أكد محمد إبراهيم منصور مدير مركز الدراسات المستقبلية في الحكومة المصرية في حوار مع quot;إيلافquot; أنه quot;بإمكاننا أن نصنع المستقبل لأنفسنا لأنه إذا لم نصنعه لأنفسنا صنعه الآخرون لنا وفق أجنداتهم وتوجهاتهم وأيديولوجياتهم، وشدد على أنه من أهداف المركز صياغة سيناريوهات للمستقبل المرغوب للوطن وشحذ كل القوى لتحقيق هذا المستقبل، فضلا عن بحث الفرص المتاحة للتقدم والتطور وسبل مواجهة التحديات المستقبلية.


أعرب محمد إبراهيم منصور مدير مركز الدراسات المستقبلية في الحكومة المصرية عن أسفه أن المنطقة العربية تفتقر إلى مثل هذه المراكز رغم أهميتها كمرجعية لصانع القرار، معتبراً أن quot;كثيرين من الناس مشدودون للوراء ويعيشون على تراث الماضي ويجترون التاريخquot;. كما دعا إلى إهتمام المؤسسات الأكاديمية في مصر والمنطقة العربية بعلم المستقبليات بإنشاء أقسام وكليات متخصصة في هذا العلم لتخريج كوادر قادرة على قراءة المستقبل لمجتمعاتها في المجالات المختلفة.

ورأى منصور أن مشكلات كارثية ستحدث إثر إنفصال الجنوب السوداني عن الشمال، متوقعا نشوب صراع بين قبائل الجنوب أنفسهم وليس بين الشمال والجنوب. كما لم يستبعد حدوث تدخل أميركي إذا حدث تصعيد على الساحة السودانية. وكشف عن أن السودان على الأجندة الأميركية منذ عدة عقود نظرا لأهميته كدولة وكيان كبير فضلا عن رغبة أميركا في تقسيم السودان وإثارة النعرات الإنفصالية.
وتطرق الحوار مع د.منصور إلى عدة قضايا محلية وعربية وإقليمية ودولية وإليكم نص الحوار:

فرع معرفي جديد

** نود التعرف إلى ماهية مركز دراسات المستقبل وأهدافه، وماهو دوره المرسوم له في مجلس الوزراء؟

- الدراسات المستقبلية فرع معرفي جديد، لا يزيد عمره عن نصف قرن على مستوى العالم، وهو دخل مصر متأخراً بعض الشيء. بدأ مركز الدراسات المستقبلية في مجلس الوزراء، من نواة تأسست في جامعة أسيوط مبكرا في أوائل التسعينات، وكان أول مركز نشأ في مصر كمؤسسة تحت عباءة جامعة أسيوط عام 1992. وأنا كنت المؤسس له وأول مدير له، ونجحنا في تقديم هذا الفرع من العلم للمجتمع المصري باعتباره مجالا واعدا والناس متعطشة إليه، فالكل يفكر في مصير المستقبل بعد أن أصبحت الدراسات المستقبلية صناعة فكرية وعلمية، وأصبحت هناك مدارس الآن في العالم للدراسات المستقبلية تقدم رؤى وتصورات وتبني سيناريوهات مختلفة لمستقبل العالم.

ثم كلفت من مجلس الوزراء بإنشاء مركز للدراسات المستقبلية على غرار مركز جامعة أسيوط وبدأت الدراسات التمهيدية لإنشائه عام 2003 وبدأ العمل في المركز عام 2005. والمركز التابع لمجلس الوزراء يمكن أن يغطي مجالات كثيرة، فضلا عن إتاحة الإمكانيات وسهولة الحصول على المعلومات، بينما مركز أسيوط كان في مجاهل الصعيد، وهذا كان له تأثير سلبي على أدائه وأنشطته وتواصله مع الآخرين. بينما هنا تتاح أمامنا أشياء كثيرة جدا سواء الإتصالات الدولية والتواصل مع مراكز الدراسات المستقبلية العالمية. ومحلياً فكل أجهزة المعلومات موجودة والبيانات اللازمة لإعداد دراسات مستقبلية قائمة على أسس سليمة في المجالات كافة متوفرة لنا.

