بعث كبير محاميي البيت الأبيض برسالة إلى نتنياهو، أدرج فيها أسطوانة DVD تحمل حلقة من مسلسل كوميدي، واعتبرها حافزاً لاستئناف العملية التفاوضية مع الفلسطينيين، انطلاقاً من قناعاته بعدم نجاعة الآليات التقليدية في الوصول إلى هذا الهدف، كما ساق المحامي الأميركي ndash; اليهودي العديد من الأدلة لتأكيد فاعلية مبادرته المثيرة.


إيلان درشوفيتش

تلقى ديوان رئاسة الوزراء في تل أبيب حافظة من الولايات المتحدة، بعث بها كبير محاميي الطاقم السياسي في البيت الأبيض اليهودي - الأميركي quot;إيلان درشوفيتشquot; إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وبحسب تقرير مفصل، نشرته صحيفة هاآرتس العبرية، تضمنت الحافظة دعوة إلى الإسرائيليين بالجلوس إلى طاولة المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين، كما حثّ المحامي الضليع في رسالته بنيامين نتنياهو على المبادرة بدعوة رئيس السلطة الفلسطينية إلى التفاوض لإحياء العملية السلمية.

وأشار تقرير هاآرتس إلى أن الحافظة الأميركية تضمنت أيضاً، أسطوانة quot;DVDquot; مسجّل عليها حلقة من المسلسل الأميركي الكوميدي quot;HBOquot;، للممثل الأميركي ndash; اليهودي quot;لاري ديفيدquot;، إذ أعرب المحامي درشوفيتش في الرسالة عن قناعته بأن هذه الحلقة ستكون باعثاً لرئيس الوزراء الإسرائيلي وعباس على الجلوس إلى طاولة المفاوضات مجدداً، لما للحلقة الكوميدية، بحسب رأيه، من علاقة وطيدة بالفلسطينيين واليهود.

كما أوضح المحامي الأميركي أن النزاع الفلسطيني الإسرائيلي يفتقر آليات غير تقليدية للتقارب بين الطرفين، معتبراً أن مشاهدة نتنياهو وعباس للحلقة الكوميدية، سيكون كفيلاً بتحريكهما نحو البدء الفوري في التفاوض المباشر.

وتصف الصحيفة العبرية درشوفيتش، بأنه من أكثر الشخصيات الأميركية - اليهودية الداعمة للدولة العبرية في الولايات المتحدة. أما عن المسلسل الكوميدي، الذي بعث بإحدى حلقاته إلى ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلي، فتقول هاآرتس إنه عُرض على شاشة تلفزيون الولايات المتحدة في الرابع والعشرين من تموز/ يوليو الماضي، وحاز نسبة مشاهدة وصلت إلى 2.5 مليون مشاهد، مشيراً إلى أن الحلقة التي يدور الحديث عنها تحمل عنوان quot;الدجاجة الفلسطينيةquot;.

إحياء مفاوضات عملية السلام
جاء في حديث للمحامي الأميركي، نقلته عنه صحيفة الطلبة الأميركية quot;كولومبيا كارنتquot;، أن تلك الحلقة تستحوذ على إعجابه الشخصي منذ أن شاهدها للمرة الأولى، معترفاً أنه اقترح على نتنياهو في رسالته أن يدعو رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى أن يشاهدا معاً الحلقة في إسرائيل، وأعرب درشوفيتش عن اعتقاده بأن هذا اللقاء سيقود إلى إحياء مفاوضات عملية السلام بين الجانبين، وربما يحصل بطل العمل الكوميدي على جائزة نوبل للسلام على خلفية نجاح المفاوضات.

الحلقة الكوميدية التي يدور الحديث عنها، تتناول أزمة في العلاقة بين لاري ديفيد وأصدقائه اليهود في الولايات المتحدة، نظراً إلى حرص لاري على تناول الطعام في أحد المطاعم الفلسطينية في واشنطن المعروف بـ quot;العباسquot;، إذ يقول أحد أصدقاء ديفيد، الذي توجّه مع الأخير لتناول الطعام في المطعم عينه: quot;عليهم (إدارة المطعم) أن يبعثوا بدجاجهم إلى إسرائيلquot;، فيجيب عليه ديفيد: quot;نعم، فإذا حدث ذلك فسوف تزيل إسرائيل كل المستوطنات صبيحة اليوم التالي لإرسال الدجاجquot;.

