مفاعل نووي إيراني

في دراسة مطوّلة بعنوان quot;مولد قنبلة - تاريخ الطموحات الإيرانية النوويةquot;، تبحث مجلة quot;دير شبيغلquot; الألمانية في سائر العناصر المتصلة بهذا الموضوع. وتبدأ بما تسميه quot;اجتماع آخرquot; في وكالة الطاقة الذرية الدولية المكلفة من الأمم المتحدة منع وجود السلاح النووي في quot;الأيدي الخطأquot;. الاجتماع المشار اليه عقده دبلوماسيون من 35 دولة في مبنى الهيئة الدولية في فيينا في فبراير (شباط) 2008، وهذا ليس اجتماعا عاديا إذ يلتئم بعدما أثبتت تكنولوجيا التجسس الحديثة أن ايران quot;فقدت براءتهاquot; وهيأت اسرائيل مواطنيها لحرب جديدة محتملة.

البراءة المفقودة

اولي هاينونين، نائب المدير للوكالة ورئيس وحدة الاحتياط يحاضر المجتمعين مستندا الى زيارات عدة له لإصفهان ونتانز، على بعد 250 كيلومترا الى الغرب من طهران، والى تقارير المفتشين والأفلام التي صورت، علنا وسرا، في المنشآت الإيرانية. وهو يعلم ان ثمة اشياء كثيرة تدور في تلك البلاد ولا يعرفها. لكنه تلقى معلومات بالغة الأهمية من مصادر غير مباشرة ومن ضمنها تسجيلات لعالم نووي ايراني رفيع المستوى.

وعلى مدى ساعتين، يعرض هاينونين فيلما وثائقيا يتعارض تماما مع ما تذهب اليه طهران من انها تسعى إلى الطاقة النويية من دون توجه لاستخدامات عسكرية لها. وفي ما اطلق عليه اسم quot;المشروع 5quot; يرد وصف للبرنامج الإيراني للتنقيب عن اليورانيوم. ويقدم quot;المشروع 110quot; وصفا لاختبار المواد النووية شديدة الانفجار. ويتحدث quot;المشروع 111quot; عن محاولات تصنيع رأس حربية للصاروخ quot;شهاب 3quot;.

ويقول هاينونين إن كل تلك المعلومات تثير أسئلة ملحّة، خصوصا حول شخص يدعى محسن فخري زاده إذ يرد اسمه بكثرة في مختلف الوثائق. ورغم ان زاده لا يقول صراحة إن شهاداته لا تشكل الدليل على أن لإيران برنامجا عسكريا نوويا، فإن تلك الشهادات هي أقرب شيء الى ذلك الدليل نفسه. وإثر هذا يهتاج السفير الإيراني، علي أصغر سلطانية، قائلا إن تلك الشهادات quot;مزوّرةquot;.

لكن هاينونين يعرض فيلما من ثلاث دقائق فقط صُوّر على الأرجح لعناية كبار القادة السياسيين الإيرانيين. ويظهر الفيلم محاكاة بالكمبيوتر لانفجار رأس حربية. ويشير هذا الخبير الى أن الانفجار المحاكى يتم على ارتفاع 600 متر فوق البحر، قائلا إن هذا الارتفاع ليس ضروريا لاستخدام سلاح تقليدي أو كيماوي او بيولوجي.

كارثة المخابرات الغربية

لم يشهد العام الحالي موضوعا شغل الدبلوماسيين أكثر من المخاوف إزاء برنامج ايران النووي السري وربما القدرة على ضرب عدوها اللدود إسرائيل والقوات الأميركية حول الخليج. وقد حدا رفض طهران التخلي عن تخصيب اليورانيوم أو تعليقه على الأقل بمجلس الأمن إلى تشديد العقوبات عليها في التاسع من يونيو (حزيران) 2010. وتهدف هذه العقوبات إلى مزيد من عزلة الشركات الإيرانية، والحد من قدرة ايران على استيراد السلاح، وبالتالي حرمان الحرس الثوري من أهم موارده، والسعي إلى تسهيل تفتيش السفن الإيرانية.

ومن جهته وصف الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد العقوبات بأنها quot;لا تساوي الورق الذي كتبت عليهquot;. وقد يكون محقا في هذا وألا تتعدى تلك العقوبات مجرد وخز بالدبوس لأن روسيا، والأهم، الصين عارضت أن تشمل تجارة النفط. وقد صوتت تركيا والبرازيل، على سبيل المثال، ضد مسودة قرار الأمم المتحدة رغم تخفيف لهجتها.
ولا جدال في أن لا أحد يريد قنبلة نووية ايرانية. لكن الخطأ الفادح الذي ارتكبته المخابرات الغربية، ممثلة في quot;سي آي ايهquot; الأميركية وquot;إم آي 6quot; البريطانية وquot;بي إن ديquot; الألمانية، بشأن وجود أسلحة الدمار في عراق صدام حسين يرقى الى مقام الكارثة. فقد محا صدقية هذه الأجهزة وصار حديثها عن قنبلة نووية إيرانية مشكوك فيه... الا لدى اسرائيل التي هدد ساستها بضربة تضع حدا لطموحات طهران في ذلك الاتجاه مرة والى الأبد.

