طغت ظاهرة quot;البلطجةquot; النسائيّة على المشهد الانتخابي في مصر، إذ يستغل بعض المرشحين العناصر النسائيّة لكبح جماح منافسيهم في الانتخابات، وذلك مقابل أجر مادي للظاهرة التي احترفتها ثُلة من النساء واعتبرنها وسيلة لكسب الرزق، ما حدا بدوائر متخصصة إلى إجراء دراسات حول تلك الظاهرة الاجتماعية للوقوف على أسبابها وتداعياتها.


US calls for free elections in Egypt

عرفت مصر ظاهرة البلطجة النسائية خلال انتخابات العام 2005، حيث لم تكن معروفة قبل هذا التاريخ، وسلط فيلم quot;خالتي فرنساquot; ـ بطولة الفنانتين عبلة كامل ومنى زكي ـ الأضواء عليها بطريقة جيدة، ورغم أن الفيلم تعرض للكثير من الإنتقادات حين عرض للمرة الأولى في دور العرض السينمائية، نظراً لتضمنه حزمة من الشتائم والسباب، الا ان ما جسده من مشاهد كان انعكاساً مباشراً لما يجري على ارض الواقع. ورغم محاولات الأجهزة الأمنية السيطرة على تلك الظاهرة، إلا أنها اضحت تمثل انتعاشا دائما، لاسيما في مواسم الإنتخابات، سواء المجالس النيابية او غيرها، وربما تطول في أحيان أخرى إنتخابات النوادي الرياضية والنقابات.

quot;بلطجةquot; نسائية

وفي محاولة من quot;ايلافquot; لرصد ظاهرة quot;البلطجةquot; النسائية في مصر، والوقوف على أسبابها، تم الوصول الى عدد ليس بالقليل من الحيثيات التي بموجبها اضطرت ثلة من النساء إلى احتراف الجريمة، وتحويلها الى مورد لكسب قوتهن اليومي. وتعتبر منطقة الجيزة القديمة، وتحديداً منطقة سوق الخضروات والفاكهة، واحدة من أشهر المناطق في هذا الشأن، وكان لابد من الإستعانة بquot;دليلquot;، أو مرافق للوصول إلى معاقلهن.

منتصف السوق أشار quot;الدليلquot; إلى إحدى السيدات، وكانت تجلس أمام quot;فرشةquot; أو كومة من الخضروات الورقية منها الخس والجرجير والفجل، وقال إنها واحدة منهن، وهي quot;نضورجيةquot; أي تراقب الطريق، وتستشعر الخطر.

كانت سيدة في العقد الخامس من عمرها، ولا تبدو عليها أية ملامح للعنف، وجسمها نحيف بشكل واضح. وبمجرد الإقتراب منها قالت بنبرة حادة quot;أي خدمة يا بيهquot;. فرد المرافق موضحاً أننا نريد الحديث إلى بعض من يعملن في quot;تنظيم الإنتخاباتquot;. لكنها رفضت وقالت quot;حد الله ما بينا وبين البلطجة يا باشاquot;.

ومع الإلحاح، ومنحها quot;المعلومquot; أي مبلغ من المال، وافقت، مدت يدها أسفل كومة الجرجير والخس، وسحبت سكيناً عبارة عن مطواة quot;قرن غزالquot;، وقالت بابتسامة خفيفة quot;لو مشيت من غيرها أشعر أني عريانةquot;. ثم إنطلقت وسط زحام البائعين والمشترين بخطوات سريعة، ودلفت إلى شوارع وحارات خلفية.

حتى وصلت إلى أحد المقاهي الصغيرة يقال عنها quot;غرزةquot;، وألقت التحية على سيدة تجلس أمام ذلك المقهى، وأخبرتها أننا نريد الحديث معها عن quot;أعمال الخير والجدعنةquot; التي يقمن بها، بعد أن أكدت لها أننا لسنا من quot;الحكومةquot;، وأنه من الممكن أن نكون سبباً في حصولها على quot;رزقquot; لو نال عملها اعجابنا. وقدمتها إلينا باسم quot;المعلمة سكسكةquot;.

