لُقب القذافي بـquot;ملك ملوكquot; أفريقيا
يتوقع مراقبون أن يدير حكام ليبيا الجدد ظهرهم لأفريقيا على عكس ما عرف به الزعيم الليبي السابق معمّر القذافي، الذي كان يلقب بـquot;ملك ملوك أفريقياquot;، وكانت له نزواته المعروفة بهذا الشأن، ويبدو أن النظام الليبي الجديد لديه أولوياتبالانفتاح مغاربيًا وعربيًا، ثم دوليًا، وهو ما يمكن أن يُيتّم عددًا من الأنظمة الأفريقية.


أظهرت الحرب الليبية بشكل واضح طبيعة العلاقات الخاصة والمتينة التي كانت تجمع عددًا من الدول الأفريقية مع الزعيم الليبي السابق معمّر القذافي، ولم تتردد تلك الدول في تجنيد مليشيات إلى جانب كتائب القذافي للدفاع عن النظام حتى آخر رمق.

وانهيار نظام القذافي ورحيله، بعد واقعة مقتله في سرت، التي لم تفكّ بعد خيوطها، كان من الضروري أن ينال من علاقة هذه الأنظمة بالنظام الليبي الجديد، وهي علاقة أصبح مستقبلها اليوم موضع الكثير من التساؤلات.

هذا بالنسبة إلى الأنظمة. أما الشعوب الأفريقية، فتقول المعارضة التشادية لاوكول أنيث، منسقة المجلس الوطني من أجل التغيير والديمقراطية التشادي، إنها ظلت تحمل نظرتين متضاربتين بخصوصه، وتضيف quot;لدينا من جهة الأفارقة الذين ينتقدونه لتدبيره السلطوي والعائلي للحكم، ولدينا أولئك الذين يرون فيه المحبّ والمدافع عن أفريقيا، الذي وضع خيرات ليبيا رهن إشارة بلده وشعبه، بل والقارة الأفريقية كذلكquot;.

المعارضة التشادية لاوكول أنيث

وتتابع: quot;عمومًا بالنسبة إلى عدد كبير من الأفارقة، وخصوصًا الشباب، فالقذافي يمثل على المستوى السياسي، أب الاتحاد الإفريقي وصاحب النهضة لفكرة الولايات المتحدة الأفريقية، التي لها مكانتها الخاصة عند مؤسسي القومية الأفريقية كأوامي اننكروما وجوليوس نايرير، وغيرهمquot;.

وتقول quot;فالشباب الأفريقي، ينظرون للقذافي كمدافع عن القضايا الأفريقية، حيث عمل على محاربة الأبارتهايد، إضافة إلى هدفه في تحرير أفريقياquot;.

الديمقراطيون الأفارقة قلقون

للديمقراطيين الأفارقة، خصوصًا المعارضون منهم لسياسات حكومات بلادهم السلطوية، موقف واضح من الطريقة التي تم بها اعتقال القذافي وقتله، كما هو شأن أنيت لاوكول، فهي quot;كانت تتمنى، بعيدًا عن أي اعتبار، أن يمثل القذافي أمام محكمة دولية مستقلة، ويجيب عن الأفعال التي نسبت إليه...quot;.

وتزيد قائلة quot;تمنيت أن تكون العدالة، القلب النابض للديمقراطية، أن تكون هي الرابح الأكبر من هذه الحرب. لكن مقابل ذلك العالم تابع إعدام بربري وخارج القانون للزعيم الليبي، وهي الممارسات نفسها التي كان ينتقد الغرب القذافي بسببهاquot;.

بالتالي فهي تعتقد أنه quot;لا يمكن أن نعرف الحقيقة، والحقيقة الوحيدة هي تلك التي يقدمها المنتصر. وكما يقول المثل الأفريقي quot;مادام الأسود ليس لديهم مؤرخوهم الخاصون، حكايات القنص ستستمر في تمجيد القناصينquot;، بحسب قولها.

المأخذ الثاني للأفارقة على المجتمع الدولي هو ما اعتبرته أنيت لاوكول تحويرًا للمقررات الأممية، وهو ما أفرز لديها quot;أسئلة حقيقية بشأن القانون الدولي، والسيادة الوطنية وموقع المؤسسات الأفريقية، والاتحاد الأفريقي، في تدبير الأحداث في القارة السمراء، وكذلك توظيف المؤسسات الدولية لأغراض خاصةquot;.

