أكدت دراسة حديثة بعنوان quot;السياسة الخارجية الأميركية تجاه سوريا في الفترة من 2001-2008quot; للباحث أبوبكر فتحي الدسوقي.. مساعد رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية في مؤسسة الأهرام، والتي نوقشت أخيرًا في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة نال عنها الباحث درجة الماجستير بتقدير جيد جدًا، أن نظام بشار الأسد كان يخشى أن تكرر أميركا سيناريو العراق مع سوريا، وأن تغزو بلاده.
السياسة الخارجية الأميركية مارست تأثيرًا كبيرًا في السياسات الأميركية تجاه سوريا |
أشرف السعيد من القاهرة:أشارت الدراسة إلى أن السياسة الخارجية الأميركية تجاه منطقة الشرق الأوسط أصبحت من القضايا المهمة والحيوية في مرحلة ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001، لافتة إلى أن المحددات الداخلية الخاصة بالولايات المتحدة، هي العوامل التي تفرضها البيئة الداخلية في النظام السياسي الأميركي، والتي تمارس تأثيرها في السياسة الخارجية بشكل مباشر أو غير مباشر، على اختلاف قدراتها ودرجة تأثيرها، مثل مؤسسات الحكم والقوى المجتمعية، والتي تتمثل في المؤسستين التنفيذية والتشريعية، والقوى المجتمعية، والتي تتمثل في جماعات المصالح، وأهمها اليمين الديني، والمحافظين الجدد، واللوبي الإسرائيلي، واللوبي الماروني اللبناني، فضلًا عن دور الإعلام والرأي العام.
أما المحددات الإقليمية الخاصة بالشرق الأوسط، فتتمثل في الوجود العسكري الأميركي، والمصالح الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، والتي تتضمن التحالف الإستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وضمان تدفق النفط من دول الخليج العربي، وتداخل علاقات الولايات المتحدة بدول الشرق الأوسط بين التعاون والصراع. وفي ما يتعلق بالمحددات الدولية فتتمثل في تغير النظام الدولي، ووقوع أحداث 11سبتمبر 2001، والحرب على الإرهاب.
وأضافت الدراسة أن إدارة الرئيس quot;جورج جورج دبليو بوشquot; عملت على استخدام كل الأدوات أو السياسات، التي يمكن أن تؤدي إلى إرغام الحكومة السورية على الاستجابة للسياسة الأميركية فى المنطقة، حيث تعددت وتنوعت هذه الأدوات ما بين الأدوات العسكرية والسياسية والاقتصادية، والقانونية والتشريعية. فالأدوات العسكرية تشمل التلويح باستخدام القوة، أو استخدامها بالوكالة أو استخدامها بشكل مباشر.
أما الأدوات السياسية والاقتصادية، فقد شملت بذل الجهود لتغيير النظام من الداخل أو عزله إقليميًا ودوليًا، أو من خلال فرض عقوبات مؤثرة أو قادرة على إلحاق خسائر بالاقتصاد السوري، في حين تتناول الأدوات القانونية والتشريعية قرارات مجلس الأمن التى نجحت الولايات المتحدة في استصدارها بالتعاون والتنسيق مع دول الاتحاد، التي تعدّ ضد المصالح السورية في لبنان تحديدًا، وأخيرًا قانون محاسبة سوريا، الذي أصدره الكونغرس الأميركي، وهذا ما يتناوله هذا الفصل، مع بيان تأثير هذه الأدوات في السياسات السورية الإقليمية.
وخلصت الدراسة إلى عدد من النتائج من أبرزها:
- إن محددات السياسة الخارجية الأميركية قد مارست تأثيرًا كبيرًا في السياسات الأميركية تجاه سوريا، وإن اختلف تأثير كل محدد عن الآخر. وقد تلاقت كل هذه المحددات في توقيت واحد، وبالتوازي في ما بينها، لتشكل توليفة من المحددات لم نشهدها من قبل، ومع ذلك فلم ينفرد محدد بعينه في التأثير في سياسة محددة، بل شاركت كل المحددات في كل سياسة على حدة، أو في كل السياسات، فمثلاً، شارك العديد من المحددات في إصدار قانون محاسبة سوريا، مثل quot;المحافظون الجددquot;، واللوبي الإسرائيلي، واللوبي الماروني اللبناني، وأعضاء الكونغرس، والرئيس.
في حين كان تأثير quot;المحافظون الجددquot; حاضرًا في كل السياسات، وغاب تأثير محددات أخرى في معظم السياسات. وفي ما يخص المحددات أيضًا، فإن الدراسة أظهرت أن تزايد المحددات وتنوعها أسهما في تزايد تأثيرها في السياسة الخارجية الأميركية على سوريا خلال الفترة محل الدراسة.
