يرى محللون أنّ الاحتجاجات في الجزائر تتجاوز مجرد كونها غضبا ضد غلاء المعيشة، بل هي تأكيد للقطيعة بين السلطة والشارع الذي لا يجد من يعبر عنه.


الجزائر: تعدت المواجهات التي شهدتها الجزائر خلال الأيام الماضية، وهي الأكبر منذ 20 سنة، مجرد كونها اجتجاجات ضد غلاء المعيشة، لتؤكد القطيعة بين السلطة والشارع الذي لا يجد من يعبر عنه، بحسب العديد من المحللين.

وبدأت التحركات احتجاجية قبل عدة أسابيع يقودها عدد قليل من السكان ضد عدم الاستفادة من السكن الاجتماعي وانتشار المحسوبية والفساد، الا انها سرعان ما امتدت الى صفوف الشباب الذين احتجوا في سائر انحاء البلاد ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية.

وشهدت هذه التظاهرات اعمال شغب تخللها تحطيم محلات تجارية وبنايات عمومية تعتبر رمزا للدولة، واسفرت عن خمسة قتلى واكثر من 800 جريح، الغالبية العظمى منهم من الشرطة، اضافة الى توقيف الف شخص، بحسب وزاة الداخلية.

وبحسب كاتب التعليق في صحيفة quot;لوكوتيديان دورونquot; فان quot; تسلسل الاحداث كما جرت لا يسمح بترقب العودة الى الحياة العاديةquot;، موضحا ان quot;المشادات التي تعيشها الجزائر تسسببت في قطيعة نهائية بين الشعب والسلطةquot;.

وبالنسبة للمختص في علم الاجتماع الجزائري ناصر جابي فان اسباب هذه القطيعة واضحة فهي quot;الغلق السياسي والاعلامي الذي يميز النظام الجزائري ولكن ايضا الخيارات الاقتصادية وسوء التسييرquot;، وهي كلها quot;أسباب عميقةquot; للوضع الحالي.

واعتمدت الجزائر على تطوير بنيتها التحتية بدل الاستثمار في القطاعات التي تخلق الوظائف، فنسبة البطالة عند الشباب، بحسب صندوق النقد الدولي تتعدى 20 بالمئة في بلد يضم 35,5 مليون نسمة. وبحسب وزير الداخلية دحو ولد قابلية فإن 15 مليون جزائري تقل اعمارهم عن 30 سنة.

ويقلد عدد من الجزائريين جيرانهم في المغرب العربي فيعرضون حياتهم للموت، في محاولة العبور الى quot;جنة اوروباquot; عن طريق الهجرة غير الشرعية.

وبالنسبة للوزير فإن الجزء الكبير من العنف الذي نشهده حاليا quot;جاء من فترة التسعينياتquot; وهي العشرية السوداء للعنف الاسلاموي.

وقال الوزير لوكالة فرانس برس quot;هؤلاء الشباب عدميون الى أقصى درجة (...) لهم احتياجات ويحبون الالبسة الجميلةquot;، هم متأثرون بالانترنت وquot;تنقصهم مجالات اخرى للتعبير عن أنفسهمquot;.

اما صحيفة quot;ليكسبريسيونquot; فرأت ان ما تشهده الجزائر هو quot;ضياع المعالمquot; مؤكدة ان quot;هذا هو المشكلquot;.

من ناحيته يقول مصطفى بوشاشي رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان ان quot;النظام السياسي اغلق كل مساحات التعبيرquot;، مشيرا الى ان حالة الطوارئ المطبقة في الجزائر منذ 1992 تمنع التظاهر وتكمم أفواه أحزاب المعارضة والجمعيات، وهي كلها مساحات للوساطة الاجتماعية.

من جهته يقول كاتب الافتتاحية في جريدة quot;الوطنquot; علي بحمان ان هذه السياسة المتبعة quot;منذ عدة سنوات وباستمرار خلقت فراغا كبيرا بين السلطة والجزائريين، وظل هؤلاء بلا صوت، بلا ناطق باسمهم وبلا قنوات تعبير جوارية وذات مصداقيةquot;.

ويذهب رئيس حزب التجمع من اجل الثقافة والديموقراطية (معارض) في نفس الاتجاه، فيقول في تصريح لوكالة فرانس برس quot;لا يمكننا غلق كل مساحات التعبير للمعارضة ثم التأسف عندما يفرض الشارع نفسه كمكان لتعرية المشاكل الاجتماعيةquot;.

وانتقد عدد كبير من الصحف اليومية الجزائرية خلال الايام الماضية صمت الحكومة امام اتساع رقعة المواجهات، فسارع وزراء التجارة والشباب والرياضة وكذلك وزير الداخلية للتحرك ردا على ذلك، واعلنوا عن اجراءات لتهدئة الغضب الاجتماعي والدعوة الى الهدوء، وكذلك فعلت احزاب التحالف الرئاسي.

لكن الصحافة عادت لتطالب بضرورة تدخل الوزير الاول احمد اويحى او الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، للحديث عن هذه الازمة الاجتماعية.