الأكثر إثارةمن وجهة نظر المحامي درشوفيتش، تأكيده للصحيفة اليهودية - الأميركية أنه في أعقاب كلمة نتنياهو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر الماضي في نيويورك، التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي، وتناولا سوياً وجبة العشاء، وما لبث أن اقترب من أحد أعضاء حاشية نتنياهو، وسأله: quot;هل شاهد رئيس الوزراء حلقة quot;الدجاجة الفلسطينيةquot; في مسلسل لاري ديفيد الكوميدي؟quot;، إلا أن الشخصية الإسرائيلية لم تستطع الرد عليه، ولكنها تعهّدت بمشاهدة الحلقة، ليشاهدها نتنياهو في وقت لاحق!.

رغم سطحية العرض، إلا أن صاحبه المحامي الأميركي إيلان درشوفيتس، كشف عن دراية واعية بالملف الفلسطيني الإسرائيلي، وما ينطوي عليه من انعكاسات معقدة ذات صلة بالدوائر السياسية في تل أبيب وواشنطن، إذ يرى بحسب صحيفة quot;كولومبيا كارنتquot;، أن الطرق التقليدية لإحياء العملية السلمية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي لن تفضي في نهاية المطاف إلى حلول جذرية للنزاع، خاصة أن ما وصفه بأعمال العنف في الأراضي الفلسطينية، أصبح واقعاً يصعب تجاهله، لذلك فإنه من الممكن عن طريق الفكاهة، التي يفرضها المسلسل الكوميدي على لقاء مرتقب بين نتنياهو وعباس، أن يميل الطرفان إلى حل النزاع العالق بينهما.

حُلم الأطراف الضالعة في النزاع

ويضيف المحامي الأميركي اليهودي المخضرم: quot;الوضع الراهن يحول دون أن تحلُم أي من الأطراف الضالعة في النزاع بحراك في العملية السلمية مجدداً، فنائب وزير الخارجية الأميركي (بيل بيرنس)، الذي زار إسرائيل منذ ما يقرب من أسبوعين، أنهى زيارته بكلمتين هما: (الوضع متدهور)، كما إن الاعتقاد الأميركي يدور حول عدم رغبة نتنياهو وعباس في حقيقة الأمر فيإحراز تقدم على مسار استئناف المفاوضات، خاصة أن انعدام الثقة بين الرجلين يتزايد، فضلاً عن مخاوفهما من تأثر سياستهما الداخلية، إذا جلسا مجدداً على طاولة المفاوضاتquot;.

ويشير درشوفيتس في حديثه للصحيفة الأميركية إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية ورئيس الوزراء الإسرائيلي، يكتفيان في الوقت الراهن بتبادل إلقاء مسؤولية جمود العملية التفاوضية كل منهما على الآخر، في حال أي لقاء يجمع كل منهما على حدة بمسؤول دولي يزور المنطقة.

إذ يدّعي نتنياهو، بصورة يصعب خوض نقاش فيها، أن محمود عباس يتجه نحو المصالحة مع حماس، تاركاً مسار استئناف التفاوض مع إسرائيل، بينما على العكس من ذلك، يتهم عباس نتنياهو بعدم الرغبة في عرض مواقف جادة على طاولة المفاوضات، ولا يكترث سوى بتشغيل مصنع بناء المستوطنات.

وفي ظل هذا المشهد القاتم، قرر الرئيس الأميركي باراك أوباما عزل نفسه تماماً عن ما يجري بين الفلسطينيين وإسرائيل، إذ يشير درشوفيتش إلى تفكك الطاقم الأميركي المعني بعملية السلام، خاصة بعد هجره مستشار باراك أوباما لشؤون الشرق الأوسط (دنيس روس)، ويعني ذلك أن نتنياهو تلقى ضربة قاصمة من الإدارة الأميركية، خاصة أن روس كان أحد أهم رجال بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، فتعلم الدوائر السياسية في واشنطن - بحسب المحامي الأميركي - أن روس كان يخفف من حدة الضغوطات والتهديدات الممارسة على نتنياهو خلال زياراته لواشنطن.