ولفتت إلى أن الأداة الأكثر تأثيرًا في سياسة سوريا الإقليمية، كانت التهديد باستخدام القوة العسكرية، واستصدار قرارات مجلس الأمن. فعندما لجأت الولايات المتحدة إلى التهديد الجاد باستخدام القوة العسكرية ضد سوريا وغزوها، كان لذلك تأثير كبير في سوريا، التي بدأت على الفور في التجاوب الكامل مع السياسة الأميركية في ما يخصّ العراق.
على الجانب الآخر، عندما بادرت الولايات المتحدة إلى استخدام الأدوات القانونية الدولية، فعندما صدر قرار مجلس الأمن رقم 1559، لم تستجب سوريا بسرعة للقرار، وعندما بدأت في الاستجابة قامت بسحب جزء من قواتها، وإعادة نشر ما تبقى منها، وصولاً إلى سحب قواتها كاملة من لبنان. مع ذلك، فقد امتنعت عن حلّ حزب الله أو مصادرة أسلحته طبقًا لما جاء فى القرار، أي إن سوريا، رغم خسارتها السياسية والاقتصادية والنفسية، جراء الانسحاب من لبنان، إلا أنها لم تفرّط في ورقة إستراتيجية مهمة، وهي حزب الله، ولم تتنازل كلية عن نفوذها في لبنان.
- فشل الولايات المتحدة: خلال الفترة محل الدراسة في تغيير النظام السوري من الداخل، وإن استطاعت التأثير في بعض سياساته، لكنها لم تنجح في سياسة عزل سوريا إقليميًا من خلال ممارستها كل الضغوط والأدوات السياسية، بل العكس هو ما حدث فعلاً، فقد تعززت علاقاتها مع حليفتها إيران، وشركائها في محور الممانعة quot;حزب الله، وحماسquot;، ووسعت علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي وروسيا.
وتشير الدراسة الى ان الإدارة الأميركية اتبعت مواقف عدائية ضد سوريا، وكانت واضحة ومستمرة في كل قضايا التفاعل. فقد انزعجت الإدارة من دعم سوريا للمقاومة العراقية، وتسهيلها عبور المتطوعين العرب والمعدات العسكرية إلى العراق، وعدّت ذلك عملاً عدائياً، كما أفرطت الولايات المتحدة في تأييدها الاعتداءات الإسرائيلية على كل من: موقع تدريب الفصائل الفلسطينية، وموقع دير الزور في سوريا، والحرب الإسرائيلية على لبنان، التي وصفها بوش بأنها quot;حرب بالوكالة على الإرهابquot;، وأنها quot;جزء من معركة أوسع بين الحرية والعدالةquot;.
كما افتعلت الولايات المتحدة أزمة المفاعل النووي السوري المزعوم في دير الزور، وحاولت تحريض الوكالة الدولية للطاقة الذرية ضد سوريا، إلا أن الوكالة لم تستجب للضغوط الأميركية، وفي هذا الصدد أيضًا، صدرت تقارير ذات طابع تحريضي من وكالة المخابرات الأميركية، تفيد بأن المفاعل السوري لديه القدرة على إنتاج وقود نووي، وأن سوريا لديها غازquot;السارينquot;، الذي يصنف من ضمن أسلحة الدمار الشامل، كما بررتالإدارة الأميركية هجوم قواتها على منطقة البوكمال السورية بأنه يستند إلى مبدأ الحرب الاستباقية، وظلت سوريا على قائمة وزارة الخارجية الأميركية للدول المتعاونة مع الإرهاب طوال حكم جورج دبليو بوش.
وأوضحت الدراسة أن اللوبي الماروني اللبناني قد قام بدور مؤثر إلى حد ما، في استصدار قانون محاسبة سوريا، وهذا اللوبي يعبّر عن فئة من اللبنانيين المعارضين للوجود السوري في لبنان، ولا يعبّر عن قضايا لبنان على نحو ما يفعل اللوبي الإسرائيلي تجاه إسرائيل، فمثلاً لم يظهر للوبي الماروني اللبناني أي رد فعل يذكر في الحرب الإسرائيلية على لبنان، وقد استمد تأثيره من تحالفه مع اللوبي الإسرائيلي وquot;المحافظون الجددquot;.
