قضت مدينة العيون، في الصحراء في الجنوب المغربي ليلتها الهادئة الثانية على التوالي، لكن هذا الهدوء لم ينس المواطنين ما عاشوه خلال يوم الإثنين الأسود، وسط حديث عن عمليات تنكيل جرت بجثث عناصر أمن قتلوا في المدينة.

بدت مدينة العيون في الساعات الأولى من صباح اليوم هادئة، لكنه هدوء مشوب بالحذر. وكانت الحركة بطيئة في الصباح. وقد عاشت المدينة مساء أمس الثلاثاء الأجواء نفسها، وانتشرت سيارات الشرطة والجيش في شوارعها وبين أحيائها، أحيانا كانت هذه السيارات تستقبل بالتحية والترحيب، كما فعله مواطنون في شارع مكة قرب فندق quot;المسيرةquot; الشهير، لكن في مناطق أخرى استقبلت هذه السيارات بالحجارة وصفارات. هؤلاء المستنكرون يعرفون بإنفصاليي الداخل المطالبين بالاستقلال عن المغرب.

بدأت حركة السير في شوارع المدينة لكن ببطء كبير، ويتحدث مواطن صحراوي عن
أن quot;السكان يخافون على سياراتهم، فلقد تم إحراق أكثر من 120 سيارة يوم الاثنين ولا أحد يجرؤ على إخراج سيارتهquot;.

سبب المشكلة غياب الأمن
مواطنون من الصحراء اعتبروا أن ما شهدته المدينة من انفلات أمني يعود بالأساس إلى غياب الأمن وانشغاله بإزالة المخيم الذي أقامه صحراويون ضاحية مدينة العيون للمطالبة بالشغل والسكن. إذ استغل عدد من الانفصاليين الوضع فهاجموا متاجر ومؤسسات عمومية، كما قتلوا عددا من أفراد القوات العمومية. بل ذهب أحد الشهود إلى أن الإنفصاليين نكلوا بجثث بعض أفراد القوات العمومية، ويسوق مثالا ما تعرض له فرد من القوات المساعدة الذي قتل ثم ذبح ووضع في ساحة، وعلمت quot;إيلافquot; أن الشرطة ألقت القبض على القاتل المفترض، وتحدثت أخبار عن اعترافه بجرمه. وتتحدث المعطيات الاولى عن كون الجاني تلقى تكوينا عسكريا في مخيمات تندوف الجزائرية.

كما تعرضت جثة عنصر من الدرك الملكي للتنكيل فبعد بقر بطنه، تبول عليه قاتله الذي لم يلق القبض عليه بعد. وقد بلغ عدد الموقوفين أكثر من مئة شخص، حسب مسؤول محلي متوقعاً أن يرتفع العدد في الأيام المقبلة.

ولم يعرف عدد القتلى في صفوف المواطنين بعد. وكانت السلطات المغربية قد نفت يوم الثلاثاء الأخبار التي تحدثت عن بعض الوفيات، وحتى الآن أعلن رسميا عن وفاة مواطن واحد فقط.

إعتقال جزائريين متورطين في أحداث العيون

تفيد أنباء عن اعتقال جزائريين متورطين في أحداث العيون فيما تتفادى المصالح الأمنية تأكيد أو نفي هذا الخبر. لكن مقربين من جهات أمنية أكدوا لـquot;إيلافquot; خبر الاعتقال، واشاروا إلى أن المغرب الرسمي تفادى الإعلان عن أسماء وجنسيات المعتقلين حتى يستكمل المحققون تحقيقاتهم. وقد تحدثت أنباء عن جنسيات أخرى شاركت في دعم quot;الانفصاليينquot; المطالبين باستقلال الصحراء الغربية.

وكان مسؤول مغربي رفيع المستوى أكد لـquot;إيلافquot; مع بداية نزوح مواطنين صحراويين إلى مخيم ضاحية العيون قبل شهر، أن الاستخبارات الجزائرية متورطة في عملية النزوح. كما تحدث عن دعم مالي ولوجيستيكي سخيّ من الجزائر، وعن تورط عناصر تدربت في الجزائر ثم انتقلت إلى المغرب.

مناوشات هنا وهناك
هذا الهدوء الذي عاشته المدينة لم يكن شاملا، فحي quot;العودةquot; في طريق السمارة، شهد مناوشات بين إنفصاليين والقوات العمومية. كما أبعد الجيش في منطقة غير بعيدة عناصر إنفصالية كانت تسعى إلى قطع الطريق الرابطة بين مدينتي العيون والسمارة.

وشهدت بعض المناطق عودة بطيئة للحياة بعد الاثنين الأسود الذي عرف حالة اضطراب لم تشهده المدينة منذ استرجاعها من قبل المغرب سنة 1975، حسب شهادة بعض المواطنين الصحراويين. فساحة المشور، قبالة قصر المؤتمرات، كانت شبه خالية، أما شارع مكة فقد شهدت بعض مقاهيه ومتاجره نشاطا محدودا، فيما شهدت مقاهي ساحة الدشيرة إقبالا لافتاً من قبل سكان مدينة العيون، كبرى مدن الصحراء في الجنوب المغربي.

تعطيل إجباري
وطغت الأحداث التي شهدتها المدينة الاثنين على أحاديث رواد المقاهي، فمجموعة من رجال التعليم تمحورت أحاديثهم حول استحالة الاستمرار في التدريس أمام هذا الوضع quot;غير المستقرquot;، مشددين على ضرورة إغلاق المدارس إلى ما بعد عطلة عيد الأضحى. وكانت عصابات محسوبة على الانفصاليين قد هاجمت بعض المدارس الخاصة أمس الاثنين، وقد اضطرت مدارس المدينة إلى الإغلاق.

الإغلاق لم يشمل المدارس فقط، بل شمل المتاجر والمقاهي والمطاعم الشعبية والبنوك والمؤسسات العمومية. وكان مسلحون مدججون بالأسلحة، حسب ما صرح به مواطنون لـquot;إيلافquot;، قد هاجموا متاجر يملكها مواطنون قدموا من شمال الصحراء، واعتبر هذا التصرف رغبة من المسلحين الانفصاليين لإثارة الفتنة بين المغاربة، إذ كانت ردة فعل غير الصحراويين انتقامية quot;لو لم تتدخل قوات الأمن، لانقلب الوضع الأمنيquot; يقول ناشط حقوقي.

هذا الوضع الأمني انعكس طلباً على المواد الغذائية إذ اصطف عشرات المواطنين أمام المخابز، كما شهدت محلات الخضار والمواد الأولية الأخرى إقبالا كبيرا ما جعل الأسعار ترتفع بشكل كبير. بعد الليلة الهادئة نسبياً التي عرفتها المدينة، لا تبدو الصورة واضحة المعالم، فلا أحد يعرف ما الذي ستأتي به رياح الصحراء في القادم من الأيام.