النقطة الأساسية في الدراسات المستقبلية أنه يإمكاننا صناعة المستقبل وإذا لم نصنعه لأنفسنا صنعه لنا الآخرون طبقا لأجنداتهم ورؤاهم، وبالطبع لا أحد يقبل أن يصنع له الآخرون مستقبله. لذا كان لا بد أن يكون لنا مركز للدراسات المستقبلية يتبنى القضايا الوطنية والعربية ويصيغ سيناريوهات للمستقبل المرغوب للوطن، ويشحذ كل القوى لتحقيق هذا المستقبل. على أن نتجنب السيناريوهات المتشائمة وغير المرغوبة التي قد تصادفنا في المستقبل، لأنه ليس هناك مستقبل واحد بل مستقبلات عديدة، والذكاء هو الإنفتاح نحو المستقبل المرغوب إجتماعيا من الناس فهل نريد أن نكون متقدمين وأكثر ديمقراطية وأكثر إنفتاحا، وأن نكون مجتمعا أكثر عدالة؟ تدور فكرة المركز حول كل المعايير المرغوبة إقتصاديا وإجتماعيا وسياسيا.

تصورات جنينية

**كيف تبدأ فكرة الدراسات المستقبلية في المجالات المختلفة؟

- شأن الدراسات المستقبلية هو شأن العلوم الأخرى، تبدأ بتصورات جنينية ثم سرعان ما تتحول هذه التصورات إلى مناهج وأدوات بحث ومعارف تتضافر فيها تقريبا كل ما توصل إليه الإنسان من تقدم علمي. لذا دارسو وباحثو الدراسات المستقبلية لا بد أن يعتمدوا على ما يسمى بـquot;تكامل المعارفquot; وهو بالإعتماد المتبادل بين المعارف، أي العمل الجماعي لأن الحياة أعقد من أن تعالج بمنظور معرفي واحد أو علم واحد، فلا بد من تشارك المتخصصين من التخصصات العلمية كافة لأن المستقبل لا يشكل من ظاهرة واحدة بل من ظواهر إجتماعية كثيرة، وبالتالي منهم مجتمعين تنتج الحقيقة المتعلقة بالمستقبل.

مرجعية لصانع القرار

** ما أهمية مركز الدراسات المستقبلية لمجلس الوزراء ورئاسته؟

-أهميته تنبع من إحتياجنا إلى مرجعية مستقبلية نستند إليها في إتخاذ القرارات الحالية، فكل قرار يتخذ اليوم وكل تشريع تصدر له آثار مستقبلية، فتأثير أي قرار في مجال التعليم مثلاً يجب أن يدرس على الأجيال القادمة. وفي شق التنمية إذا أخذنا قرضا من دولة أجنبية قيمته 100 مليون دولار، يتوقف قبولنا لهذا القرض على عامل واحد وهو أين سنوظف هذا القرض؟ في مشروع إنتاجي أم إستهلاكي؟ أي نشتري به قمحاً أو زيتاً أو مواد تموينية؟ بينما لو وظفناه في مشروع مصنع فمن المؤكد أن هذا هو الأفضل لأنه يمكننا من إسترداد هذا المبلغ مع بقائه للأجيال القادمة. وهنا تكمن أهمية الدراسات المستقبلية لصانع القرار.

ومن الأشياء الخطرة جدا في التعرف إلى الفرص المتاحة أمامنا في المستقبل من ناحية التقدم والتطور، هو محاولة البحث عن التحديات التى ستواجهنا في المستقبل لدراستها من الآن، حتى إذا شرعنا في التنمية لا بد أن تقوم على شفافية كاملة وتوقعات للمخاطر، وأيضاً دراسة الفرص المتاحة للعمل على تعظيمها. وهنا تكمن أهمية الدراسات المستقبلية. ومن المهم أيضاً معرفة حقائق العالم وكيف يفكر الآخرون ومعرفة الأعداء والأصدقاء لبناء التحالفات ويجب أن نعرف خريطة العداوات وهو جزء مهم في الدراسات المستقبلية وهذا ما شاهدناه عندما راجعنا ما صدر عن مراكز الدراسات المستقبلية في العالم من كتابات ودراسات حول كيفية تفكيرهم لغيرهم في مناطق أخرى من العالم، لكنهم في الواقع يفكرون لأنفسهم. مثلا نجد أن مراكز الدراسات المستقبلية في أميركا تدرس مستقبل الشرق الأوسط لكن في الحقيقة هي تبحث عن مستقبل أميركا في الشرق الأوسط، وعندما تخطط للشرق الأوسط وتستقرئ مستقبله تجري قراءة أميركية بعين المصالح الأميركية. فهم يرون أن من مصلحتهم أن يكون العراق مقسماً وأن يكون السودان مقسماً، لذلك تبنت هذه المراكز المشاريع المستقبلية لأنها مبنية على هذا الأساس فهي تسعى إلى تفتيت هذه المنطقة الواسعة من العالم إلى كيانات صغيرة يسهل التعامل معها، لكن هل هذه رغبة سكان الشرق الأوسط؟ أشك في ذلك.

