حمّل أغلبية قرّاء "إيلاف" الشعب المصري المسؤوليّة الأولى عن الإحتقان الطائفي المتصاعد في البلاد، وذلك ضمن الإستفتاء الإسبوعي، واحتلّت "الجهات الخارجية" المركز الثاني في المسؤولية، فيما حلّ النظام السابق في المركز الثالث، وجاء المجلس العسكري في الترتيب الأخير.


رسم يبين نتائج الاستفتاء

القاهرة: أثناء اشتعال الثورة الشعبية التي أطاحت بنظام حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك، كان المسلمون والمسيحيون جنباً إلى جنب وكتفاً بكتف، لا يفرق بينهم أي ملمح، ولكن فجأة، وبمجرد سقوط النظام، إندلع الكثير من الأحداث ذات الخلفية الطائفية، فبعد أقل من شهر على تنحي مبارك، وقع حادث كنيسة صول، بسبب علاقة جنسية محرمة بين مسيحي ومسلمة، وتلاه العديد من الحوادث، لعل أخطرها حادث إمبابة الذي راح ضحيته 15 شخصاً ومئات المصابين، فضلاً عن إحراق كنيسة، والسبب علاقة محرمة بين مسلم ومسيحية قيل إنها اعتنقت الإسلام.

ثم وقعت أحداث مشابهة، ولكن من دون سقوط ضحايا، إلى أن كان حادث المريناب، نتيجة الخلاف على بناية يريد الأقباط رفعها كنيسة، وتصرّ السلطات والمسلمون في القرية على أنها منزل، وكان ذلك في 9 سبتمبر الماضي، وبعد شهر بالتمام والكمال وقعت أحداث ماسبيرو في 9 أكتوبر، التي راح ضحيتها 26 قتيلاً، و327 مصاباً، ليظل الجرح الطائفي في مصر مفتوحاً، ويأبى أن يندم.

الشعب المسؤول الأول

وبينما يلقي البعض في مصر بالأسباب تارة على من يعرفون بـquot;فلول النظام السابقquot;، ويحمل البعض الآخر المسؤولية لـquot;جهات خارجيةquot;، قالت غالبية قراء quot;إيلافquot; كلمتها، وحملت quot;الشعبquot; المصري نفسه المسؤولية بالدرجة الأولى، وذلك في إطار الإجابة على سؤال الإستفتاء الأسبوعي التي تجريه بشكل دوري.

لم تبتعد quot;إيلافquot; عن أحداث ماسبيرو الواقعة الأبرز محلياً وعالمياً، الذي شغلت به الدوائر السياسية والإعلامية في مصر وبعض الدول العربية، وأميركا وأوروبا، وطرحت السؤال التالي على القراء quot;من المسؤول الأول عن تصاعد الاحتقان الطائفي في مصر؟.. الشعب.. الجيش.. النظام السابق.. جهات خارجيةquot;. وشارك في الإستفتاء 7630 قارئاً، فضل غالبيتهم 2527 قارئاً، بنسبة 33.12% تحميل الشعب نفسه مسؤولية تصاعد الإحتقان الطائفي، وقال2183 قارئاً، بنسبة 28.61% إن جهات خارجية تقف خلف ذلك الإحتقان، واتهم 1546 قارئاً، بنسبة 20.26% النظام السابق بتأجيج الطائفية، فيما ألقى 1374 قارئاً بنسبة 18.01% باللائمة على المجلس العسكري الذي يدير شؤون مصر خلال المرحلة الإنتقالية بعد رحيل مبارك في 11 فبراير الماضي.

ولمدة سبعة أيام هي عمر الإستفتاء كانت الأغلبية تتأرجح في تحميل المسؤولية ما بين الجهات الخارجية والشعب نفسه، ففي الأيام الأولى حمّل المشاركون في الإستفتاء المسؤولية quot;الشعبquot;، حتى وصلت إلى نحو 32%، في حين كانت quot;الجهات الخارجيةquot; 28%، ثم تحرك المؤشر في منتصف الأسبوع نحو الجهات الخارجية محملاً إياها المسؤولية عن الأحداث الأخيرة، وتصاعد الإحتقان الطائفي، لكن ما هو إلا يوم أو يومان، حتى عاد المؤشر إلى الإرتفاع باتجاه quot;الشعبquot;، لتقول الأغلبية كلمتها الفصل، متهمة الشعب المصري نفسه بتحمل مسؤولية الإحتقان الطائفي، وعليه أن يبحث عن السبب والحل بداخله.

الإحتقان ليس وليد اللحظة

الإحتقان الطائفي في مصر، ليس وليد اللحظة، بل كان موجوداً منذ عشرات السنين، بل يصل عمره إلى نحو 60عاماً، والكلام لعمار على حسن رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات السياسية، وأضاف لـquot;إيلافquot; أنه لا أحد يمكنه إنكار أن هناك إحتقانا شديدا في النفوس، ويجب الإتجاه لعلاجه من الجذور، وعدم الإكتفاء بالمسكنات.

وأشار إلى أن التعامل مع الملف الطائفي لعشرات السنين كان خاطئاً، وكان ينظر إليه بطريقة أمنية، ووفقاً لهذه النظرية كان يعالج تارة بالإعتقالات والتعذيب، وتارة بالجلسات العرفية، وإجبار القساوسة والمشايخ على الظهور أمام شاشة التلفزيون وهم يقبلون بعضهم البعض في حين أن quot;اللي في القلب في القلبquot;، كما يقول المثل الشعبي، وفي الوقت نفسه يتم تغييب القانون.