وروت quot;سكسكةquot; وهي سيدة ممتلئة الجسد، تاريخ واحدة من أشهر البلطجيات، مؤكدة أنها بدأت مع quot;سكسة الكبيرةquot; التي توفيت منذ نحو 30 عاماً، و أضافت: quot;كانت ست مجدع، والناس كلها تعمل لها ألف حساب، وكان مفيش راجل يقدر يصدها، وورثت quot;سكسكة نمرة 2quot; الشغلانة عنها، وعندما ماتت مسكت أنا الشغل كله quot;.

وتتابع: quot;نحن نعمل لرفع الظلم عن كل من يلجأ إلينا، مثلاً لو هناك واحد مفترٍ ضرب رجلاً محترماً، وفرّج عليه الناس، وراح حرر ضده محضرا أكثر من مرة، ولم تستطع الحكومة أن تثأر له، نقوم نحن بهذه المهمة لوجه الله، ولو أن هناك زوجا مفتري تزوج بأخرى على زوجته أم أولاده أو خانها بعد العشرة الطويلة، وأرادت تأديبه، نقوم نحن بهذا الدور، حتى يعود لها مرة أخرى، زوجاً مطيعاً، ويحن عليها هي وأولادها، وكله ثواب عند ربنا. ولو أن هناك تاجرا له ديون لدى آخر، ويماطل في السداد، ولجأ إلينا، نحن نسترد له أمواله من زميله المفتري، ونحصل على نسبة تقدر ب15% من قيمة المبلغquot;.

ولكن ماذا عن الإنتخابات؟ سؤال منا، وجاءت الإجابة على لسانها، قائلة: quot;الإنتخابات موضوع كبير، ونحن لا نمارس البلطجة، بل نقوم بحماية المرشح الذي يلجأ إلينا وأنصاره أثناء الإدلاء بأصواتهم من بلطجية المرشحين المنافسين، و ننظم له المؤتمرات الجماهيرية، ونعلق له اللافتات الدعائية. ونخصص له quot;ست جدعةquot; من عندنا تحمي زوجته وبناته حتى إنتهاء الإنتخابات. وتحصل الواحدة منا على مبلغ يتراوح ما بين 200 و500 جنيه في اليوم. وإذا كان المرشح المنافس له، quot;شايف نفسهquot; ويحاول التعرض له، ويريد تأديبه هو وأنصاره وزوجته وأولاده، نحن نتولى هذه المهمة، وممكن نرمي عليه واحدة منا تقف في طريقه، وتضربه علقة ساخنة، أو تذهب إليه في مقر عمله، وترمي quot;بلاهاquot; عليه، وممكن تحرر ضده محضر تحرش أو تعرض لأنثى في الطريق العام، ويرتبك في التحقيقات بالنيابة، ولو خرج منها براءة نعمل له مشكلة مع أحد أشقائه أو المقربين له، وهذا العمل مكلف جداً، ويصل سعر إفتعال مشكلة كبيرة مع الخصم شخصياً بحيث تربكه تماما إلى خمسة آلاف جنيه، وتصل إلى 50 ألف جنيه في حال إذا كان صاحب نفوذ وقوي، ويريد المرشح الخاص بنا إسقاطه في الإنتخابات. وهذه المبالغ تذهب إلى كل العاملين معنا، ونحن نعيش عليها طوال العام.