على خشبة المسرح

quot;إيران والقنبلةquot;... دراما على خشبة مسرح تمتد الى مختلف رقاع الكرة الأرضية، من طهران الى واشنطن وفيينا وبرلين وإسلام أباد وتل أبيب وبيونغ يانغ وغيرها.. وأبطالها هم المحاربون الدينيون وأشباه الديمقراطيين والساسة الملكيون والجنرالات المتآمرون والفاسدون من العلماء الروس وأيضا رجال أعمال سويسريون quot;نظيفونquot; في الظاهر.

الفصل الأول

شاه إيران

يفخر الإيرانيون بتاريخهم الطويل الحافل بالانجازات الحضارية الباهرة منذ ايام الملك داريوس الكبير في القرن السادس قبل الميلاد، واحتفاظهم بهويتهم رغم غزو المقدونيين والعرب والمغول وشركات النفط البريطانية والجنرالات الأميركيين. ولهذا فهم يشعرون باعتزاز وطني يكاد يتجاوز عتبة الغرور، دفعهم لأن تكون لديهم قناعة راسخة بأن ثقافتهم quot;متفوقةquot; وأنهم بالتالي القوة العظمى بلا منازع في منطقة يسود فيها quot;التخلف العربيquot;.

في العام 1941 يأتي الشاه محمولا على ظهر quot;سي آي ايهquot;، ويعلن quot;الثورة البيضاءquot; التي يسعى بها إلى تحديث البلاد بالقوة، ويشتري أغلى السلاح من الغرب. فيوقع في 1957 اتفاقية للتعاون النووي مع واشنطن. وفي 1976 يعلن الرئيس الأميركي جيرالد فورد نيته توفير مفاعلات لطهران. ومع ذلك يخفق الشاه في تحقيق حلمه النووي، ويتوقف العمل لبناء مفاعل في بوشهر تحت إشراف الماني.

وفي 1979 تطيح الثورة الإسلامية الشاه نفسه، ويرفض الخميني القوة النووية باعتبارها quot;بدعة غربيةquot; وباعتبار أسلحة الدمار الشامل quot;حراماquot;. لكن هذا موقف غريب. فإسرائيل صارت بحلول ذلك الوقت قوة نووية بعد بنائها مفاعلها quot;السريquot; في صحراء النجف وانتاجها القنبلة. ويقال إن رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير اعترفت بذلك للرئيس رتشارد نيكسون.

وفي 1980 يبدأ صدام حسين حربه على إيران ويدمر، ضمن أشياء أخرى، مفاعل بوشهر. وعندها يكتب قائد الحرس الثوري الإيراني، محسن رضائي، خطابا الى الخميني يطلب فيه الإذن لإنتاج السلاح النووي باعتباره الوسيلة الوحيدة للدفاع عن البلاد. ومن جهته يكتب رئيس الوزراء، حسين موسوي، خطابا آخر يعزز به التماس رضائي.

وفي يوليو (تموز) 1988 يقبل الخميني quot;تجرع السمquot; ويأمر بوقف الحرب. ويبدو انه بدأ في هذا الوقت إعادة النظر في موقفه من القنبلة، عملا بمفهوم quot;التقيّةquot; (الهادف لخلاص الشيعة الصفويين في الملمات). وفي ذلك العام تبدأ ايران محادثات مع باكستان التي كانت تسعى ايضا إلى تحقيق طموحاتها النووية منذ أن قال رئيس وزرائها ذو الفقار على بوتو في السبعينات: quot;سنأكل العشب من أجل امتلاك القنبلةquot;، وكان للبلاد امتلاكها فعلا. لكن إسلام أباد السنيّة تنظر بعين الريبة الى طهران الشيعية فتمتنع عن التعاون معها.

على أن هذا لم يمنع الإيرانيين من الدخول في محادثات مباشرة مع ابي القنبلة الباكستانية، عبد القدير خان، الذي أبدى كل الاستعداد لمعاونة quot;الإخوة المسلمينquot; طالما كان هذا التعاون يجعل منه جهاديا ويترجم نفسه أيضا إلى بعض ملايين، وربما مليارات الدولارات في حسابه الخاص.
والمهم في انتاج القنبلة هو الحصول على المواد الإنشطارية. وتمر هذه العملية نفسها بتخصيب اليورانيوم وبالطاردات centrifuges. واليورانيوم متوفر في الأسواق ويعدّن ايضا في ايران، وتخصيبه يتم في منشآت يسهل تمويهها.

الفصل الثاني ndash; البداية

عبد القدير خان

منذ طفولته تعلم خان ألا يعيش تحت جماح عدو قوي. وبعد تقسيم شبه القارة في 1947، هاجر مع ابيه، الى باكستان quot;أرض الأطهارquot;. وفي الحدود يرى الصبي وهو في سن السادسة عشرة الجنود الهندوس يسرقون من النساء المسلمات. بل ان أحد هؤلاء يسرق منه شخصيا قلما هدية من أخيه فيقسم على الثأر من موقع قوة.

وبعد نبوغ أكاديمي في كراتشي، يحظى خان بمنحة للدكتوراه في علم المعادن في بلدة لويفين البلجيكية. وهنا يحصل على وظيفة في مفاعل نووي ويتمكن ليس من الوصول الى موقده وحسب، بل أخذ وثائق عالية السرّية معه الى باكستان لدراسة التصميم الألماني للمفاعل كما حلا له ويبدأ طريقه نحو انتاج القنبلة.