كشفت السنة التي تتهيأ للانصرام معادن العديد من القادة العرب، فبرز منهم من آثر السلامة ومغادرة كرسي الحكم دون مزيد من سفك الدماء، فركب الطائرة، واتكل على الله، ومنهم من شعر أن من العبث الذهاب إلى القتل حتى النهاية مع شعب صمّم على التغيير والحياة الجديدة، والآن يحاكم في بلده، ومنهم من تعرض للحرق والقتل جراء ما اقترفت يداه من فظائع، ومنهم من أدخل كامل قوته العسكرية، واستغل الجيش الذي يفترض أن يكون حامي البلاد من هجوم خارجي، لا أداة لقمع الشعب.
أسطر هذه الكلمات ونحن في أواخر أيام هذه السنة، حيث فازت بعض الدول العربية بحريتها ومنها ما تنتظر لكنها مصممة على أخذ حقها من الغاصبين القتلة مهما غلت الأثمان
قبل ثمانية أشهر حيث كانت أحداث الثورة السورية في بداياتها رغم شراسة الأمن في وأد الانتفاضة في مهد الحراك الثوري السوري في درعا، انتظر أهالي الضحايا الأطفال، ومعهم باقي مكونات الشعب السوري بأن يخرج الرئيس بخطاب يعزّي فيه السوريين على المصاب الأليم الذي حل بسوريا جراء عنجهية الحل الأمني الذي لم يوفر حتى براءة الأطفال، فخرج الخطاب في ذلك اليوم المشؤوم عامياً بدلاً من أن يكحل، و لم يخرج من نطاق البعد الأمني في حل المشكلات التي استجدت على النظام السوري.
الأشد مضاضة كان موقف أعضاء البرلمان السوري وتحويل مهابة المجلس إلى سوق رخيصة للتصفيق، وإلقاء رديء الشعر، والأكثر إيلاماً من كل هذا كان قهقهات الرئيس بين التصفيقة والأخرى، وبين القومة الواحدة وهتافاتهم المتملقة والتي أوصلت quot; سيادة الرئيسquot; إلى درجة قدرته على قيادة العالم.
قهقهات سيادة الرئيس لم تكن في محلها للبتة، حيث كانت الجروح مازالت تنز دماً وألماً، وكأن الرئيس صدّق أن من حوله هم بالفعل ناس أوادم انتخبهم الشعب بكل حرية ولم يدخلوا المكان بناء على توصيات من أجهزة الأمن.
ولا يغفل أن الرئيس قد هدّد معارضيه بكل وضوح حينما ذكر استعداده للمعركةquot; إن أرادوهاquot; والقصد هو الشعب السوري، وأهل وسهل وهلل بها. والآن من المؤكد أن الرئيس قد وفى بوعده، وهاهي دباباته ومدافعه وجيشه تقتل العشرات من السوريين العزل كل يوم، وآخر إحصائية للأمم المتحدة تجاوز الـ خمسة آلاف مواطن سوري، والرقم الحقيقي غير الموثق أعلى بكثير، إضافة إلى آلاف المفقودين، ومعظم هؤلاء قتلوا، وأيضاً عشرات الآلاف من المهجرين في الداخل وفي عدد من دول الجوار.
في مسمعي قهقهات الرئيس الأسد، واليوم أرى كيف أن الكلمات تحبس، وتختنق في صدر الرئيس التونسي الجديد المنصف المرزوقي، والذي ألقى خطابه في برلمان بلاده أيضاً، ولكنه لم يستطع أن يكمل جملته وهو طبيب الأعصاب، فحينما تحدث عن الشهداء والجرحى والمعاقين الذين لولاهم- كم قال- لتعذر وجوده ووجود كل من كان في البرلمان لم يتمالك نفسه مما أثر في كل الحضور الذين وقفوا احتراماً لذكرى شهداء تونس العظيمة.
أعضاء البرلمان التونسي وقفوا إجلالاً لذكرى شهداء ثورتهم وأعضاء البرلمان السوري وقفوا تزلفاً وتملقاً، وربما خوفاً من بطش السلطان المستبد.
التوانسة بعد الانتهاء من الخطاب رددوا النشيد الوطني معاً، والسوريون قبل وأثناء وبعد الخطاب صفقوا وكأنهم في ملهى ليلي ومرقص لا مكان يفترض به المهابة لأنه quot; صوت الشعبquot;.
بعض التوانسة أشهروا معارضتهم لتعيين الرئيس الجديد، وكتبوا على أوراق عدم رضاهم بما حصل، بينما السوريون انخرطوا في دبكة البرلمان، ولم يظهر عضو برلمان واحد جريء يقول : لا للقتل، لا دك حرمات السوريين، لا لتدخل الجيش للدفاع عن النظام.
تحت قبة البرلمان الرئيس التونسي الجديد انفرطت أعصابه وهو طبيب الأعصاب، وتحت قبة البرلمان السوري الرئيس السوري لم تدمع عينه وهو طبيب العيون!!
- آخر تحديث :
التعليقات