امتصاص الضربات

Egyptian university students and members of anti-government ...

quot;حنان سفنجةquot; هو اسم سيدة أخرى، تقول: أطلقوا لقب quot;سفنجةquot; عليَ، لأني قادرة على إمتصاص أي ضربات من دون إصابات، وبدأت حكايتي مع العنف عندما تزوجت من رجل مفترٍ، ومدمن على المخدرات، وكنت أعمل خادمة في البيوت من أجل توفير لقمة العيش، بينما يجلس هو في المنزل، لكنه في يوم ما طلب مني أن quot;أمشي المشي البطالquot; ـ أي تعمل في سوق الدعارة ـ وفجأة وجدت نفسي أنهال عليه بالضرب بقطعة خشب حتى فقد البصر، وأجبرته على تطليقي، وكان ذلك قبل تسع سنوات، ومنذ ذلك الحين وأنا أكره جنس الرجال، وقررت الانتقام منهم. ولذلك لا أعمل إلا مع النساء من أجل استرداد حقوقهن من أزواجهن الظالمين، وأساند المرشحات فقط، إنه مبدأ أعمل على أساسه. ولأني أعرف أن الستات مهما علا شأنهن quot;منكسرات الجناحquot;، قررت الوقوف إلى جوار مرشحات كوتة المرأة، وأعمل مع إحداهن quot;بودي جارد حريميquot; لحمايتها هي وأبنائها من أية محاولة عنف قد يتعرضون لها.

وتدخلت سيدة شابة في الأربعينات من عمرها في الحديث، وقالت: quot;وأنا دعوة الأم التي لم يستجب لها اللهquot;. وأوضحت قائلة: عادة ما تدعو أي أم لإبنها قبل الخروج من المنزل صباحا quot;ربنا يكفيك شر طريقكquot;، وأنا عندما أدخل في أي معركة، أضرب بقوة وأقول للخصم: أنا شر طريق الذي دعت لك أمك ربنا يكفيك إياه، ولكنه لم يستجب لها. إنها quot;شيرين شر الطريقquot;، إمرأة لديها مسحة من الجمال، لكن عينيها يبدو فيهما الشر لامعاً. وعندما لمحتنا ونحن نخرج الكاميرا الفوتوغرافية من الحقيبة، نظرت إليها وقالت بلهجة: ما هذه؟ كاميرا. يبدو أنك ناوٍ على نهايتنا ونهايتك أنت أيضاً. وهنا إضطررنا إلى إعادتها للحقيبة مرة أخرى، ولم نستطع إلتقاط صور لهن.

تتشابه حكايات كل من البلطجيات ـ أو quot;فاعلات الخيرquot; كما يفضلن أن يطلقن على أنفسهن ـ في غالبية المناطق التي تشتهر بأنها مأوى لهن، مثل الجيارة في مصر القديمة، الدويقة، منشية ناصر، البساتين.

ومنهن quot;سماح مشاكلquot;، التي حصلت على هذا اللقب منذ أن كانت طفلة، حيث كانت غاوية مشاكل، وكانت تضرب زملاءها وجيرانها باستمرار، وquot;نادرة سهوكةquot;، التي تحاول حل المشاكل بالود، و لا تفضل البدء بالعنف، ولكنها في النهاية تضطر إلى استخدامه، وquot;رجاء أم قلب حنينquot;، وهو لقب يحمل الضد، حيث إنها مشهورة بقسوة القلب والشدة، لدرجة أنها لا ترحم الأطفال أو العجائز، وquot;مني الموسquot; وهي فتاة شابة كانت تدرس في المدرسة الثانوية الفنية، وتعرضت للتحرش من قبل بعض الشباب، وكادت تتعرض للإغتصاب، لولا أنها أخرجت من جيبها quot;موسquot; أو شفرة حلاقة كانت تستخدمها في quot;تشذيب القلم الرصاصquot;، وضربت به أحدهم في وجهه، وأصيب بجرح غائر، واستطاعت إنقاذ نفسها، وكان ذلك منذ 11 عاماً، ولذلك لا يفرقها quot;الموسquot; أينما توجهت، حيث تضعه أسفل لسانها، ولا تخرجه من فمها إلا عند تناول الطعام.