على الرغم من ذلك، يعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي أن اوباما، وبعد نهاية الانتخابات الرئاسية، سيميل مجدداً إلى إسرائيل، فالرئيس الأميركي، على حد قول كبير محاميي الطاقم السياسي في البيت الأبيض، يخوض حرباً ضروساً لصدّ هجمات الحزب الجمهوري العنيفة في أوساط جماهير الناخبين الأميركيين، خاصة اليهود منهم، ويركز منافسو الرئيس الأميركي على إثارة مناهضة أوباما لإسرائيل، في وقت حصل الأخير على أصوات 80% من يهود الولايات المتحدة خلال الانتخابات الرئاسية الماضية، وربما يراهن الرئيس الأميركي على النسبة عينها في الانتخابات المرتقبة.

فأوباما، الذي يخوض الصراع لاقتناص فترة رئاسية جديدة في البيت الأبيض، يحرص على استثمار كل صوت. وخلال اجتماع للمتبرعين اليهود في الولايات المتحدة، اضطر أوباما لزيارة منزل (جاك روزين) رئيس الكونغرس اليهودي في مانهاتن، حيث الاجتماع، وحرص، بحسب تقرير الصحيفة الأميركية، على إثبات أنه كان أكثر رؤساء الولايات المتحدة دعماً ودفاعاً عن إسرائيل، وحرصاً على وجودها في منطقة الشرق الأوسط.

وقال: quot;إنني لا أرغب في الحديث عن دعمي، ولكنني حرصت على أمن إسرائيل خلال السنوات الثلاث الماضية وأن أكون أكثر من أي رئيس أميركي سابقquot;، وفي نهاية الأمسية، وقع اليهود المتبرعون على شيكات بقيمة 300 ألف دولار، وخصصوها لدعم حملة أوباما الانتخابية.

مخاوف إسرائيل والمجتمع الدولي

إذا كان ذلك كذلك - كما يقول المحامي الأميركي إيلان درشوفيتس ndash; فتكمن المخاوف الإسرائيلية والفلسطينية ودوائر عديدة في المجتمع الدولي في تردي الأوضاع الأمنية، ولعل ذلك هو ما ألمح إليه الموفد الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط (ديفيد هيل)، إذ قال في سياق إيجاز للصحافيين في واشنطن: quot;إن قواعد اللعبة الجديدة في الملف الفلسطيني الإسرائيلي، تقتصر فقط على التصدي لأعمال العنف والحيلولة دون التصعيد (De-Escalation).

يستطرد درشوفيتش في حديثه للصحيفة الأميركية قائلاً: quot;هدم جسر المغاربة، وتجميد أموال السلطة الفلسطينية لدى إسرائيل، وطرد 2.500 بدوي من المنطقة E1 المتاخمة لمستوطنة (معالي أدوميم)، وسنّ تشريع مناهض للديمقراطية في الكنيست، كانت كلها جزءاً من القضايا التي تلقى ديوان رئاسة الوزراء الإسرائيلي على خلفيتها شكاوى ورسائل تحذير عديدة من المجتمع الدولي خلال الأسابيع القليلة الماضية.

إذ إن الأميركيين والأوروبيين والمصريين والأردنيين، الذين يعكفون في الوقت الراهن على تهدئة الأوضاع ذات الصلة بالملف الفلسطيني الإسرائيلي، لم يتفهموا حقيقة موقف حكومة نتنياهو من تجميد الأموال الفلسطينية لدى إسرائيل، ورغم أن هؤلاء مارسوا ضغوطاً مستميتة على نتنياهو لمدة تزيد عن ثلاثين يوماً، إلا أن إحباطهم وصل إلى أقصى مداه، عندما سمعوا المرة تلو الأخرى مستشاري رئيس الوزراء الإسرائيلي المحامي (مولخو) والجنرال (يعقوب عاميدور) يؤكدان أن الحكومة الإسرائيلية ستُفرج عن أموال السلطة الفلسطينية المجمدة لديها، ولكن هذه الوعود تذهب سُدى، عندما تعلن إسرائيل أن نتنياهو عجز عن تمرير قرار في الثمانية الوزارية بالإفراج عن أموال الفلسطينيين، إلا أنه في نهاية المطاف صدر قرار بالإفراج عن تلك الأموالquot;.

ووفقاً للمحامي الأميركي المخضرم، إدعى نتنياهو أن تأخره في إصدار هذا القرار ينبع من رغبته في وقف المساعي الفلسطينية المبذولة إلى إعلان قيام دولة فلسطينية بشكل أحادي الجانب عبر الأمم المتحدة، إلا أن إدعاءات نتنياهو تتناقض مع علمه بنوايا محمود عباس بهذا الخصوص من البداية، إذ ابلغه الأميركيون والمستشار مولخو بنوايا عباس.

