إحدى الصور لمفاعل نوويسوري - رويترز

مع التغير الذي طرأ على قيادة الوكالة الدولية للطاقة الذرية مع انتهاء مدة ولاية محمد البرادعي، وتولي السفير يوكيا أمانو مهام قيادة الوكالة، انشغل كثير من الباحثين والمعنيين بالشأن العالمي بالبحث في القضايا التي تكتسب أهمية خاصة على أجندة الوكالة. وفي هذا السياق يرى البعض أنه لابد من إيلاء اهتمام خاص بسوريا، لاسيما وأن ملفها النووي يعني كثيرًا بالنسبة لمستقبل الوكالة.

واشنطن: تأتي مقالة غريغوري شولت الباحث في مركز دراسة أسلحة الدمار الشامل، التابع لجامعة الدفاع الوطني في عدد كانون الثاني/يناير 2010 من سلسلة policy outlook الصادرة عن مؤسسة كارنيجي للسلام العالمي.

تدور هذه المقالة حول الموقف الحالي للتحقيق الذي تجريه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن سوريا، موضحًا أسباب ضرورة استكمال هذا التحقيق. وتتجاوز أهمية هذا التحقيق مجرد مفاعل محطم في صحراء سوريا الشرقية؛ إذ إن نتيجته ستحدد ما إذا كان المجتمع الدولي سيواصل أم سيوقف جهوده لعرقلة الصادرات النووية لكوريا الشمالية، لتقوية منظومة عدم انتشار الأسلحة النووية التي قوضتها مساعي إيران النووية.

أطلقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحقيقها بَعْدما أطلعتها الحكومة الأمريكية في نيسان/إبريل 2008 بأن سوريا تَبْني مفاعلًا نوويًّا سريًّا، وأن هذا المفاعل الذي لا تعرف له أغراض مدنية واضحة قد بني في الصحراء البعيدة بمساعدةِ كوريا الشمالية، كما أنه يتشابه إلى حد كبير مع مفاعل يونجبيون، الذي تستخدمه كوريا الشمالية لإنتاج البلوتونيوم اللازم لأسلحتها النوويةِ.

ويعد عدم قيام سوريا بإبلاغ الوكالة الدولية قبل بناءِ المفاعل، انتهاكًا من قبل دمشق لالتزاماتها الدولية. ويمكن أن يساعد اكتشاف المفاعل في توضيح لماذا رفضت سوريا تبني البروتوكول الإضافي للوكالة الدولية، والذي وقع مِن قبل 130 دولة، والذي كان سيمنح مفتشي الوكالة بالوصول للمعلومات المتعلقة بنشاطات سوريا النووية.

قوبل تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعراقيل عدة من قبل سوريا، التي أنكرت وجود المفاعل وأزالت ما تبقى من آثاره. وحينما وصل مفتشو الوكالة في حزيران/يونيو 2008، كان قد هدم المفاعل وإقامة بناية جديدة؛ إذ ظنت السلطات السورية أن جهودها الاستثنائية في الإخفاء قد تنجح في خداع مفتشي الوكالة.

إلا أن المفتشين كانوا قد قاموا بجهود عديدة قبيل زيارتهم لسوريا عبر جمع وتقييم المعلومات من مصادر متنوعة. ولدى وصولهم إلى سوريا، أثار المفتشون عددًا من الأسئلة الصعبةَ حول المنشأة المهدمة، فضلاً عن بعض الصفقات المريبة، وقد رفضت السلطات السورية الإجابة على تلك الأسئلة. كما طلب المفتشون زيارة ثلاثة مواقع أخرى مشتبه فيها وهو ما رفضته أيضًا السلطات السورية، وقد حصلت الوكالة في وقت لاحق على صور بالقمر الصناعي توضح إجراء أعمال تنظيف ظاهرة في تلك المواقع.

أخذ المفتشون عينات بيئية أيضًا من موقع المفاعل، وقد كشف تحليلها عن وجود جزيئات من اليورانيوم الصناعي من نوع لم تعلنه سوريا للوكالة الدولية، ورغم أن السلطات السورية ادعت أن هذه الجزيئات جاءت من الضربة الجويِة الإسرائيلية، إلا أن التقارير أثبتت أن هذه الجزيئات لم تكن من اليورانيوم المنضب الذي يستعمل أحيانًا في الذخيرة التقليدية، ومن ثم فمصدره ليس الغارة الإسرائيلية. وفي آب/أغسطس 2008 اكتشف مفتشو الوكالة الدولية المزيد من جزيئات اليورانيوم في أحد المفاعلات البحثية المعروفة في دمشق.