تقول الناشطة السياسية التشادية quot;ليبيا دمّرت اليوم، وهي فريسة للمجهول، وكميات كبيرة من الأسلحة تتنقل على مجموع التراب الليبي، وفي المنطقة، كناشطة سياسية أفريقية أنا قلقة جدًا من هذه الوضعيةquot;.

في السياق نفسه تتابع quot;يجب الاحتياط من انتشار الأسلحة في المنطقة المجاورة لليبيا ووقوعها بين أيدي الجماعات الإرهابية، كالقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. التهديد أخذ بشكل جدي من طرف المسؤولين الحكوميين في البلدان المجاورةquot;.

زعماء بلدان أفريقية بدون أب
رحيل القذافي يتَّم العديد من الزعماء الأفارقة الذين استفادوا من دعمه على العديد من المستويات، بل إن هناك تخوفًا لديهم، كما أشار إلى ذلك مراقبون، بأن يطالب أسياد ليبيا الجدد هؤلاء باسترداد الهدايا التي كانت تقدم لهم إضافة إلى سحب الاستثمارات التي أطلقت في بلدانهم باسم الدولة الليبية.

بخصوص التشاد، تقول لاوكول أنيت، quot;الرئيس التشادي إدريس ديبي يُتّم بشكل من الأشكال بذهاب القذافي، بالرغم من محاولاته الملتوية والمتأخرة في التقرّب من النظام الجديد في ليبيا، فالديكتاتور التشادي حرم من الدعم اللامشروط للقائد، ويتخوف من أن يدعم معارضوه من طرف أسياد ليبيا الجدد، الذين يأخذون عليه دعم القذافي بالمليشيات التشادية أثناء الحربquot;.

وتحدث دبلوماسيون أفارقة عن نوع من الجفاء من قبل المسؤولين الليبيين الجدد تجاه بلدانهم، نظرًا إلى أدوارها المساندة أو المتحفظة من حرب الثوار على نظام القذافي.

ومن المتوقع بالنسبة إلى المراقبين أن تدير ليبيا الجديدة ظهرها لأفريقيا ومؤسساتها، وعلى رأسها الاتحاد الأفريقي، التي حاول جاهدًا القذافي أن يسيطر عليها، وكان أنشط زعيم فيها، حيث كان quot;كريمًاquot; في دعمها ماليًا، وقدرت مساهمة ليبيا فيها بـ 15% من مجموعة مساهمات البلدان الأفريقية الأخرى.

ومن المنتظر أن ينفتح النظام الليبي الجديد أكثر مغاربيًا على كل من تونس والمغرب، وعربيًا على بلدان الخليج، وفي مقدمتهم قطر والسعودية، ثم على البلدان الغربية، التي سجلت حضورًا قويًا إلى جانب ثواره أثناء معاركهم ضد كتائب القذافي، لا سيما فرنسا وبريطانيا.

من هنا يبدو جليًا لعدد من المراقبين أن المجلس الوطني الانتقالي الليبي يرغب بكل تأكيد في مراجعة علاقة بلده مع الاتحاد الأفريقي، ولن تكون هذه المؤسسة، برأيهم، بعد الآن، إلا عبارة عن عامل ثانوي في تحديد أولويات الحكومات الليبية المقبلة.

أما البلدان الأفريقية التي ستتضرر أكثر من أي توجّه من هذا الصنف على المدى القريب أو المتوسط للحكومات الليبية، فهي الدول الأكثر فقرًا، حيث يؤكد مراقبون أن القذافي دفع أموالاً مهمة دعمًا لعدد من الدول الأفريقية الصغيرة.

هذا، دون ذكر الاستثمارات التي تتم رسميًا باسم ليبيا، كما حصل في التشاد، إذ استثمر النظام السابق فيها ما قيمته 90 مليون دولار في قطاع الاتصالات، والتي يعتبرها المراقبون محاولة منه لوضع أفريقيا تحت سيطرته بالشكل الذي ظل يحلم به quot;ملك ملوك أفريقياquot;.