يواجه أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، الآن اتهامًا بالغ الخطورة من قبل مديرة laquo;مكتب خدمات الرقابة الداخليةraquo; بالهيئة الدولية المنتهية ولايتها أخيرًا، إينغا - بريت آلينيوس، يتعلق بـ laquo;الفساد وإضاعة البوصلة الأخلاقية والاستراتيجية التي تهتدي بها الأمم المتحدةraquo;.

لندن: تأسست الأمم المتحدة في 24 اكتوبر (تشرين الاول) 1945 مؤلفة من 51 دولة صار عددها الآن 192 تضم تيمور الشرقية وسويسرا اللتين اصبحتا عضوتين في سبتمبر (ايلول) 2002.

وبعد رفع رايتها الشهيرة على مقرها الرئيس في نيويورك، كان ينظر اليها باعتبارها laquo;جنّة السلامraquo; التي يتوق اليها العالم بعد حربه على نفسه للمرة الثانية، وإلى أمينها العام وكأنه laquo;المخلّصraquo; وصاحب العصا السحرية التي تضمن هذه الجنة. وعلى مستوى أكثر واقعية، كان من المحتم لأروقة الأمم المتحدة أن تتعدى عتبة الجدل والخلاف السياسي الى laquo;الوسخ على مختلف أشكالهraquo;.. لكن كل هذا ما هو الا الناتج المتوقع لطبيعة عملها وسبب وجودها في المقام الأول.

وكناتج فرعي لهذا، ظل أمناؤها - وهم ثمانية حتى الآن - يعانون من طائفة ملحمية الأبعاد من الهموم، أقلها رشاش المصالح المتصادمة والاتهامات بالتحيّز أو الوقوع تحت تأثير إحدى القوتين العظميين في عهد الحرب الباردة أو عدم الكفاءة.. الى آخره. وهكذا صارت الأمانة العامة شرف في وسط مستنقع.

ولا أدل على هذا من أن أمين الهيئة الدولية الحالي، الكوري الجنوبي بان كي مون، يواجه الآن اتهامًا بالغ الخطورة من قبل مديرة laquo;مكتب خدمات الرقابة الداخليةraquo; بالهيئة الدولية المنتهية ولايتها أخيرًا، إينغا - بريت آلينيوس، بـlaquo;الفساد وإضاعة البوصلة الأخلاقية والاستراتيجية التي تهتدي بها الأمم المتحدةraquo;.

آلينيوس اشتكت في مذكرة داخلية موجهة الى بان كي مون نفسه - لكنها سُربت الى بعض وسائل الإعلام ونشرت في 20 من الشهر الحالي - من أنه تسبب في laquo;غياب الشفافية والنقص في المسؤولية والمساءلةraquo;. وقالت تخاطبه: laquo;بدل وقوفكم خلف الرقابة الداخلية اللازمة للقيادة المنيعة والقرار الرشيد، اخترتم أن تفرضوا سيطرتكم على المنظمة وأن تقوّضوا بالتالي عمل مكتب خدمات الرقابة الداخلية. يحزنني أن أقول إن الأمانة العامة للمنظمة تتفكك وتنحرف تمامًا عن مسارهاraquo;.

واشتكت آلينيوس من ان الأمين العام وكبار مستشاريه منعوها من ملء الوظائف الرئيسية الشاغرة في مكتبها قائلة إن هذا laquo;أتى بخلل كبير داخل إحدى الإدارات الرئيسية في قلب الهيئة الدوليةraquo;. ومضت الى أبعد من ذلك قائلة إن بان كي مون حاول إنشاء وحدة تحقيقات جديدة كان غرضه الواضح منها هو تهميش مكتبها والتالي إضعاف موقعها داخل المنظمة وإحالة وظيفتها بلا معنى.

على أن أحد مساعدي laquo;المتهمraquo; تصدى لخطاب آلينيوس مدافعا عنه بالقول إنه laquo;على العكس، يعمل على تعزيز الجهود الرامية لمحاربة الفسادraquo;. وقال إن تقرير آلينيوس laquo;احتوى على العديد من المزاعم المحرّفة والأكاذيبraquo;. ومضي يقول إن الأمين العام laquo;على غرار أسلافه، يواجه تحديًا لتحقيق التوازن بصفته كبير الموظفين الإداريين في الأمم المتحدة من ناحية وقيادة المجتمع العالمي من جهة أخرىraquo;. وربما كان في هذه العبارة الأخيرة أفضل تعبير عن مفهوم laquo;التشرّف بالوجود في وسط المستنقعraquo;.

