نصر الله يردّ غدًا على مهاجمي سلاح المقاومة في ساحة الشهداء
مهرجان الوفاء للحريري يدخل quot;نافذةquot; المصالحة مع سوريا

بيروت: لم تكن الغاية من المهرجان الجماهيري الذي أقيم في الذكرى الخامسة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري في ساحة الشهداء وسط بيروت تتجاوز إعلان قوى 14 آذار/ مارس أنها لا تزال حية تتنفس، وأن لا صحة تالياً لسيل الشائعات عن انهيارها وخروجها كعامل مؤثر وإن لم يكن حاسماً في مسار الأحداث اللبنانية بفعل موازين القوى الداخلية والخارجية.

من هذه الزاوية يقول أحد الذين وقفوا منذ البدء وراء فكرة المهرجان وتنظيمه في الشكل الذي حصل فيه إن إحياء الذكرى أدى الغاية المطلوبة منه تماماً، ولم تكن ثمة في الأساس أوهام حول ما هو أبعد، نظراً إلى أن الناس لا تستثار للمشاركة في مناسبات ذات طابع سياسي ينحو إلى التهدئة والدعوة إلى الحوار حول المواضيع المختلف عليها ويبتعد عن أسلوب التحريض والإتهامات.


ساحة الشهداء أمس

ويكشف المصدر لـ quot;إيلافquot; أن رئيس الحكومة سعد الحريري لم يكن متحمساً، وبالأحرى كان متردداً عندما طرح موضوع إحياء ذكرى اغتيال والده للنقاش قبيل انتهاء السنة الماضية بإقامة مهرجان شعبي على غرار السنوات الأربع السابقة، وذلك حرصاً على أجواء التهدئة التي رسخها في البلاد من خلال زيارته لدمشق بناء على مبادرة سعودية تولاها الملك عبد الله بن عبد العزيز ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد، فضلاً عن العلاقات التي نسجها مع قيادة quot;حزب اللهquot; وحلفاء لهذا الحزب أبرزهم رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وكان بين مجموعة مستشاري الحريري والقريبين من نصح له بأن الأفضل اقتصار المناسبة على احتفال خطابي في مكان مقفل تشارك فيه نخبة من المجتمع السياسي اللبناني. وفي ذلك الجو العابق بما يشبه الخيبة والإنكسار والبلبلة، لا سيما بعد بث صور العناق في العاصمة السورية بين الحريري والرئيس السوري بشار الأسد إثر سنوات من العداء والجفاء، كان لموقف الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة تأثيره الوازن في اتخاذ الحريري قرارا ما لبث أن أعلنه في اجتماع لنحو 400 من كوادر quot;تيار المستقبلquot; في قريطم فحواه أن ذكرى الحريري أكبر من إحيائها في قاعة مقفلة، quot;البيالquot; أو غيرها.

وكان بيان أسبوعي للأمانة العامة لقوى 14 آذار صدر بعد غياب لاسبوعين واختتم بعبارة أن إحياء ذكرى الحريري مسألة أدبية أخلاقية تتجاوز المسائل السياسية. وبعد حسم الحريري قراره انعقد مؤتمر البريستول الذي جمع كل قادة حركة 14 آذار وشخصياتها، وناهز عددهم الـ 130، وصدر على أثره بيان خضع لتعديلات وأضيفت إلى ختامه عبارة أن النزول إلى ساحة الشهداء هو لدعم رئيس الحكومة رفيق الحريري.

وكان مهماً في رأي الدافعين إلى إقامة المهرجان التذكير من خلال الحشد الشعبي فيه بأن المعادلة الداخلية الناتجة من الإنتخابات النيابية التي جرت في 8 حزيران / يونيو الماضي، والتي أبقت الأكثرية لقوى الأكثرية هي التي أتت بسعد الحريري رئيسا للحكومة، إلى جانب عوامل التوافق العربي، لا سيما السعودي- السوري، فضلا عن مقاربة الدول الغربية ولا سيما فرنسا وأميركا للتعامل مع القيادة السورية في شكل مختلف عن السابق نظرا إلى سعي دمشق للإلتحاق بركب السياسة الغربية في المنطقة، والنأي بنفسها تالياً عن تداعيات أي مواجهة مع إيران بسبب ملفها النووي وسياساتها في دول الشرق الأوسط.

