دعا الرئيس العراقي جلال طالباني رئيس الوزراء نوري المالكي لدى تكليفه رسمياً اليوم بتشكيل الحكومة إلى عدم استثناء أي كتلة سياسية في تشكيلته الحكومية الجديدة التي وعد المكلف بها بأن تكون قوية تضم وزراء على أساس الكفاءة والنزاهة مشدداً على انه سيعمل على تحقيق الأمن والخدمات والإعمار وتقليص الفوارق الطبقية ومعالجة الخلل في علاقات العراق العربية.


خلال حفل رسمي حضره كبار الشخصيات العراقية وممثلو الكتل السياسية يتقدمهم رئيسا مجلس النواب اسامة النجيفي ومجلس القضاء الاعلى مدحت المحمود في قصر السلام مقر الرئاسة العراقية وسط بغداد كلف طالباني المالكي رسميا بتشكيل الحكومة الجديدة باسرع وقت لا يتعدى 30 يوما. ودعا المالكي الى تشكيل حكومة لا تستثني اي قوة سياسية من ممثلي الشعب العراقي ومكافحة الفساد بكل اشكاله ومد الجسور مع الدول العربية والاجنبية. كما طالبه بتذليل العقبات امام القوات المسلحة لاداء مهامها في حفظ الامن والاستقرار.

واشار الى ان العراق استطاع مواجهة جميع التحديات على طريق بناء العراق الاتحادي الموحد. وقال ان الحوارات الاخيرة بين القوى السياسية التي جرت على اساس دعوة رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني قد تمخضت عن توافقات سياسية تجسد الارادة الحرة وتؤكد قدرة العراقيين على صنع سياساتهم داخل بلدهم من اجل عراق حر ديمقراطي.

واضاف طالباني انه يرشح اليوم الكتلة البرلمانية الاكبر (التحالف الوطني 159 عضوا من 325 مقعدا برلمانيا) من اجل تشكيل حكومة شراكة لا تقصي طرفا ولاتستثني قوة سياسية داعيا الكتل الى تقديم مرشحيها الى الحكومة على أساس النزاهة والكفاءة. واكد التطلع إلى حكومة قوية وكفوءة قادرة على إنجاز المهام المكلفة بها والتصدي لتحقيق الامن والخدمات وبناء علاقات خارجية بناءة. ودعا الى حل المشاكل التي ستواجه الحكومة على اساس الشراكة الحقيقية بين الكتل السياسية.

ومن جهته اكد المرشح لتشكيل الحكومة نوري المالكي انه سينهض بالمهمة المكلف بها على اكمل وجه على الرغم من انها ليست سهلة في الظروف الحالية التي يمر بها العراق كما قال. وناشد القوى السياسية فتح صفحة جديدة في العلاقات في ما بينها وطي خلافاتها السابقة من اجل بناء البلاد على اسس من التعاون والتكاتف. وشدد على ضرورة ان يكون الهدف هو خدمة العراق وليس خدمة الكتل او الطوائف والقوميات.
واضاف ان المهمة الملحة الان تتجاوز تشكيل الحكومة الى بناء الدولة وتشكيل مؤسساتها واصفا هذه المهمة بالثقيلة. وطالب الكتل السياسية بان تضع مسألة الكفاءة والنزاهة امام نصب عينيها لدى تقديم مرشحيها الى الحكومة لتكون قوية كفوءة.

ووعد المالكي بالعمل من اجل تحقيق الامن والاستقرار لكنه قال ان هذا الامر لاتنهض به الحكومة وحدها وانما الاجهزة الامنية والسياسيون والمواطنون للاسهام في بناء الامن والاستقرار ودعم القوات الامنية لفرض الامن والاستقرار في البلاد.

