وقت أقرب مما يتوقعه أحد ليترك فراغا في السلطة يمكن ان يُوقع هذه الدولة الحليفة للولايات المتحدة ومواطنيها الثلاثة وثمانين مليونا والنظام السياسي الاقليمي في دوامة تنذر بإصابته بالشلل.

وهو قد لا يتنحى. إذ من الجائز ان يبقى مبارك بضع سنوات اخرى. وفي كلا الحالتين ستبقى القنبلة الموقوتة مسلطة على مصر في المستقبل المنظور، وستتحدد حظوظ اوباما في الشرق الأوسط اساسا بانفجار القنبلة أو تفجيرها برقة. ومن المستبعد ان يتنازل مبارك باختياره. ففي عام 2004 أبلغ البرلمان المصري انه سيبقى رئيسا حتى الرمق الأخير. ورغم الشائعات المستمرة عن اعتلال صحته فلا يبدو انه قريب من هذا الرمق.

في غضون ذلك تتحين جماعة الاخوان المسلمين ـ المعارضة الوحيدة التي تستحق الذكر ـ الفرصة. وبحسب مسؤول استخباراتي غربي فان النظام المصري ينظر بتوجس الى ما يمكن ان يحدث إذا أُزيح مبارك بصورة مفاجئة ، بحيث ان لديه خطة مفصلة لغلق القاهرة لتفادي وقوع انقلاب ، وهي خطة تصل في دقة تفاصيلها الى حد الآيات القرآنية التي ستُبث على التلفزيون الحكومي. ولم يرشح مبارك خلفا ذات يوم وبالتالي فان مسؤولين مرحليين سيتولون مقاليد الحكم لتوفير استمرارية على المدى القصير والتحضير لانتخابات طارئة. وإذا جرت مثل هذه الانتخابات فالمؤكد انها ستُحدِث مزيدا من القلاقل.

بسبب الغرائب المصنوعة بعناية في الدستور المصري فان المرشح الأوفر حظا للفوز هو نجل الرئيس جمال مبارك ليحول مصر بذلك الى جمهورية وراثية ـ كما حذر العالم السياسي الأميركي ذو الأصل المصري والمعارض المغترب سعد الدين ابراهيم في عام 2000. قد يكون جمال مقبولا لطبقة التجار المصريين ولكنه لا يتمتع بشعبية. وإذا تولى الرئاسة فان ذلك يمكن ان يفجر انقلابا ، سواء بأخذ الجيش مقاليد السلطة على الطريقة القديمة أو بطريقة quot;مخمليةquot; لاعنفية تضع ضابطا كبيرا على قمة الحزب الحاكم. والمفارقة في مأزق مصر ان ديمقراطيي المعارضة كما يصفون أنفسهم هم الذين كثيرا ما يدعون الى تدخل القوات المسلحة على هذا النحو ظنا منهم بان الحكم العسكري يمكن ان يوفر منطلقا للديمقراطية. جمال من الجهة الأخرى يبشر برئاسة أخرى مدى الحياة تحمل اسم مبارك.

وستُعطل على امتداد هذه الفترة الانتقالية مبادرات مصر في المنطقة مثل محاولات القاهرة لتحقيق المصالحة بين الفصيلين الفلسطينيين quot;فتحquot; وquot;حماسquot; ومشاركتها في عملية السلام في السودان. وسيقلق حلفاء اساسيون مثل الولايات المتحدة والعربية السعودية فضلا عن جيران مثل اسرائيل ، من امكانية ان ينقلب الوضع ضد مصالحهم وقد يغريهم ذلك بالتدخل. ولكن هذه الدول ستعمل في الظلام. فان وزارة الخارجية الاميركية ليست مستعدة لرحيل حسني مبارك ، كما يقول مسؤولون سابقون في ادارة جورج بوش. وعندما تدق الساعة سينهض الدبلوماسيون الاميركيون كي يفهموا مآل حليفهم العربي الأكبر ، حليف كان تعاونه الجاهز ذا اهمية مركزية لمخططات الولايات المتحدة في المنطقة طيلة ما يقرب من ثلاثة عقود.

على ما يبدو هذا من ضير فان البديل قد يكون حتى أبشع: ان يتشبث مبارك بالسلطة ويرشح لولاية سادسة في عام 2011 ليواصل حكم البلد في شيخوخته. ويتبادر الى الذهن مثال حبيب بورقيبة الذي ظل رئيسا 30 عاما الى ان أُزيح بانقلاب quot;طبيquot; في سن الرابعة والثمانين. وقد يكون هذا أسوأ مآل تنتهي اليه مصر: المد في عمر الغموض الذي يكتنف الوضع حاليا برئيس يزداد اعتلالا وعجزا عن الحكم ـ يقود نظام حكم تتآكل هيبته الأخلاقية وتتناسل مراكز القوة فيه دون نهاية في الأفق.