المعلومة الصحيحة والقرار السليم

**ماهو دور مركز الدراسات المستقبلية في صناعة القرار في مصر؟

- مركز الدراسات المستقبلية في مجلس الوزراء هو في خدمة صانع القرار ولابد أن يقدم لصانع القرار المعلومة الصحيحة لكي يستطيع أن يبني عليها قرارا سليما رشيدا.

مشروع مصر 2030

**هل هناك مشروع قومي يقوم به المركز حالياً؟

-هناك مشروع كبير جداً يرعاه د.أحمد نظيف رئيس مجلس الوزراء، وهو مشروع مصر2030، وقد أنجزنا معظم دراساته وبياناته، وهو ببساطة يقوم على فكرة أن مصر عام 2030 ستصبح دولة متقدمة إقتصاديا وإجتماعيا، ومندمجة إقليمياً ومؤثرة عالمياً، وهو شعار الرؤية أن نكون في عداد الدول المتقدمة لذا هناك مجموعة من الأهداف الإستراتيجية التي لو عملنا عليها سنصل بإذن الله عام 2030 إلى صورة الدولة المتقدمة المنشودة.

ولنصل إلى هذا الشعار والنموذج كان لا بد من اللقاء بشرائح إجتماعية كثيرة جدا تمثل كل الناس من مثقفين وعمال وفلاحين وطلاب وشيوخ وشباب ونساء ورجال، ومنظمات مجتمع مدني وأخرى حكومية وممثلي الأحزاب، بحيث تعكس اللقاءات مدى التوافق الوطني بين ممثلي الشعب. وكانت لقاءاتنا ميدانية فيها شفافية وصراحة شديدة جدا والناس قالت كل ما لديها، والمحصلة التي خرجنا بها هي إننا نأمل أن تكون مصر دولة متقدمة عام 2030.

مستقبل المجتمع المصري

*هل من مهام المركز عمل دراسات مستقبلية في المجالات الحياتية كافة؟

- المركز مخول للقيام بإجراء كافة الدراسات المستقبلية بكل ما يتعلق بالمجتمع المصري والعربي، في المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية وغيرها. نعمل في كل الملفات لأن كل شيء مترابط والحقائق تتصل ببعضها البعض، ويقوم بهذه الدراسات نحو خمسة عشر باحثاً في المركز وتتم الإستعانة بأي خبير في أي من المجالات التي نحتاجه فيها. وهناك قاعدة بيانات أو بنك معلومات عن كل خبراء مصر في المجالات كافة، وعند الحاجة إلى خبير أجنبي تتم الإستعانة به قد استعنا بخبير ألماني عمل معنا لمدة عامين في المركز وإستفدنا من خبراته وخاصة الباحثين الشباب في المركز، وساهم معنا في بعض الأبحاث المستقبلية.

خدمة صناعة القرار

**نظم مركز دراسات المستقبل في جامعة أسيوط مؤتمرات عديدة خرجت بتوصيات مهمة. هل تستفيد الجهات المتخصصة بصناعة القرار في مصر منها كمرجعية في إصدار قراراتها؟