قائمة الاسعار

في هذا الاطار، قدم اللواء السابق في وزارة الداخلية رفعت عبد الحميد دراسة حديثة تقدم قائمة يقول إنها أسعار عمليات البلطجة الحريمي في إنتخابات مجلس الشعب المقبلة، الأمر الذي يعد إعترافا شبه رسمي بانتشار هذا النوع من العنف في مصر. ووفقاً للدراسة فإن هناك 25 نوعاً من العنف تقدمه البلطجيات للمرشحين، وهي كالتالي: quot;ردح سادة 800 جنيه. ردح و قلة أدب 1600 جنيه. فضيحة بجلاجل داخل نطاق عمل الخصم 3 آلاف جنيه. فضيحة من دون جلاجل 250 جنيهاً. هتك عرض 5 آلاف جنيه. ضرب بالروسية 400 جنيه. شنكل حرامية 200 جنيه. ضرب يفضي إلى موت 15 ألف جنيه. ضرب بدون عاهة 500 جنيه. تحرش جنسي 700 جنيه. ضرب بعاهة 6500 جنيه. استعمال آلة حادة 4 آلاف جنيه. تشويه بمواد كيماوية quot;مياه النارquot; 12ألف جنيه. مهاجمة مجموعات من أنصار الخصم 25 ألف جنيه. مهاجمة بلطجيات المرشح المنافس 25 ألف جنيه. مقاومة السلطات 6 آلاف جنيه. الترويع والتخويف من خلال اتصال تليفوني ورسائل تهديد ألف جنيه. إسقاط مرشح منافس 47 ألف جنيه. تخويف أنصار مرشح منافس، حتى ينفضوا من حوله 3 آلاف جنيه. هتيفة وتصفيق وكومبارس 50 جنيهاً للفرد. تقطيع لافتات الخصم 30 جنيهاً لكل حالة. منع مؤتمر الخصم 10 آلاف جنيه. إهانة الخصم بالطبل البلدي مع أغنية quot;بودعك آخر وداعquot; 500 جنيه في الساعة. توفير بودي غاردات لزوم الوجاهة 270 جنيهاً للفرد. تنظيم زفة الفوز للمرشح 4 ألاف جنيه.

بدوره يقول المعارض البارز الدكتور أيمن نور وهو واحد ممن عانوا من البلطجة: إن البلطجة سلوك عنيف يرفضه المجتمع ككل، ونشأ في ظل إحتكار الحزب الوطني للسلطة، الذي تعود إستخدام المسجلين خطرا والخارجين عن القانون، لإرهاب المعارضين السياسيين، من دون أن تكون له مسؤولية ظاهرية عما يرتكب في حقهم من أفعال إجرامية. مشيراً إلى أنه تعرض للبلطجة بكافة أنواعها كما تعرضت السيدة جميلة إسماعيل لما يعرف بالبلطجة النسائية. مشدداً على ضرورة أن تفضح منظمات المجتمع المدني تلك الظاهرة الخطرة التي ترتبط بالإنتخابات، حتى يتم إجبار السلطات المصرية على تحجيمها والقضاء عليها تماماً.

quot;البلطجة صناعة المرشحينquot;، إنه رأي الدكتور محمد شريف أستاذ علم النفس الجنائي، الذي يضيف أن البلطجة سواء حريمي أو رجالي هي صناعة المرشحين، الذين ليست لهم أرضية حقيقية في دوائرهم، ويحاولون فرض سطوتهم على المنافسين، وإرهاب المواطنين، و إجبارهم على عدم التوجه لصناديق الإقتراع، مشيراً إلى أن ظاهرة البلطجة النسائية إزدهرت نتيجة لإنتشار الفقر وزيادة عدد المناطق العشوائية التي تضم ما يزيد على 12 مليون مواطن، وتتوافر فيها مآوٍ للخارجين عن القانون، ومحترفي الجريمة. ويحذر أن تلك الظاهرة سوف تستفحل أكثر، ما لم يشعر المواطن بوجود اهتمام حقيقي به، وأن يتم القضاء على البطالة، وتوفير حياة كريمة له.