لم تفرض القوات العراقية الأمن في المدن التي انسحبت منها القوات الأميركية في مثل هذا اليوم من العام الماضي، وعادت قوات الولايات المتحدة أكثر من مرة إلى المدن التي انسحبت منها لمساندة القوات العراقية في مهماتها.
يحتفل العراق اليوم الاربعاء بما اطلق عليه رسميًا بيوم السيادة وهو ذكرى انسحاب القواتالأميركية من المدن العراقية في مثل هذا اليوم من العام الماضي 2009 لكن هذه القوات عادت الى هذه المدن مرات متعدّدة خلال الاشهر الاثني عشر الماضية، لنجدة القوات العراقية ومساعدتها في مواجهة مسلحين متمرسين تمكّنوا من تنفيذ اختراقات امنية خطرة أدّت الى مصرع اكثر من ثلاثة الاف عراقي خصوصًا في العاصمة بغداد .
وجاء انسحاب القوات الاميركية من المدن العراقية الى قواعدها العسكرية حول هذه المدن بعد ستة اشهر من بدء تنفيذ الاتفاقية الامنية الاستراتيجية الموقعة بين العراق والولايات المتحدة التي نصت على انسحاب القوات الاميركية من المدن العراقية في 30 حزيران (يونيو) العام 2009 واجراء تخفيض تدريجي في هذه القوات خلال العام الحالي وصولاً إلى انسحاب كامل نهاية العام 2011 .
فقد بدأ تنفيذ هذه الاتفاقية في الاول من العام 2009 بتسلم العراقيين من الاميركيين القصر الجمهوري والمنطقة الخضراء والاجواء ومطار البصرة ومعسكر أشرف لمنظمة مجاهدي خلق الايرانية المعارضة شمال بغداد امام اختبار حقيقي في القدرة على تحمل تبعات الاستمرار في عمليات استكمال متطلبات تحقيق السيادة الوطنية ومواصلة المسيرة الى خاتمتها برحيل آخر جندي اميركي عن البلاد نهاية العام 2011 وليمسك العراقيون بزمام الامور في بلدهم أمنيًّا وسياسيًّا.
وقد مرت عملية المباشرة بنقل السيادة بمرحلة انتقالية لاثبات القدرة على مواصلة المسيرة وصولاً الى تنفيذ جميع الاستحقاقات المكلفة بها حتى نهاية 2011 حيث ظلت الدوريات العسكرية خلال الفترة بين بداية العام الماضي ومنتصفه مشتركة بين القوات العراقية والاميركية والقيادة في بعضها للعراقية وفي بعضها الاخر للاميركية حيث سيكون هناك قائد لواء عراقي وقائد أميركي يوفر له الاستشارة موقتًا . كما تم افتتاح العديد من المراكز الأمنية المشتركة بين القوات الاميركية والعراقية بهدف quot;تقديم المساعدة إلى قوات الأمن العراقية حتى تكون قادرة على تأدية مهامها بشكل صحيحquot; لكن معظم هذه المراكز قد سلمت الى العراقيين منذ ذلك الوقت.
ومن اجل تحقيق نجاح في تحمل المسؤولية فقد تم تشكيل لجنة عليا برئاسة القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء نوري المالكي ولجنتين فرعيتين تتوليان مسؤولية أمن المنطقة الخضراء الأولى برئاسة وزير الدفاع والثانية مشتركة برئاسة وزير الداخلية جواد البولاني . وتضم اللجنة الرئيسية وهي برئاسة المالكي وزارة الأمن الوطني وجهاز المخابرات ومجلس محافظة بغداد حيث ستتولى مهام توفير الأمن ومنظومة استخبارات وقوة لكشف المتفجرات وتنظيم الدخول للمنطقة والخروج منها .
ثم تولت السلطات العراقية السيطرة على المجال الجوي للبلاد ما فوق 24 الف قدم (اكثر من سبعة كلم) فيما واصلت القوات الاميركية السيطرة حتى ارتفاع 24 الف قدم حتى نهاية العام 2011 حين سيتولى العراق السيطرة بشكل تدريجي على المجال الجوي حتى الوصول الى ارتفاع صفر. وكان المجال الجوي العراقي يخضع لسيطرة مطلقة من قبل قوات التحالف بقيادة الاميركيين منذ اجتياح العراق في اذار (مارس) 2003.
وتنص المادة التاسعة من الاتفاقية الامنية العراقية الاميركية على ان quot;للحكومة العراقية أن تطلب من قوات الولايات المتحدة تقديم دعم موقت للسلطات العراقية في القيام بمهمة مراقبة المجال الجوي العراقي والسيطرة عليهquot;. وتشير الى انه quot;على قوات الولايات المتحدة دفع تكاليف أي خدمات تطلبها وتحصل عليهاquot;... كما تنصّ quot;على أن كلًّا من الطرفين تزويد الطرف الآخر بالخرائط وغير ذلك من المعلومات المتاحة عن مواقع حقول الألغام والمعوقات الأخرى التي يمكن أن تعرقل الحركة داخل أراضي ومياه العراق أو تعرضها للخطرquot;.