-وظيفة مراكز دراسات المستقبل خدمة صانع القرار سواء عمل بنتائج هذه الدراسات أم لم يعمل. وصناعة القرار تتوقف عليها إعتبارات عديدة جدا، فمن الممكن أن يأخذ بنتائج الأبحاث والدراسات ولكنّ الظرفين المحلي والدولي أيضا قد لا يسمحان بإتخاذ قرار ما اليوم، وبرأيي إن صانع القرار أخذ بالكثير من النتائج لهذه الدراسات. اشتغلنا على مواضيع الخيار النووي والمياه والسوق العربية المشتركة والإصلاح السياسي والمجتمع المدني، وأيضا نظمنا مؤتمراً حول quot;العرب وأفريقيا.. إستراتيجية مشتركةquot;، وكان تجمعاً أفريقياً كبيراً، وقد ظهرت أهميته فيما بعد من خلال أزمة مياه النيل، لأننا طرحنا فيه كل القضايا المتعلقة بالتعاون بين دول حوض النيل. وهذه الملفات تقدم لصانع القرار في وزارتي الخارجية والموارد المائية والجهات المعنية والمختصة. كما أجرينا دراسة حولquot;الإرهابquot; وطرحنا تساؤلا quot;ماذا لو استولت الجماعات المتطرفة على مصر؟ ما هي السيناريوهات المتوقعة؟ وأجرينا دراسة حول هذا الملف واستنتجنا أن اي منطقة متخلفة يمكن أن تكون عرضة لذلك، وقد وصلنا إلى مؤشرات خطرة جداً تعكس فروقاً كبيرة بين مناطق الصعيد والوجه البحري وكأنهما ليسا في دولة واحدة، ومن هنا نبهنا إلى ضرورة إعادة ترتيب أولويات التنمية في مناطق الصعيد وهذه من الدراسات التي نجحنا فيها وأخذ بها صانع القرار. وبعدها بدأت الدولة تنزل بثقلها في الصعيد وطالب الرئيس مبارك الحكومة بتطوير الصعيد والإهتمام به، وقام عدد من رجال الأعمال بإقامة مشروعات إستثمارية في مناطق مختلفة من الصعيد.

إفتقار المنطقة العربية

**هل ما زالت المنطقة العربية على الصعيد الحكومي تفتقر إلى مثل هذه المراكز المتخصصة في الدراسات المستقبلية؟

- نعم للأسف تفتقر المنطقة العربية إلى هذه المراكز، حيث يوجد مركز في جامعة الكويت أنشئ قبل ثلاثة أعوام تقريبا. وفي المغرب هناك مفكر مرموق من أوائل المستقبليين العرب تخطى عمره الثمانين عاما اسمه المهدي المنجره، لكن لا توجد مراكز. وحاليا هناك تعاون بيننا وبين جامعة عبد الوهاب الدوكالي في المغرب لإنشاء مركز دراسات مستقبلية. وتعاوننا جزء من الشراكات لتوسيع ونشر الفكر المستقبلي بين الناس لأن الكثيرين مشدودون للوراء ولا يرون ماذا يحمل الغد؟ وهذا في منتهى الخطورة حيث يعيش الناس على تراث الماضي ويجترون التاريخ رغم أن الماضي لا يعود، وينسون أنهم قادرون على صناعة مستقبل أفضل وبإمكانهم أن ينجزوا الكثير، وهذه هي الفكرة الأساسية وهو كيف نفكر هذا التفكير ونعيد بناء الوعي بالمستقبل لدى الناشئة والأجيال الجديدة.

إذكاء الوعي بالمستقبل

** ما السبيل لنشر ثقافة المستقبليات بين الأجيال الجديدة؟

- من خلال عملنا في المركز على نشر الوعي بثقافة المستقبليات عبر الندوات والنشرات والكتابات المبسطة للشباب. وأعمل في هذا الصدد على خطين وهما الثقافة الجماهيرية عبر المؤتمرات والخط الأكاديمى عبر الدراسات والأبحاث المتخصصة وطرحها بصورة مبسطة لتكون بمتناول فهم الأجيال الجديدة. ونحن نعمل على أكثر من جبهة بهدف إذكاء الوعي بالمستقبل، وإدراك أهمية المستقبل في حياتنا، بدلا من الإعتماد على الماضي أو الحاضر وكل همنا هو كيف نطفئ الحرائق المشتعلة الآن، وهنا دورنا في كيفية إشعال الوعي بهذه الحقيقة.

تعاون وتنسيق

** يضم مجلس الوزراء مركز تكنولوجيا المعلومات ودعم إتخاذ القرار. فهل هناك تنسيق وتعاون بينه وبين مركز الدراسات المستقبلية؟

- من المؤكد أن هناك تعاونا وثيقا، حيث إن المركزين كيان واحد وهناك نوع من التبادل بين إدارتي المركزين، وإعتماد على ما تسجله الإدارتان من معلومات وعلى خبرات الباحثين وتجاربهم وعلى ما تقدمه الأقسام الأخرى من خدمات.