إن وجود مواد غير مصرح بها في موقعين في سوريا يعطي مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية أساسا قويًّا لإجراء التحقيق، كما أن المعلومات التي وفرتها الدول الأعضاء يجعل الوكالة ملزمة بإجراء هذا التحقيق.

This undated image released during a briefing by senior US officials ...

وقد غيرت دمشق من استراتيجياتها بإدعاء أن موقع المفاعل والمواقع الأخرى الثلاثة هي quot;مواقع عسكريةquot; ومن ثم رفضت توفير أية معلومات بشأنها أو بشأن أنشطتها. وقد توقف التعاون السوري تمامًا، خصوصًا بعد التقارير التي أشارت إلي قيام قناص ما بقتل الجنرال السوري المرافق لمفتشي الوكالة خلال زيارتِهم الوحيدة، إذ يبدو أن أحد الأشخاص في دمشق أَو في مكان آخر لم يرد الكشف عن نشاطات سوريا السرية.

في حزيران/يونيو 2009، قدم المدير العام للوكالة تقريرًا لمجلس محافظي الوكالة مفاده أن المعلومات التي قدمتها سوريا لا تدعم مزاعمها حول طبيعة الموقع، وأنه على سوريا أن تبدي قدرا أكبر من التعاون والشفافية. وفي أغسطس من العام ذاته أكدت الوكالة عدم قدرتها على البت في تفسيرِات سوريا بخصوص طبيعة البناية المتهدمة بسبب قيام سوريا بعرقلة الحصول على معلومات والوصول إلى المواقع أو الأجهزة أو المواد اللازمة.

أهمية المفاعل بالنسبة للغرب..

لقد أضحى المفاعل السوري السري في عداد التاريخ بعدما تم قصفه ودفنه ولا يمكن إعادة إحيائه سواء لأغراض سلمية أَو عسكرية، ورغم ذلك فلا يزال الأمر مهما، إذ يجب أن تتحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن سوريا لا تخفي عنها المزيد من النشاطات المحظورة. لاسيما مع وجود شكوك حول التماثل بين المفاعل السوري والمفاعل الكوري الشمالي. وعلى مفتشي الوكالة التثبت من أن سوريا لا تخفي أية نشاطات نووية أخرى، وفي حال تمكنهم من العثور على منشآت نووية أخرى لا بد من وضع أنشطتها تحت الرقابة بل من الأحسن التأكد من تدميرها.

تُثار في السياق ذاته مسألة الملف النووي لكوريا الشمالية التي لها تاريخ طويل في التعاون العسكري مع سوريا وبلدان أخرى أهمها إيران. وتُعد المساعدات التي قدمتها كوريا الشمالية لبناء المفاعل السري السوري دليلا على أن كوريا الشمالية أصبحت أيضًا مصدرة للموارد النووية. ومن ثم فلابد من كشف أبعاد التعاون بين كوريا الشمالية و سوريا في هذا الإطار على نحو يسمح بكشف وعرقلة شبكة علاقات كوريا الشمالية العالمية.

إلا إن منظومة الحد من انتشار الأسلحة النووية معرضة للخطر، ولابد أن تدرك دولا مثل سوريا وكوريا الشمالية وغيرهما أن رفض التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يعني بالضرورة التعرض للعقوبات والمقاطعة الدولية. لا تزال الدعوة إلى عالم خال من الأسلحة النووية غير قابلة للتحقيق ما لم تكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية قادرة على تحري، وكشف، وردع النشاطات السرية التي تجريها دولا مثل سوريا وكوريا الشمالية.

الحاجة إلى تفعيل الرقابة الدولية

يريد الرئيس الأسد دفن تحقيق الوكالة الدولية مثلما قام بدفن بقايا المفاعل، وهو يتمنى بلا شك أن يؤدي تركيز المجتمع الدولي على إيران إلى نجاح مسعاه. ومع اقتراب إيران من النجاح في امتلاك الأسلحة النووية فهناك دولٌ أخرى في الشرق الأوسط تحاول اتباع النهج ذاته، لاسيما مع وجود كوريا الشمالية التي تبدو جاهزة ومتلهفة لتقديم المساعدة في هذا الإطار. ولابد من منع هذه البلدان من الانضمام إلى سباق تسلح جديد. وهذا يعني أن المجتمع الدولي لابد أن يكون قادرًا على اكتشاف وعرقلة، بل والعقاب على أي جهود في هذا السياق. وهو ما يتطلب دعم تحقيق الوكالة الدولية مع سوريا.

يواجه أمانو المدير العام الجديد للوكالة الدولية، تحديات عدة أهمها استعادة فعالية ومصداقية الوكالة بعدما تعثرت تحقيقاتها مع إيران وسوريا بسبب العوامل السياسية والطموح الشخصي للبعض.