المعاني الإنسانية التي تتجلى في شهر رمضان من التقرب إلى الله بالعبادات والطاعات والتواصل والتراحم بين المسلمين هي أجمل ما يميّزه في أميركا، حيث يصبح للمساجد معنى آخر غير الصلاة وخصوصًا مع اقتراب العشر الأواخر من الشهر، وذلكوسط استمرار الجدل حول بناء مسجد quot;غراود زيروquot;.
ما إن يدخل شهر رمضان الكريم حتى تتجلى المظاهر الرمضانية في بيوت الله من تكاتف وتعاضد المسلمين كافة فيما بينهم، حيث يجتمعون لأداء صلاة المغرب وتناول الإفطار من خلال الولائم الرمضانية في قاعات المساجد والإستماع إلى المحاضرات الدينية ثم يليها صلاة التراويح، فيما يستعد الناس الآن لدخول العشر الأواخر من رمضان والتي لها طقوس خاصة.
وما إن تبدأ صلاة المغرب معلنة نهاية يوم من الصيام وبداية الإفطار حتى تكتظ المساجد بالمصلين الذين يأتون من كل صوب متراصين بانتظام لإداء عبادة الصلاة ومن ثم تناول الإفطار.
نتاشا علي أكبر مسلمة أميركية من أصل باكستاني تقول: quot;نحرص أنا وزوجي على المجيء كل أسبوع إلى المسجد لتناول الإفطار وأداء صلاة المغرب والإجتماع بالأصدقاء ونبقى هنا حتى صلاة التراويح والهدف من ذلك تعليم نجلينا العادات الرمضانيةquot;.
أما ثريا دلمنتي وهي أميركية من أصل أندونيسي، تدرس في جامعة تلسا في ولاية أوكلاهوما تأتي كل أسبوع لزيارة أهلها في رمضان لقضاء وقت طيب وتقوم هي وأسرتها بزيارة مسجد أودموند لتناول طعام الإفطار والصلاة فيه وتقول: quot;نذهب كل أسبوع للمسجد لتناول طعام الإفطار بصحبة المسلمين فأجمل ما يميز هذا الشهر هو تلك الولائم الرمضانية المقامة هناك والتي تجمعنا بأصدقائنا وبعدد كبير من المسلمين، ومن ثم نقوم للصلاة ونبقى هكذا حتى ننتهي من صلاة التراويحquot;.
ويتسابق المحسنون قبل دخول شهر رمضان في تسجيل حجوزاتهم في الأيام التي يودون خلالها اقامة الموائد الرمضانية الرحمانية في المساجد والتي يقبل عليها المسلمون من العائلات وطلاب الجامعات والأصدقاء. ويبين سعد محمد والذين يعمل في مسجد النصر في ولاية أوكلاهوما بأن المحسنين من المسلمين يقومون بالتنسيق مع إدارة المسجد للحجز للولائم والموائد الرمضانية قبل دخول رمضان بفترة تقدر بأسبوعين أو أكثر وذلك حتى يضمن المسجد بقاء الموائد لكل القادمين يوميًّا.
ويحرص بعض المسلمين على ممارسة الشعائر الرمضانية داخل منازلهم لتوثيق الروابط العائلية من خلال تبادل الزيارات والإجتماع بالأهل والأصدقاء في المنازل أو في المطاعم وذلك بحكم أوقات عملهم التي لا تسمح لهم بالذهاب للمساجد ومن ثم القيام بالصلاة جماعة في المنازل مع عوائلهم وذلك لتعليم أبنائهم العادات الرمضانية والصلوات في رمضان.
تقول السيدة أم سمير المقيمة في ولاية كاليفورنيا نحرص أنا وزوجي وأبنائي المتزوجين على الاجتماع في رمضان وتبادل الزيارات. ويكون ذلك كل يوم في منزل واحد منا ونقيم شعيرة الصلاة ونحرص على أن يتعلم الأطفال الصلاة والصيام ونكمل التراوايح ومن ثم نشاهد التلفاز سويا.
وعلى الرغم من الصورة السلبية التي سببتها أحداث سبتمبر للإسلام والمسلمين، إلا أن ذلك لم يثنِ عزيمة المسلمين في أميركا من ممارسة شعائرهم الدينية كالصلاة في المساجد أو تناول الإفطار فيها. بالرغم من تعرض بعضهم في بعض الولايات لبعض المضايقات.
يقول السيد محمد أحمد و هو عربي أميركي من أصول مصرية ويعيش في ولاية نيوجرسي: quot;على الرغم من الغربة التي نعيشها ولكن لرمضان مذاق خاص هنا فنحن نحرص على الذهاب كل أسبوع لقضاء صلاة الجمعة في المسجد وأحيانًا نذهب أنا والعائلة لصلاة التراويح وحتى هذه اللحظة لم نمرّ بأي مضايقات سواء من الناس أو الحكومةquot;.