سوابق

الواقع أن هذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيه بان كي مون، الذي تسلم منصبه في الأول من يناير (كانون الثاني) 2007 خلفًا لكوفي أنان، اتهامًا بالفساد. فقد خرجت صحيفة laquo;واشنطن بوستraquo; بنبأ عن laquo;إحساس موظفي الأمم المتحدة والمندوبين إليها بالغبن إزاء ما يصفونه بالمحسوبية السافرة لدى الأمين العام الجديدraquo;. وقالت إن هؤلاء اشتكوا من laquo;تعيينه الكوريين الجنوبيين بالجملة في المناصب الحساسة بالهيئة الدوليةraquo;.

ويذكر أن أمناء سابقين، مثل كورت فالدهايم وخافيير بيريز دي كويار وبطرس غالي، أتوا الى الهيئة وفي معيتهم عدد صغير من صفوة الدبلوماسيين في بلادهم كمستشارين لهم على سبيل المثال. لكن المختلف في حالة بان كي مون، تبعًا لمقال واشنطن بوست، هو أنه laquo;غمر الهيئة الدولية بالعاملين من بلاده بحيث رفع التمثيل الكوري الجنوبي وسط موظفيها بأكثر من 20 في المئة دفعة واحدة خلال العام الأول فقط من ولايتهraquo;.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، تبعًا لمتهميه، بل تخلى عن الحياد المفترض أن يكون شرطًا أساسيًا لأمانة الهيئة الدولية. ومنبع المشكلة هنا هو حادثة الطرّاد الحربي الكوري الجنوبي laquo;روكس شيونانraquo; الذي تعرض لحادثة شقته نصفين وأغرقته قرب المياه الإقليمة الكورية الشمالية في 26 مارس (اذار) الماضي.

وعلى الرغم من أن مجلس الأمن أدان الحادث، فلم يوجه الاتهام لأي جهة. ومع ذلك. خرج بان كي مون عن الايتيكيت الدبلوماسي الدولي بانتقاده المجلس وتوجيهه أصبع الاتهام الى كوريا الشمالية قائلاً صراحة إنها تقف وراء إغراق طرّاد بلاده. وزادت من غرابة هذه الخطوة حقيقة أن الأمناء العامين للهيئة الدولية نادرًا ما يعلقون على قرارات المجلس احترامًا لنزاهته وصدقيته المفترضتين، وأن تصريحات بان كي مون تعلقت بنزاع تخوضه بلاده.

تاريخ طويل

بان كي مون ليس هو الأمين العام الأول الذي يطاله الجدل ولن يكون الأخير. وحتى الأمين الخامس، البيروفي خافيير بيريز دي كويار (1982 - 1991)، الذي شهدت ولايتاه إنجازات مهمة، لم يسلم من النقد. وتأتى هذا بعدما أخفق مجلس الأمن في إدانة نظام الرئيس صدام حسين في استخدام السلاح الكيماوي ضد إيران في حرب الأعوام الثمانية وأيضًا ضد أكراد بلاده في حلبجة، واكتفى بالطلب الى laquo;الطرفينraquo; الامتناع عن laquo;الكيماويraquo; مُورّطًا بذلك النظام الإيراني في الأمر.

وكان هذا على الرغم من أن دي كويار هو الذي توسط بين بريطانيا والإرجنتين في أعقاب حرب الفوكلاندز، وسعى لترقية جهود laquo;مجموعة الكونتادوراraquo; لإحلال السلام في أميركا الوسطى. كما أنه أدى دورًا مهمًّا في المفاوضات التي أدت لاستقلال ناميبيا في افريقيا السوداء، إضافة الى تفعيله الحوار بين الحكومة المغربية وlaquo;جبهة تحرير البوليساريوraquo; طرفي نزاع الصحراء الغربية، ومساعيه لحل أزمة قبرص.

في النصف الآخر من هذه المقالة نستعرض حوادث أوقعت كلا من أمناء الأمم المتحدة في laquo;المستنقعraquo; بحيث أنها أودت بحياة أحدهم في لغز لا تفهم ظروفه الكاملة حتى اليوم.