وشدد على ضرورة التعاون والتنسيق بين السلطات الثلاث القضائية والتنفيذية والتشريعية. وقال ان تجربة حكومته المنتهية ولايتها لم تكن مشجعة في هذا المجال مشيرا الى ان الحكومة لا تستطيع ان تعمل من دون تعاون مجلس النواب من خلال مصادقته على مشاريع القوانين والرقابة على الاجهزة الحكومية. وطالب الإعلام العراقي بالابتعاد عن الاثارة او التعاون مع من يريدون تعويق العملية السياسية.
واكد المالكي انه سيعمل على اصلاح الخلل في علاقات العراقية العربية والاسلامية والدولية وقال انه سيلتزم بالعمل الدؤوب لتثبيت الأمن وتفعيل الاعمار والخدمات وتقليص الفوارق في الدخول والامتيازات ودعم الفقراء والمعوزين.

الدستور وخطوات تشكيل الحكومة

ويرسم الدستور العراقي الجديد خارطة طريق للانتهاء من مهمة تشكيل الحكومة حيث ينص في مادته 76 على: quot;يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الاكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال خمسة عشرَ يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية، ويتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف، تسمية اعضاء وزارته، خلال مدةٍ اقصاها ثلاثون يوماً من تاريخ التكليف، فيما يكلف رئيس الجمهورية، مرشحاً جديداً لرئاسة مجلس الوزراء، خلال خمسة عشر يوماً، عند اخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة، خلال المدة المنصوص عليها في البند ثانياً من هذه المادة، ويعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف، اسماء اعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب، ويعد حائزاً ثقته، عند الموافقة على الوزراء منفردين، والمنهاج الوزاري.بالاغلبية المطلقة، في حين يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشحٍ آخر بتشكيل الوزارة، خلال خمسة عشر يوماً، في حالة عدم نيل الوزارة الثقةquot;.

وبعد استلام المالكي للخطاب الرئاسي بتكليفه رسميا بتشكيل الحكومة فإنه سيتجه الى تسلم اسماء مرشحي الكتل السياسية البرلمانية لشغل المناصب السيادية والوزارية حيث سيكون لكل واحدة من هذه الحقائب ثلاثة مرشحين حيث سيطلق التكليف المباحثات الرسمية لاختيار مرشحي الكتل.

وتوقعت مصادر نيابية أن يحصل التحالف الوطني على 18 وزارة والقائمة العراقية على 9 وزارات وائتلاف الكتل الكردستانية على 7 وتحالف الوسط على حقيبة وزارية ووزارة دولة ووزارة للمسيحيين مع مطالبة قائمة التغيير الكردية المعارضة بوزارة في حال بقيت خارج الائتلاف الكردستاني.

المناصب بحسب الاستحقاق الانتخابي والنقاط

ومن المنتظر ان تعقد الكتل السياسية اجتماعا مهما خلال اليومين المقبلين لبحث مسألة توزيع الحقائب الوزارية. وستستمر اجتماعات الكتل لمدة اسبوع للاتفاق على صفقة توزيع الوزارات وفق الاستحقاق الانتخابي المعتمد على نظام النقاط والذي سيحدد حصة كل كتلة برلمانية في الحكومة الجديدة ومن خلال احتساب نقطة لكل مقعدين نيابيين و15 نقطة للمنصب الرئاسي.

وتضم الحكومة العراقية الحالية 37 حقيبة وزارية تم تصنيف خمس منها سيادية وهي : النفط والمالية والخارجية والدفاع والداخلية.. ثم خدمية ووزارات دولة ويتوقع ان يبقى هذا التقسيم في الحكومة الجديدة نظراً إلى متطلبات التوافق والشراكة التي تشدد عليها الكتل السياسية.

ووفق هذا النظام ستقسم قيمة الوزارة بعدد محدد من النقاط تتراوح بين 3 و 10 نقاط بحسب حجم الوزارة وأهميتها حيث سيكون لكل منصب للرئاسات الثلاث للجمهورية والبرلمان والحكومة 15 نقطة واقل من ذلك لمناصب نواب هذه الرئاسات.

وتؤكد الكتل السياسية ضرورة تولي شخصيات مستقلة كالدفاع والداخلية والامن الوطني حيث تضم الحكومة الحالية المنتهية ولايتها 37 حقيبة وزارية تم تصنيف خمس منها سيادية وهي : النفط والمالية والخارجية والدفاع والداخلية.. ثم خدمية ووزارات دولة ويتوقع أن يبقى هذا التقسيم في الحكومة الجديدة نظراً لمتطلبات التوافق والشراكة التي تشدد عليها الكتل السياسية.