ويؤكد المحامي الأميركي أن سبب تأخر قرار نتنياهو يكمن في وزير خارجيته (أفيغدور ليبرمان)، إذ هاجم الأخير في أكثر من مناسبة تحويل أموال السلطة الفلسطينية، ونجح في ضم وزير المالية (يوفال شتاينتس) إلى جانبه، إضافة إلى تهديده بالانسحاب من ائتلافه الحكومي مع الليكود.

على خلفية هذا الموقف، نقلت الصحيفة الأميركية عن وزير بارز في الثمانية الوزارية الإسرائيلية قوله: quot;لا أعلم سرّ خوف نتنياهو من وزير خارجيته أفيغدور ليبرمان، فكأن الأخير يضع مسدساً على الطاولة، وسرعان ما يكتشف نتنياهو ووزراؤه أن مسدس ليبرمان لا يحتوي على طلقات نارية، والمشكلة أن نتنياهو يعلم ذلك جيداً، غير أنه يستجيب للضغوط بصورة مثيرة للدهشةquot;.

quot;موفد شخصي عن نتنياهوquot;

في حديثه مع الصحيفة عينها، يلمح المحامي الأميركي ndash; اليهودي درشوفيتش إلى زيارة مفاجئة، قام بها الرئيس الإسرائيلي شيمعون بيريز إلى عمّان للقاء الملك عبد الله الثاني، ويقول: quot;في هذه الزيارة كان بيريز موفداً شخصياً عن نتنياهو، فالرئيس الإسرائيلي، الذي توقف منذ فترة طويلة عن الإدلاء بأية تصريحات، توضح موقفه العلني من سياسة نتنياهو وحكومته، تحوّل إلى رجل رئيس الوزراء، ويزور الأردن حاملاً معه رسالة من نتنياهو، فبيريز الذي يعتبر رمزاً لدولة إسرائيل أمام العالم، زار عمّان من دون علم من ممثل إسرائيل لدى المملكة الهاشمية السفير (دانيال نيفو).

فقبل ساعات من وصول بيريز إلى الأردن، تلقى نيفو اتصالاً هاتفياً من القصر الملكي في عمّان، يستفسر فيه محدثه عن اعتزامه المشاركة في لقاء العاهل الأردني بمرافقة الرئيس الإسرائيلي، الذي سيحلّ ضيفاً على المملكة الهاشميةquot;.

إسرائيل اردت ان تكون زيارة بيريز سرية

وبحسب ما نقلته الصحيفة الأميركية عن المحامي الأميركي، أعرب السفير الإسرائيلي لدى عمّان عن بالغ أسفه، مؤكداً أنه لا يعلم بزيارة رئيس بلاده للأردن.

وفي الوقت الذي لم يحضر السفير الإسرائيلي، حضر اللقاء (آفي غيل) ممثل رجل الأعمال اليهودي الأميركي في إسرائيل (داني أبراهام)، وكان غيل يشغل في وقت سابق منصب مدير عام الخارجية الإسرائيلية، إلا أنه في الوقت الحاضر يعمل مستشاراً للشؤون الخارجية مع بيريز، ويرتكز دوره على تنسيق العلاقات مع مركز السلام في الولايات المتحدة، التابع لرجل الأعمال الأميركي اليهودي (داني أبراهام).

وربما كان بيريز ndash; بحسب المحامي الأميركي ndash; يأمل في أن تكون زيارته إلى الأردن سرّية، إلا أن العاهل الأردني لم يسمح بذلك، وفور مغادرة الرئيس الإسرائيلي للأراضي الأردنية، نشرت وكالة الأنباء الأردنية خبر زيارة بيريز، الأمر الذي لاقى استياء بالغاً من الدوائر السياسية في تل أبيب.

ونقلت الصحيفة الأميركية عن تلك الدوائر استهجانها: quot;ليس من اللائق أن يزور رئيس الدولة العبرية الأردن كـ quot;لصّ تحت جنح الظلامquot;، وأن تجري الزيارة من دون علم من سفير تل أبيب لدى عمّان، غير أن رد مكتب بيريز على تلك الانتقادات جاء كالآتي: quot;الرئيس الإسرائيلي يجري اتصالات، ويقيم علاقات متشعبة مع قادة دول العالم، بما في ذلك قادة دول مجاورة لإسرائيل، وإن زيارته إلى المملكة الهاشمية جرت بالتنسيق المباشر مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهوquot;.