وعلى الرغم من أن المسؤولين العراقيين الرسميين والامنيين يعتبرون يوم السيادة واختفاء الجنود الاميركيين من المدن انجازًا كبيرًا، إلا أنّ ذلك لم يحقق امن شوارع هذه المدن التي شهدت اختراقات خطرة وعمليات مسلحة كبيرة ضربت بقوة واكدت ان القوات العراقية،على الرغم من كل امكاناتها البشرية والتسليحية لم تستطع اجهاض هذه الضربات او منع وقوعها .
وعلى امتداد العام الماضي شهدت القوات العراقية زيادة في عديدها وتشكيلاتها وتسليحها وامكاناتها الاستخبارية لكنها ظلت تواجه عدوًّا متمرِّسًا استطاع ان يخترق المنظومة الامنية العراقية ويضربها في عقر دارها حيث تعرضت العديد من الوزارات والادارات الحكومية الرسمية والعسكرية المهمة الى عمليات ارهابية لم تستثنَ منها السفارات الاجنبية في بغداد .
وعلى الرغم من تحقيق القوات الامنية العراقية انجازات على صعيد مواجهة اكبر الفصائل المسلحة وهو تنظيم القاعدة وتوجيه ضربات قاصمة له وقتل قيادييه واعتقال المئات من مسؤولي خلاياه إلا أن الوقت لم يحن بعد على ما يبدو للقضاء على هذا التنظبم بشكل كامل حيث انه ما زال قادرًا على التخطيط والتنفيذ لعمليات نوعية كبيرة مثل سيطرته لساعات متعددةأخيرًا على مبنى البنك المركزي العراقي في وسط بغداد، وهو أمر يؤكد حاجة القوات العراقية الى المزيد من الجهد والتدريب والتسليح والمعرفة بأساليب وخطط وتحركات الجماعات المسلحة وفي مقدمتها تنظيم دولة العراق الاسلامية المرتبط بالقاعدة...
وفي هذا الاطار فقد اعلن وزير الداخلية جواد البولاني ان القوات الامنية العراقية جاهزة لتسلم المهام بشكل كامل من نظيرتها الاميركية. وقال على هامش لقائه عددًا من قيادات وزارته امس في اطار اجتماع لمناقشة خطط استكمال الانسحاب ونقل المسؤوليات إن quot;الاجهزة الامنية قطعت شوطًا كبيرًا من الجاهزية وهي مستعدة لتسلم المهام الامنية في كل مناطق العراقquot;.
واضاف ان quot;قدرات وزارة الداخلية ازدادت في الاونة الاخيرة حيث كان فيها 76 دورية وكان نصف سياراتها غير جاهز والنصف الاخر كان يستخدم للخطف والسلب في مرحلة تعد من اصعب المراحل التي مرت بالعراقquot; . وقال quot;كان علينا في هذا الملف تنظيف وتطهير الاجهزة الامنية من العناصر السيئة واعطينا لهذا الملف الريادة وكان لرئيس الوزراء الدور في متابعتهquot;.
واوضح ان الوزارة اخذت على عاتقها حماية السفارات واصبحت واحدة من واجباتها الاساسية و كان لابد ان نرسل رسائل الى العالم بأن الحكومة مستعدة لاستقبال السفراء بهدف تعزيز وحدة التعاون مع المجتمع الدولي. ودعا الحكومة الى تقديم المزيد من الدعم للاجهزة الامنية بغية تطوير قدراتها كما طالب المواطنين بالتعاون مع هذه الاجهزة بشكل اوسع لايصال المعلومات الكفيلة برصد ومعرفة واحباط مخططات الجماعات المسلحة .
يذكر انه بدءا من اول عام 2009 فأن القوات الاميركية بدأت تعمل تحت سلطة الحكومة العراقية بموجب الاتفاقية الامنية التي حددت مهلة لهذه القوات مدتها ثلاث سنوات لتنسحب من العراق كما سحبت منها سلطة احتجازعراقيين دون صدور امر اعتقال من جانب السلطات العراقية او القيام بتنفيذ عمليات مسلحة من دون موافقة السلطات العراقية كما انها تخضع المتعاقدين وفي بعض الحالات القوات الاميركية للقانون العراقي. وتؤكد بنود الاتفاقية حول quot;الولاية القضائيةquot; ان quot;للعراق الحق الاولي لممارسة الولاية القضائية على المتعاقدين مع الولايات المتحدة وافراد العنصر المدني بشأن الجنايات الجسيمة المتعمدة وحين ترتكب تلك الجرائم خارج المنشآت والمساحات المتفق عليها وخارج حالة الواجبquot;.
وتنص الاتفاقية ايضًا على تنظيم وجود القوات الاميركية التي تتمركز في حوالى اربعمئة معسكر في العراق حيث ستكون ملزمة بالحصول على موافقة العراقيين لتنفيذ عمليات عسكرية ولن تستطيع اعتقال اي مشتبه به دون اذن من القضاء العراقي. كما سيكون للعراق الحق بمحاكمة الجنود الاميركيين الذين يرتكبون جرائم خارج معسكراتهم او في حال وقوع جنحة خارج مهامهم الامنية.
التعليقات