** تعتبر إدارة الأزمات ومواجهة الكوارث من الإدارات المستحدثة في مجلس الوزراء المصري هل هناك تعاون معها؟

- هناك تعاون وثيق جدا مع هذه الإدارة لأنه من مهام مراكز الدراسات المستقبلية أنها تنذر الجهات المختصة بمخاطر قادمة، وهو جزء من عمل إدارة الأزمات ومواجهة الكوارث، وبالتالي هناك قضايا مشتركة بيننا وبينهم من أبرزها وأهمها قضية التغييرات المناخية، ومنها موضوع أزمة مياه النيل وهي قضية خطرة ونحن نهتم بها، وقد تختلف طرق المعالجة لكن الخلفية واحدة .

الأجل الطويل

**طالب بعض الخبراء بإنشاء quot;هيئة للتنبؤات والتوقعات المستقبليةquot; لإجراء دراسات في المجالات كافة وخاصة السلع الغذائية لوضعها أمام صانع القرار لمواجهة ارتفاع أسعارها عالميا ووضع السيناريوهات المختلفة؟ فما تعليقكم؟

- يقوم مركز الدراسات المستقبلية بمثل هذا الدور تقريباً، لكننا نمد العنصر الزمني أكثر بعض الشيء، لأن التوقع بارتفاع الأسعار لعام قادم ليس هو المستقبل بل إننا ندرس فترة زمنية طويلة تمتد لعقد أو عقدين أو ثلاثة عقود، وهو ما نسميه quot;الأجل الطويلquot;.

دراسات مستقبلية مختلفة

** ما أبرز ما حققه مركز الدراسات المستقبلية حتى الآن؟

-نحن نعتز أننا أنجزنا لأول مرة رؤية مستقبلية حتى عام 2030. وقد أجرينا دراسات أيضا في ملف مستقبل الطاقة المتجددة، ومستقبل الطاقة النووية للإستخدامات السلمية، ومستقبل العلم والتكنولوجيا في مصر، ومستقبل التعليم، فضلا عن ملف تعظيم دور مصر الجغرافي لكونها تتمتع بموقع فريد ولم تستفد منه، كذلك مستقبل المدن المستدامة. كما عملنا في ملف الآثار المتوقعة للتغيرات المناخية، وأجرينا دراسة على مستقبل النظامين الإقليمي والعالمي في 2030، لأننا بحاجة إلى رؤية والتعرف إلى القوى الجديدة والتحالفات الإقليمية وهل سيخدم النظام العالمي الجديد رؤيتنا أم لا؟ وما هي القوى التي يشملها هذا النظام الجديد لنقوم منذ الآن بترتيب العلاقات معها؟ فمثلا نرى أن الصين قادمة بقوة وجزء كبير من التجارة العالمية بين يديها، وتأتي تجارتها من الشرق للغرب أي من خلال قناة السويس ويعنى ذلك أنها ستمر علينا.

تفاؤل شديد

**كيف تقرأون مستقبل مصر في المجالات المختلفة؟

- قراءتي منذ زمن متفائلة جداً ولا أنخدع في الصورة الراهنة التي قد تعكس بعض مظاهر عدم الرضا. ولكن هذه ظواهر موقتة، والصورة في النهاية وردية تدعو إلى تفاؤل شديد، وأمل مصر كبير في عام 2030 أن تكون دولة متقدمة قوية لها تأثير دولي وفيها مستوى معيشى جيد للمواطنين، وعدالة إجتماعية وديمقراطية وحريات أكثر، وهذا ما يجعلني متفائل في الحقيقة.

وزارات الطاقة والري والتعليم

**هل تستعين بكم الوزارات لإجراء دراسات مستقبلية خاصة بكل منها؟

- أحيانا يطلب منا إجراء مثل هذه الدراسات لبعض الوزارات، والأكثر من ذلك أن الدراسات التي تصدر عن المركز تتجه إلى الوزير المختص وهناك تعاون مع وزير الكهرباء والطاقة لدراسة مستقبل الطاقة، وأيضا وزارة الموارد المائية والري ووزارة التعليم. كما أجرينا لقاء مع وزير النقل والمواصلات لأنها جزء لوجستي مهم في رؤية مصر لعام 2030.