أما في ولاية أوكلاهوما فيقول محسن أحمد وهو أميركي من أصول باكستانية:quot;أحرص أنا وأصدقائي على الذهاب يوميا لإداء الصلاة في المسجد والآن أذهب يوميا لتناول الإفطار ولم يحدث قط حتى الأن أن تعرضت أنا أو أي من أصدقائي للمضايقاتquot;.
وبعد أحداث سبتمبر أصبح الأميركيون على علم بشهر رمضان المبارك حتى أن المحلات والأسواق المركزية الكبرى تقوم بضخ المواد الغذائية الرمضانية الخاصة كالتمور والقمر الدين والمكسرات والبقلاوة بصورة كبيرة ومواصلة ذلك طوال الشهر وتقوم الصحف بالإعلان عن بداية شهر رمضان للجالية المسلمة.
ولربما أسوء ما قد خلفته تلك الأحداث هو الفوبيا الشديدة والعداء المتواصل تجاه الإسلام و كل ما يمت له بصلة وها هي الأحداث الأخيرة الخاصة ببناء المركز الإسلامي في ولاية نيويورك قرب مركز التجارة العالمي والذي أجازه الرئيس الأميركي باراك أوباما مستندًا في ذلك إلى الدستور الذي يكفل للمواطن حرية الدين في أميركا. وقد أثار رأيه الداعم لبناء المركز جدلاً واسعًا في الشارع الأميركي منذ تم الإعلان عنه وأفرز تساؤلات عدة: هل من حق المسلمين ان يقيموا مركزهم يالقرب من ذلك المكان؟
ويرى المحلل السياسي الدكتور محمد ربيع أن من حق المسلمين بناء مسجدهم طالما أن النقود التي سيتم شراء الأرض وبناء المسجد منهم شخصيًا. وطالما أن الدستور يكفل لهم هذا الحق. وقد تتطلب بناء هذا المشروع حوالى 100 مليون دولار نظرًا لوقوعه في منطقة منهاتن المكتظة بالسكان والمحلات التجارية.
ويعتقد ربيع بأنه لا يجب التساؤل عن صحة التوقيت الذي تم اختياره للإعلان عن مشروع بناء المسجد كونه توقيت قريب من أحداث سيتمبر. وذلك أن أي توقيت في العالم يعد توقيت غير مناسب لمجموعة معينة في وقت معين وغير ملائم في الوقت الذي يكون فيه ملائما وجيدا لمجموعه أخرى. فلا علاقة لرمضان أو أحداث سبتمبر بتوقيت الإعلان عن البناء كما أن الأمور لاتأتي بين ليلة وضحاها فبالتأكيد أن المسلمين كانوا قد قدموا مشروعهم للموافقة عليه منذ فترة ولكن صادفت الموافقة عليه الآن.
ومن وجهة نظر محمد ربيع أنه تم استغلال الإعلان عن بناء المسجد بهذه الصورة لا يعدو أكثر من كونه استغلالاً لأغراض سياسية وذلك بسبب التوجه نحو اليمين المتطرف المحافظ المتدين وغير المتدين والذي يحرص دومًا على الوقوف بجانب اليهود والداعم لهم دومًا.
وعلى ذمة quot;واشنطن بوستquot; فإن السياسي جيري نادلر الذي يمثل الضاحية التي تضم المبنى القديم الذي سيتم تشيد البناء عليه ورئيس الجنة الفرعية الدستورية المنبثقة عن اللجنة القضائية لمجلس النواب قد أعلن عن تأييده للمسلمين في بناء مسجدهم الواقع في تلك المنطقة وقال :quot;إن على اليهود أن يدركوا أن علينا دعم الحرية الدينية، لأنك لو تمكنت من إعاقة بناء مسجد فستتمكن من إعاقة بناء معبدquot;.
ومن الطرف الآخر يرى بعض الأميركيين أن المسألة حساسة نوعًا ما وأن على المسلمين اختيار مكان آخر لبناء مسجدهم وذلك حرصًا على مشاعر الذين فقدوا ابناءهم.
تقول مارثا كوردي والتي تعمل موظفة في بنك إي بي سي الأميركي في ولاية أوكلاهوما بأنه لا يوجد ما يمنع المسلمين من تشييد مسجد هنا ولكن لماذا لا يتم اختيار مكان آخر في الولاية ويبعد عن مكان الحادث وذلك حرصًا على مشاعر الناس الذين فقدوا أبناءهم.
وعلى الرغم من صدور قرار بالسماح للمسلمين ببناء مسجدهم إلا أن الجدل سيبقى مفتوحًا حتى بعد انقضاء الشهر الكريم وخصوصًا أن الموضوع يعد مادة دسمة وجيدة للتدوال وذلك تزامنًا مع قرب أحداث سبتمبر.
التعليقات