الرئيس التونسي المنصف المرزوقي

في أبريل الماضي، وقف الرئيس التونسي الحالي المنصف المرزوقي أمام سفارة البحرين وقفة احتجاجية على ما أسماه القمع، لكنه في خطابه الرئاسي الأول، بعد تنصيبه رئيساً لتونس الجديدة، أثار التساؤلات بسبب تجاهله ذكر البحرين مع بقية الدول التي تشهد اضطرابات.


الرياض: ربما يتفق جميع الناس، بسيطهم وخبيرهم، على أن التعريف الأكثر شهرة وصدقية للسياسة، هي أنها لا صداقة ولا عداوة دائمة، وإنما مصالح دائمة، هذا ينطبق على المواقف من أي قضية، فلا شيء فيها ثابت، ويختلف باختلاف الزمان والمكان.

ذلك ما جسّده بالضبط الرئيس التونسي الجديد المنصف المرزوقي عملياً حينما مرّ في خطابه الرئاسي على العديد من الدول العربية، التي شهدت أو تشهد ثورات ضد أنظمتها.

المرزوقي دعا الله خلال خطابه أن يساعد شعبي اليمن وسوريا quot;الذين يواجهون السلاح بصدور عاريةquot;، وعرّج على ليبياً قائلاً إنهم سيستطيعون بالقوةنفسهاالتي أسقطوا بها معمّر القذافي، أن يعودوا ليأخذوا مكانهم بين جيرانهم، إلا أنه تجاهل البحرين، بعدما كان قاد مظاهرة أمام سفارة المنامة في أبريل الماضي، قال فيها إن الشعب البحريني ثائر، ويستحق الحرية.

وقال خلال تلك التظاهرة في تصريح شهير، إن هناك من يلعب بوتر الطائفية، وإن الشعب البحريني يستحق أن تكون له ممثلية في تونس، تمثل الشعب، وليس النظام، مضيفاً بأنه يتمنى أن يأتي يوم ليرى فيه كل السفارات العربية، وقد تحولت إلى ممثليات، بعد اتحاد فيدرالي بين الأقطار العربية.

هذان الحدثان يطرحان سؤالاً مهمًّا حول ما تغير في موقف المرزوقي، قبل وبعدما أصبح رئيسًا لأول الدول العربية الثائرة، وأول الرؤساء، الذين حملتهم رياح الربيع العربي إلى إثارة الكرسي.

حديث المرزوقي عن سوريا يحمل ولا شك موقفاً سياسياً، فبمجرد حديثه عن أن الشعب السوري يواجه السلاح بصدور عارية، يحمل تصريحاً واضحاً بموقف سياسي ضد النظام السوري، الذي لايزال يواصل حصد الناس بالعشرات يومياً في غالبية المحافظات السورية، وفي الموقف نفسهراح المرزوقي يصف اليمنيين بالطريقة نفسها، ثم عرّج على ليبيا وشعبها، الذي تفرّد في ثورته بسلاحه وحلف الناتو.

هذه المعطيات تعني بوضوح أكثر، أن المرزوقي لم يكن ناسياً أو متجاهلاً الاحتجاجات في البحرين، خصوصاً مع استحضار موقفه السابق بالوقفة أمام سفارتها، ما يعني أن كرسي الرئاسة فرض الكثير من التغيرات في رؤيته تجاه المنطقة، وخصوصاً بلدان الاضطرابات.

وبغضّ النظر عن فارق المكان والزمان بالنسبة إلى المرزوقي بين التصريحين، إلا أن ظروف المنطقة سياسياً واقتصادياً، فضلاً عن الاستقطاب الطائفي، لا يمكن أن يكون بمعزل عن هذه الرؤية، خصوصاً وأن كثيراً من الأخبار والتقارير تشير إلى أن إيران قد وجّهت غرباً نحو تونس، وبدأت في محاولة استمالة الإخوان، الذين استطاعوا الفوز بغالبية مقاعد المجلس التأسيسي التونسي.

وكان راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة، الفائز بانتخابات المجلس التأسيسي، قال في لقاء تلفزيوني على قناة دليل السعودية الخاصة، إنه لا يرى في إيران أكثر من بلد إسلامي، معتبراً أنه لا مكان quot;للصفويةquot; في تونس.

حديث الغنوشي يتماشى أيضاً وموقف المرزوقي في كونه تغيراً فرضته السياسة، فقبل أن يعتلي حزب الغنوشي قائمة الأحزاب الفائزة في تونس، كان الغنوشي أحد أقطاب المنادين بكبح جماح quot;التشييعquot;، الذي تقوده إيران، وتضامن الغنوشي مع الشيخ يوسف القرضاوي إبان الهجوم المتبادل بين الأخير ورجال دين وساسة إيرانيين على خلفية اتهام القرضاوي لإيران بنشر التشيّع وتفكيك المجتمعات السنية، حيث دافع فيه عن موقف القرضاوي ضد quot;التبشيرالشيعيquot;، الذي تمارسه إيران في المنطقة.

وأكد الغنوشي على صحة الحقائق التي كشفها القرضاوي عن محاولات التغلغل الإيراني في المجتمعات الإسلامية السنّية، بما يهدد وحدة الأمة ويحرك فيهاالفتن، واتهم الغنوشي في بيان طويل إيران quot;بتواطؤها مع العدوان الأميركي على العراق، وتعاونها مع قوات الاحتلال، لتدمير العراق واحتلاله، وأنها ظلت تمتنع لدى الأميركيين بهذا الجميلquot;.

وقال أيضاً quot;إن الإيرانيين استغلوا الشقاق بين الحركات الإسلامية السنية وبين النظم السياسية في العالم السني، من أجلال الترويج لمذهبهم أحيانًا بدعم من السلطات المحليةquot;.

ما يمكن استنتاجه من موقف الرجلين البارزين في تونس الجديدة هو أن الموقف من إيران حذر، يميل أكثر إلى عدم الثقة، فيما تمضي الاحتجاجات في البحرين إلى أن تحظى بإجماع شبه كامل في المحيط العربي الرسمي والشعبي، يرون من خلاله أن ما يحدث هناك لا ينفكّ عن نفس طائفي، تستفيد منه الجمهورية الإسلامية، بالضبط كما تستفيد من بقاء النظام السوري، الذي يقتل في اليوم الواحد أكثر مما قتل طوال 11 شهراً في احتجاجات البحرين، وهذا أمر يُسأل عنه القائمون على تسيير القطيعة بين النظام والمحتجين في البحرين، ذلك لأن كل المحتجّين من الطائفة الشيعية، وهو ما أحدث قطيعة طائفية بين السنة والشيعة، قد تزداد سوءاً بمرور الوقت، إذا بقيت الأمور كما هي عليه منذ الرابع عشر من فبراير الماضي.