مصر وتركيا تكامل لا تنافس

**مصر دولة محورية ومتعددة الأدوار إقليميا ودوليا، ما هو منظوركم لمستقبل مصر إقليميا بعد بروز دور تركيا وإيران إقليميا؟

- المنطقة تسمح بأدوار عديدة وليس بالضرورة أن تكون هذه الأدوار متنافسة بل من الممكن أن تكون متكاملة، وأتصور أن الدورين التركي والمصرى ليس بينهما تنافس إطلاقا. وليس بالضرورة أن كل قوة تظهر تكون منافسة، بل يمكن النظر إليها من منظور أنها قوة مكملة. وفي منطقة الشرق الاوسط ظهرت أدوار تكمل الدور المصري وتدعمه، وهناك مجالات واسعة تجعل هذا التكامل لصالح مصر وتركيا ونستثمره، ولكن علينا أن ننأى بفكرنا عن أن صعود تركيا كقوة إقليمية يأتي على حساب الدور المصري بل بالعكس، هو يكمل الدور المصري ويدعمه ومن الممكن أن يساعد في الترتيبات الإقليمية المتعلقة بحل الصراع العربي ndash;الإسرائيلي ويكون وسيطاً عادلاً.

**هل أجريتم دراسة مستقبلية لمرحلة ما بعد إنفصال الجنوب السوداني؟ والآثار والنتائج المترتبة على الإنفصال وإنعكاساته على مصر سياسيا وإقتصاديا ومائياً؟ وماذا عن حل الكونفيدرالية الذي طرحته مصر على شمال وجنوب السودان؟

-حاليا نجري دراستنا حول هذا الملف، ومنذ فترة ونحن قلقون على الأوضاع في السودان، ونعلم أن هناك مشكلات كارثية ستحدث إثر الإنفصال، وأتوقع أن ينشب صراع في الجنوب بين القبائل، فهناك من يتربص في الجنوب السوداني للجنوب لا للشمال. وأتوقع حدوث تدخل عسكري أميركي فالمنطقة مفتوحة وكل شيء بات ممكناً، خصوصاً أن السودان على الأجندة الأميركية منذ عقود. وأميركا لها تصور لمستقبل السودان بتقسيمه وهم بدأوا أجندتهم بالجنوب ودارفور، وإثارة النعرات الإنفصالية داخل السودان لتفتيته، لأن أميركا لا ترغب في السودان ككيان كبير، ونأمل أن يخيب الله توقعاتنا وأن تتغير الأمور إلى الأحسن.

الجنوب يرفض الكونفدرالية

بالنسبة إلى حل الكونفيدرالية، فالجنوب يرفض المقترح المصري، وواضح أن العمل في الجنوب من أجل الإنفصال أكثر من العمل تجاه الوحدة، ووجود دولة في جنوب السودان لها أجندة مختلفة عن أجندة الشمال مسألة تعتبر بالنسبة إلى مصر صعبة، خاصة أننا سنتعامل مع نظام جديد ودولة محسوبة على الفضاء العربي والإسلامي، ورغم ذلك نجد سلفا كير رئيس حكومة الجنوب حالياً يصرح بأنه سيعترف بإسرائيل وسيقيم علاقة قوية معها، لأن مشكلتها مع الفلسطينيين وليست معه وظهرت النوايا مبكرا، وبالتالي مصر تسعى بكل جهدها حاليا في الجنوب إلى إنشاء فرع للجامعة العربية في جوبا وهناك رجال أعمال يستثمرون هناك، لكن هل هذا كاف ليصنع لنا صديقا في جنوب السودان أم لا؟

المدن المستدامة

** هناك تحذيرات من مغبة التكدس السكاني حتى عام 2025، فهل درستم هذا الأمر؟

- أجرينا دراسة في المركز عن إعادة هندسة جيوإقتصادية لمصر من الناحيتين الجغرافية والإقتصادية، لأنه لم يعد الوقت ملائماً أن نظل نعيش على نسبة 5% من مساحة مصر. وتعتمد الرؤية على ضرورة إنشاء مجتمعات أخرى في النطاق الأوسع في الصحراء، وعلينا التعامل معها، وبالتالي فكرنا في quot;المدن المستدامةquot;، وهناك طرق مقترحة داخل الصحراء مثل إحياء طريق درب الأربعين، ومنطقة الإستصلاح الزراعي في الساحل الشمالي في الصحراء الغربية بعد إزالة الألغام منها، وهناك إمكانية لإقامة مدن جديدة ومحطات طاقة شمسية بها، والصحراء زاخرة بالثروات .