ويملك التحالف الوطني المكلف بتشكيل الحكومة 159 مقعدا نيابيا والقائمة العراقية 91 مقعدا وائتلاف الكل الكردستانية 57 مقعدا وتحالف الوسط 10 مقاعد والمستقلين والكتل الصغيرة 8 مقاعد من بين 325 هي مجموع مقاعد مجلس النواب العراقي الجديد.

وشهد مجلس النواب السبت الماضي الثالث عشر من الشهر الحالي تفعيل الاتفاقات التي توصلت إليها الكتل في اجتماعاتها ضمن مبادرة بارزاني من بينها رفع الاجتثاث عن اربعة أعضاء في القائمة العراقية وتشكيل المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية والاتفاق على تشكيل لجان لبحث قضايا وقرارات هذه المبادرة خلال شهر واحد. وجاءت هذه الاتفاقات بعد فراغ سياسي ساد العراق على مدى ثمانية أشهر وخلف وراءه تداعيات مختلفة ولاسيما على الصعيد الأمني الذي شهد انهيارات خطرة خلال الفترة الماضية.

المالكي.. رجل مغمور استطاع كسب دعم كتل سياسية مؤثرة

ولد نوري كامل محمد حسن المالكي في قضاء طويريج التابع لمحافظة بابل عام 1950 وجده محمد حسن ابوالمحاسن وزير المعارف في العهد الملكي عام 1925. متزوج وله اربع بنات وولد واحد.. وحاصل على شهادة البكالوريوس من كلية اصول الدين في بغداد وشهادة الماجستير في اللغة العربية من جامعة صلاح الدين في اربيل.

انضم المالكي عام 1970 الى حزب الدعوة الاسلامية الذي خاض صراعا مع النظام السابق.. وغادر العراق عام 1979 بعد صدور حكم الإعدام بحقه ومكث في سوريا حتى عام 1982 ثم انتقل الى ايران بعدها عاد الى سوريا واستقر فيها حتى سقوط النظام العراقي ربيع عام 2003 حين عاد الى العراق واصبح عضواً في قيادة الحزب ومسؤولاً عن تنظيمات الداخل طيلة فترة تواجده في المنفى.

أختير نوري المالكي عضواً مناوباً في مجلس الحكم الانتقالي كما شغل منصب نائب رئيس المجلس الوطني الموقت وأسهم في تأسيس كتلة الائتلاف العراقي الموحد وكان الناطق الرسمي باسمها والتي رشحته لتولي مسؤولية رئاسة لجنة الامن والدفاع في الجمعية الوطنية.. وشارك في لجنة صياغة الدستور العراقي.

انتخب المالكي لتشكيل أول حكومة عراقية دائمة في ايار (مايو) عام 2006 معلنا برنامجا حكوميا سياسياً مطلقا من خلاله مشروع المصالحة الوطنية والحوار الوطني وهو يعرّف مشروعه هذا بأنه quot;مشروع حضاري حواري كبير.. شرعي سياسي اسلامي حضاري وان البلد الذي ينبغي ان يبقى موحدا ويبقى قويا وشعبه يعود الى إخوته وعلاقاته الطيبة لايمكن ان يعود عبر البندقية والقتل والاختطاف انما يعود عبر التفاهم وغسل القلوب عبر التصالح مع الذات والآخر في اطار العملية السياسيةquot;.

وقد رعى المالكي خلال فترة ولايته الاولى العديد من مؤتمرات المصالحة الوطنية للقوى السياسية والعشائرية ومنظمات المجتمع المدني في بغداد وعدد من المحافظات.. كما قاد حملة مسلحة كبيرة بمشاركة القوات الاميركية والعراقية في عام 2007 ضد الميليشيات المسلحة وخاصة جيش المهدي التابع للتيار الصدري في بغداد ومحافظات العراق الجنوبية.. ثم قام بالعديد من الزيارات الى دول العالم وفي مقدمتها دول الجوار مشددا على ضرورة طي صفحة الماضي وتأسيس علاقات قائمة على الاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