وقد لوحظ في المهرجان تأكيد الرئيس الحريري على أن زيارته لدمشق ما كانت ستحصل لولا مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز الذي رفعت له صور في المهرجان في رسالة فحواها أن المهرجان ليس خروجا على موجبات التنسيق والتلاؤم مع التوجهات العربية العامة.

وكان الرئيس السابق للحكومة السنيورة تمكن من خلال الدور المحوري الذي أداه في اتصالات خلف الكواليس من سحب وثيقة كان مقررا أن تبصر النور حوالى رأس السنة عن القوى والأحزاب والشخصيات المشاركة في قوى 14 آذار، والقريبة منها وإن لم تكن مشاركة فيها تنظيميا، وتشدد الوثيقة على المبادئ التي قامت عليها الحركة، من حرية وسيادة واستقلال للبنان وقيام مشروع الدولة على قاعدة حصر السلاح في يد الجيش والأجهزة الرسمية واحترام القرارات الدولية. أقنع السنيورة بسهولة موقعي تلك الوثيقة على طيها لأنها ستفسر على أنها quot;فرط quot; للتحالف المسيحي ndash; الإسلامي الذي قامت عليه الحركة المشتركة، حتى لو ركزت الوثيقة على تمسكهم بـ 14 آذار.

وأقنع السنيورة الحريري بأن تخليه عن حلفائه يجعله زعيماً للطائفة السنية فحسب من غير امتداد وطني عابر للطوائف يحميه، ما يجعله عرضة لاستفراده وتحجيمه وإنهاكه حتى في داخل طائفته.

وفي المقابل انطلقت ورشة متلاحقة لترميم ما أصاب قوى الغالبية من ترهل وانكماش وتضعضع بعد انسحاب رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط منها وإعلان حزب الكتائب تحفظات عنها في أكثر من مناسبة وخروج مجموعات سياسية أقل أهمية منها في ظل هجمة إعلامية- سياسية قوية ركزت على أن quot;14 آذارquot; لم تعد موجودة، وأن هناك واقعا جديدا فرض نفسه في البلاد ولم يعد هناك أي مكان لجدل أو نقاش.

ويتحدث منظّرو 14 آذار ومنظموها من خلال quot;إيلافquot; في مجال تقويم ما جرى من خطوات حتى اليوم عن حملة مركزة ومدروسة بعد المهرجان من أجل إنشاء جسم سياسي موحِّد لأنصار قوى 14 آذار في كل مدينة وقضاء ومنطقة وبلدة وقرية ودسكرة، لتكون هيئات قيادة فرعية أو مجلس أو منسقيات لامركزية على مستوى لبنان، على أن تشارك فيها كل مكونات الأنصار والمؤيدين ويفسح فيها المجال واسعاً للمستقلين غير المنتمين إلى حزب أو تيار معين، أي الناس العاديين الذين صنعوا quot;ثورة الأرزquot; ثم انقطعت خطوط التواصل والإتصال مع القيادة.

ويؤكد هؤلاء التنظيميون أن قوى 14 آذار ذاهبة إلى لملمة صفوفها، وستحاول عدم التوقف عند أمور بسيطة كانت تعرقل تفعيلها على المستوى الشعبي وتعطل تأثير ناسها في الحركة السياسية. والمناقشات انطلقت جدياً في سبل تكوين مجالسها أو هيئاتها الفرعية وإدارة أمورها وتنظيمها. والفكرة الأقرب إلى التطبيق أن تتولى الإدارة في كل منطقة القوى الأكثر حضوراً فيها. فلا يتصدى فريق لاستحقاق ما، بلدي أو سياسي محلي، يطرأ من زاوية تختلف كليا أو تتعارض مع وجهة نظر بقية الحلفاء، ولا يُستفرد فريق فيضعف الفريق الأكبر كله.

وفي الخلاصة لما تحقق حتى اليوم في رأي المنظرين والمنظمين إن قوى 14 آذار أثبتت أنها لا تزال قائمة وفاعلة وإن خرج منها جنبلاط وباتت قائمة على ثنائية سنية ndash; مارونية، وإن الرئيس سعد الحريري أثبت زعامته مجددا ولم تهتز بعد زيارته لدمشق، وأن التنسيق الواضح الذي بدا في المواقف والخطب الأربع يظهر أن الخريطة السياسية لم تتغير في لبنان على رغم كل ما كان يوحي العكس.