ودعا حسن إلى ضرورة إعمال القانون بكل شفافية بشأن الأحداث الطائفية، ولإعادة النظر في المناهج الدراسية والخطابين الإعلامي والديني بشكل جدي، حتى تتمكن مصر من شفاء القلوب من ذلك الداء الذي يسري في جسد المجتمع كالسرطان.

لكن حسن لم يستبعد تورط فلول النظام السابق في الأحداث الطائفية بعد الثورة، ولاسيما أنها عادة تتزامن مع كل خطوة جديدة يتم اتخاذها ضدهم، وجاءت أحداث ماسبيرو بالتزامن مع ضغوط شديدة تمارس على المجلس العسكري لإقرار قانون العزل وحرمان أعضاء الحزب الوطني من العمل السياسي لمدة خمسة أعوام على الأقل. مؤكداً أن السلطة الحالية ممثلة في المجلس العسكري والحكومة تتحمل جزءا من المسؤولية بسبب التراخي وعدم إعمال القانون.

أيمن نبيل خير دليل

وفي الإتجاه ذاته، يغرد الناشط القبطي صفوت جرجس رئيس المركز المصري لحقوق الإنسان، وقال إن مصر عرفت أول الأحداث الطائفية في العام 1971، ومنذ ذلك التاريخ لم يثبت تورط أية جهات خارجية في أي من تلك الحوادث.

ما يعني أن الأزمة الطائفية تكمن في الناس أنفسهم، وساق جرجس لـquot;إيلافquot; الدليل بالقول إن الحكومة أصدرت قانون منع التمييز، وها هو يواجه أولّ اختبار له بعد يوم من إقراره، حيث تعرض أيمن نبيل لبيب الطالب في المدرسة الثانوية التجارية في مدينة ملوي محافظة المنيا لإجبار من قبل أحد المدرسين على خلع صليب يرتديه، وحينما تمسك الطالب المسيحي بحقه في ارتداء ذلك فما كان من المدرس إلا الشجار معه ثم تشاجر معه أيضا بعض الطلاب في المدرسة وتم الاعتداء عليه حتى لفظ أنفاسه.

ودعا جرجس ضرورة تطبيق القانون على المدرس المتسبب بهذه الأزمة وكذلك الجناة، وأن يتم تغليظ العقوبة حتى يتم مواجهة مثل هذه الحالات، وأن يتم ترسيخ القانون من أجل تأسيس دولة قوية تعمل على تفعيل القانون ولا تعطى مساحة للتمييز ، وأن لا يتم تكرار الأخطاء نفسها بالضغط على اهالي المجني عليه من أجل إجبارهم على قبول التصالح مع الجناة، أو البحث عن بعض مشايخ الدعوة السلفية لتحقيق الوئام المجتمعي على حساب دولة القانون.

وأرجع الإحتقان إلى غياب القانون ما أدّى إلى تحصّن الطرفين المسلم والمسيحي بالدين، والإحتماء به، ومن ثم انتشرت مشاعر رفض الآخر وكراهيته، والتعامل معه بوصف عدوا أو كافرا، لكنه لم ينكر أن فلول النظام السابق يحاولون إجهاض الثورة من خلال الثغرة الطائفية.

المرشد العام للإخوان يتهم الفلول

غير أن المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد بديع يرفض القول بوجود رواسب طائفية في النفوس، وقال إن المسلمين والمسيحيين عاشوا مئات السنين على هذا البلد يشربون من نيله، ويستظلون بسمائه، وافترشت دماؤهم على أرض مصر في 67 و73، وأخيرًا ثورة 25 يناير التي كانت الأروع في تاريخ مصر، والتي جمعت الشعب وصهرته كتلة واحدة.

وأضاف خلال لقائه مجموعة من الشباب المسلم والمسيحي، واتهم من وصفهم بـquot;فلول النظام السابقquot; بالوقوف وراء الأزمات الطائفية التي يواجهها المجتمع بعد الثورة، والسعي لإفساد مشهد وحدة الشباب المسلم والمسيحي في ميدان التحرير، داعياً شباب مصر من المسلمين والمسيحيين إلى التصدى للفلول وحماية مصر، وتأجيل الاختلافات والسعي للمِّ الشمل؛ لأن هذا واجب الوقت، مؤكداً أن الله تعالى أعز السيدة مريم في القرآن الكريم تكريمًا لها على نساء العالمين.

تغييب القانون

ويرى المفكر القبطي كما زاخر أن هناك رواسب طائفية في نفوس المصريين، لكنها لا ترقى إلى أزمة طائفية مزمنة، مشيراً إلى أن تغييب القانون والتعامل الأمني مع الملف الطائفي، والتحريض المتبادل، وإفلات الجناة من العقاب أبرز أسباب تصاعد الإحتقان الطائفي، ووجود جهات خارجية تسعى لإجهاض الثورة المصرية، في محاولة لإيقاف المد الثوري إلى دول أخرى، فضلاً عن محاولات الجهات الداخلية وفلول النظام السابق الإنتقام من الثورة، من خلال إشعال المشاكل الطائفية من حين لآخر وفي مناطق متفرقة.