وقد سعى المالكي جاهدا للسيطرة على حكومة تسودها الانقسامات وتألفت من تحالفات هشة لكن في العامين الأخيرين اكتسب قوة بعد أن قرر محاربة الميليشيات المسلحة ونجح في تحقيق انخفاض حاد في أعمال العنف بوجه عام. لكنه بمرور الوقت اصبح الكثير من حلفاء المالكي السابقين خصوما وخاصة المجلس الاعلى الاسلامي والتيار الصدري لكن هذا الاخير سرعان ما تخلى عن معارضته الشديدة للمالكي والتي وصلت الى حد وصفه بأنه أسوأ من صدام حسين ثم أيد ترشيحه لولاية ثانية بضغوط ايرانية كبيرة.

وقد مرت العلاقات بين المالكي الذي يقود حزب الدعوة الإسلامي والتيار الصدري بزعامة رجل الدين الشاب مقتدى الصدر بعدة مراحل من الجذب والشد فبعد ضغط التيار على قبول مرشح الدعوة المالكي بديلا من ابراهيم الجعفري لمنصب رئيس الوزراء عام 2006 على باقي مكونات الائتلاف الوطني خاصة المجلس الإسلامي الأعلى الذي رشح للمنصب القيادي فيه نائب الرئيس العراقي عادل عبد المهدي تم تشكيل الحكومة العراقية من قبل المالكي فعلا واستمرت العلاقات بين الطرفين جيدة لحين قيام المالكي بدخول كربلاء عام 2007 لوقف الاشتباكات المسلحة التي جرت بين أنصار التيار الصدري والقائمين على المراقد المقدسة في المدينة والتي تم على إثرها قتل واعتقال العديد من عناصر التيار.

وفي نهاية آذار عام 2008 ومع بدء عملية صولة الفرسان ضد ميليشيا جيش المهدي في البصرة وباقي المحافظات أصبح المالكي هو العدو الجديد للتيار حيث توترت العلاقات بين الطرفين واستمرت لما بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في آذار من العام الحالي إلا ان تغير موقف التيار من ترشيح المالكي لولاية ثانية أعاد العلاقات بين الدعوة والتيار إلى طبيعتها بعد ثلاثة أعوام من الاحتقان بين الطرفين.

ونجح المالكي في إقامة علاقات دبلوماسية جيدة مع ايران التي خاضت حربا مع العراق بين عامي 1980 و1988 في عهد الرئيس السابق صدام حسين واستطاع ان يقنعها بأمكانية إقامته علاقات تقوم على التعاون والتنسيق معها والتغاضي عن تدخلها الواسع في الشؤون العراقية.

وقبيل ترشيحه لولاية ثانية قام المالكي بزيارات الى ايران والاردن وسوريا وتركيا ومصر في محاولة للحصول على تأييدها لترشيحه لولاية ثانية وطمأنتها إلى أن حكومته المقبلة ستقيم معها افضل العلاقات كما لوح لقادة هذه الدول بامتيازات ومكاسب في اقتصاد بلاده ومشاركتها في عمليات اعادة اعماره بعد سنوات من حصار دولي وحروب اقليمية ودولية خاضها العراق على امتداد الثلاثين عاما الماضية.

وخلال الانتخابات البرلمانية الاخيرة في اذار الماضي جاء ترتيب ائتلاف دولة القانون الذي يقوده المالكي ثانيا بحصوله على 89 مقعدا برلمانيا متخلفا بمقعدين عن الكتلة العراقية بزعامة علاوي التي فازت فيها بحصولها على 91 مقعدا من مجموع عدد مقاعد مجلس النواب البالغة 325. وقد اعترض المالكي على نتيجة الانتخابات مشككا بنزاهة تعداد اصوات الناخبين لكن اعادة عد اوراق الاقتراع الذي قامت به المفوضية العليا للانتخابات بناء على طلبه لم تغير النتيجة. ورغم ذلك استطاع المالكي عقد صفقات سياسية مع قوى واحزاب سياسية مكنته في النهاية من حشد اكبر عدد من النواب لتوليه رئاسة الحكومة لفترة ثانية.