كيان عربي واحد

**ما هي رؤيتكم المستقبلية للنظام الإقليمي العربي؟ وهل هناك إمكانية لتحويل الجامعة العربية إلى إتحاد عربي؟

-يجب أن تبقى الجامعة العربية لأنها رمز لكيان عربي واحد، ومشكلة جامعة الدول العربية أنها تعكس مشكلات الدول العربية بين بعضها البعض، لكن فكرة الإتحاد العربي إستراتيجية أمل للعرب. وجامعة الدول العربية قد تساعد في يوم من الأيام على إنشاء إتحاد عربي وتظل الوحدة أمل الناس والعالم العربي.

مشروع وطني للعراق

** ماذا عن مستقبل العراق؟ هل الوضع سيستمر على ما هو عليه؟

-مستقبل العراق مرهون بمشروع وطني واحد يستطيع أن يجمع كل الأطياف العراقية، هذا المشروع لا يمكن أن يتبناه الذين جاؤوا تحت الحراب الأميركية، وللأسف الموجودون الآن في الصورة على الساحة العراقية هم الذين دخلوا بغداد مع التدخل الأميركي، وبالتالي لن يكتب للعراق مستقبل ولن نصل الى عراق موحد إلا بمشروع وطني يتبنى ميثاقا وطنيا يجمع كل الأطياف السياسية غير الطائفية لأن المجموعة الحالية طائفية، والإنسحاب الأميركي شرط أساسي ليلتف الشعب العراقي بكافة ممثليه حول مشروعه الوطني، لكن بهذه الطريقة لا مستقبل للعراق حيث منذ شهر مارس الماضي لم يستطعوا تشكيل حكومة وطنية .

الإستيطان والعلاقات

** كيف ترون مستقبل العلاقات المصرية ndash;الإسرائيلية في ظل إصرار تل أبيب على سياسة الإستيطان وتجميد مفاوضات السلام التي إنطلقت مؤخرا في واشنطن؟

- مستقبل العلاقات المصرية - الإسرائيلية أو العربية - الإسرائيلية يتوقف على ضرورة الإعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته وعاصمتها القدس، وبغير ذلك لن تكون هناك علاقات مصرية ndash;إسرائيلية طبيعية، بل ستظل العلاقات على صفيح ساخن وغير مستقرة على المستويين الشعبي والرسمي لأن الحكومة المصرية لا تتهاون في حقوق الشعب الفلسطيني. وإستمرار إسرائيل في قيامها بأعمال الإستيطان والتشبث به ينعكس بالسلب على علاقتها بمصر، وبالتالي العلاقات العربية ndash;الإسرائيلية ستظل غير طبيعية في ظل سياسة الإستيطان.

عاصمة جديدة

**طرح البعض فكرة إنشاء عاصمة جديدة خارج القاهرة تضم الوزارات الخدمية جميعهاوكانت مدينة السادات مرشحة لذلك من قبل حيث أقيم فيها مجمع للوزارات لكن تعثر المشروع لرفض الموظفين لبعد المسافة. هل طرحت الفكرة مجددا لإقامة عاصمة جديدة ضمن رؤية 2030؟

- هناك بالفعل طرح جديد بنقل العاصمة السياسية إلى خارج القاهرة في منطقة القاهرة الجديدة، وهناك تصور آخر وهو أن العاصمة السياسية تنقل بعيدا عن القاهرة كلها في منطقة لا تقل عن ثلاثمئة كيلومتر على أن تبقى القاهرة عاصمة ثقافية سياحية. والتصور الأخير ليس له مؤيدون كثر، لذلك بدأت الإجراءات التنفيذية لتبني التصور الأول وقريبا سيتم إخلاء منطقة الوزارات الخدمية وغيرها من وسط القاهرة لنقلها إلى القاهرة الجديدة.