واتضح من الدراسة أن quot;المحافظون الجددquot; قد اتخذوا مواقف متشددة وعدائية تجاه سوريا، وكان تأثيرهم واضحًا في معظم قضايا التفاعل بين الولايات المتحدة وسوريا، ولذا، فقد طالبوا بملاحقة سوريا، التي تؤوي قيادات حركتي حماس والجهاد الإسلامي، واستطاعوا دمغها بصفة الخصم للولايات المتحدة، ومارسوا دورًا تحريضيًا للإدارة الأميركية بغزو سوريا لمعارضتها احتلال العراق، واستخدام القوة العسكرية ضدها، مثلما حدث في منطقة البوكمال، أو تفويض إسرائيل بمهاجمة أهداف سورية ولبنانية.
كما ناصر المحافظون الجدد مبدأ فرض عقوبات على سوريا، وتحالفوا مع كل من اللوبي الإسرائيلي، واللبناني، في استصدار قانون محاسبة سوريا، كما اتهموا سوريا بالسعي إلى حيازة أسلحة الدمار الشامل، ودعوا إلى إجبار سوريا على الانسحاب من لبنان، والعمل على عزلها، ورفض الحوار معها، لدرجة إنهم استقبلوا مجرد فكرة زيارة وزير الخارجية quot;كولن باولquot; لسوريا بالانزعاج الشديد.
أما التحالف الأميركي- الإسرائيلي، فقد تبين من خلال الدراسة أن إسرائيل تقوم بواجبات التحالف مع الولايات المتحدة بشكل دائم، سواء بالاتفاق مع الولايات المتحدة أو بشكل منفرد، حيث قامت بالاعتداء على أهداف سورية عدة، وقامت بحرب شاملة ضد لبنان، تحقيقًا لأهداف إسرائيلية أميركية، فقد كان هناك تلاق كبير في المصالح والأهداف، غير أن هذا التحالف أحيانًا ما يتحول إلى عبء على السياسة الأميركية، مثلما حدثفي حرب الخليج الأولى، وفي الحرب الأميركية على العراق.
فقد رفضت الولايات المتحدة عرض إسرائيل بمساعدتها في هذه الحرب، بل ألزمتها بعدم التدخل خشية أن يؤدي ذلك إلى معارضة عربية، قد تلقي بتأثيرها على تماسك التحالف الدولي، لكن إسرائيل استطاعت استغلال أحداث الحادي عشر من سبتمبر في أن تعيد إليها بعضًا من أهميتها.
ويمكن القول أيضًا إن التحالف السوري مع محور الممانعة شكلا قيدًا على السياسة الخارجية الأميركية في بعض الحالات، فقد تراجعت الولايات المتحدة عن الأفكار التي روّجها المحافظون الجدد بغزو سوريا، خشية أن يؤدي ذلك إلى انفجار المنطقة، نظرًا إلى تحكم سوريا في العديد من التفاعلات البينية للقوى الراديكالية، والخوف من أن تتحول المنطقة إلى ما يشبه يوم القيامة quot;Doomsdayquot;، وكذلك مراعاة لعلاقات الولايات المتحدة الوثيقة مع دول الاعتدال العربي.
لذا يمكن القول هنا إن الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط عدّ من أهم المحددات الإقليمية للسياسة الخارجية الأميركية تجاه سوريا.
أما أحداث الحادي عشر من سبتمبر، فقد أكدت الدراسة أنها أوجدت البيئة المواتية لسياسات وأفكار المحافظين الجدد الذين استغلوا الأحداث، لتحقيق أهدافهم، وإيجاد حالة من التوافق القومي حولها، ودمغ كل الدول المعادية لإسرائيل بصفة العداء للولايات المتحدة، كما أعطت مبررًا كافيًا لكل السياسات التي اتبعها الرئيس الأميركي للهيمنة على العالم، ولتمرير سياساته في الحرب على الإرهاب، وفي أفغانستان، وفي إسقاط النظم المعادية في العراق، واستهداف الدول المعارضة مثل سوريا، وتصنيف قوى المقاومة العربية على أنها حركات إرهابية.
وقد ترتب على ذلك أن فرضت الولايات المتحدة مفهومًا خاصًا بالإرهاب، يتحرك في اتجاه المصالح الأميركية، حيث يسمح لها بإدراج كل الأعمال العنيفة الموجهة ضد المصالح الأميركية أو مصالح حلفائها تحت هذا المفهوم. فلا فرق بين قوى المقاومة المناهضة للاحتلال الإسرائيلي، مثل حماس وحزب الله، والحركات الإرهابية المعادية للولايات المتحدة. ومن ثم، فإن كل ذلك أعطى مبررًا قويًا لاستهداف ومعاداة سوريا.
ولذا، يمكن القول إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 من أهم وأخطر المحددات الدولية، التي لعبت دورًا كبيرًا في التأثير في السياسة الخارجية الأميركية عامة، وتجاه سوريا خاصة.
التعليقات