يعتبر الدستور الدائم للعراق لعام الفين وخمسة أول دستور شرعي في العراق وفي العالم العربي تم الاستفتاء عليه بنزاهة من خلال عملية ديمقراطية اعترفت بها الامم المتحدة والمجتمع الدولي ونال نسبة ثمانين بالمائة من موافقة العراقيين، وتنص المادة الأولى من هذا الدستور على أن quot;جمهورية العراق دولةٌ اتحاديةٌ واحدةٌ مستقلةٌ ذات سيادة كاملةquot;، والاتحادية تعني الفيدرالية، ومنذ سنوات نؤكد وفي مناسبات عديدة على الضرورات الوطنية لالتزام الكيانات السياسية العراقية بالتطبيق الفعلي لهذه المادة المهمة في الدستور الدائم عن طريق تطبيق النظام الاتحادي أي الفيدرالي وتعميمه على المحافظات لاقامة الأقاليم وعدم حصره باقليم كردستان، لتميز هذا النظام الاداري الحديث بميزات عديدة تساعد على إقامة وإرساء حكومات محلية فعالة وقائمة على النهج الديمقراطي ومتسمة بالإدارة الناجحة لتحقيق مطالب المجموعات السكانية الممثلة لها حسب مناطقها ووحداتها الادارية والاقتصادية، والدستور الدائم هو الضامن الوحيد لإدارة الدولة العراقية الجديدة وفق اسس حديثة ومن هذه الاسس هي اقامة الاقاليم العراقية.

ومن يعيش بالواقع الراهن في بغداد والمحافظات يلاحظ شيوع وسيطرة الانتماء المناطقي في نفوس العراقيين، ويلمس بجدية دعوة البعض وبنسبة كبيرة لتعميم وتطبيق تجربة فيدرالية اقليم كردستان في بغداد وفي بقية المحافظات، ودعوة البعض الاخر الى اتحاد عدة محافظات لإقامة أقاليم عديدة شبيه بالإقليم الكردي.

واليوم تعلن محافظة ديالى التحول إلى إقليم مستقل، إداريًا واقتصاديًا، لتكون الثالثة بعد محافظتي صلاح الدين والأنبار التي تقرر تبني خيار الاقليم خلال شهرين، وبتفويض من غالبية اعضاء مجلس المحافظة التي يضم نسيجه السكاني خليطا مركبا من العرب والكرد والتركمان والمسيحيين ومن السنة والشيعة، وذلك احتجاجًا على تهميش الحكومة المركزية للمحافظة، والمجلس اعلن ارسال طلب بشأن اعلان اقليم ديالى الى مجلس الوزراء في بغداد لتحويله الى المفوضية العليا للانتخابات للقيام باستفتاء من قبل سكان المحافظة لاقرار الاقليم دستوريا وقانونيا.

وقبل اعلان اقليم ديالى، كان مجلس محافظة صلاح الدين ذات الغالبية السنية أعلن تحويل المحافظة الى إقليم مستقل إداريًا واقتصاديًا، وهذا الاعلان رفض من قبل رئيس الحكومة نوري المالكي ولكن رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي ونائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي اعتبرا أن مطلب تشكيل الإقليم حق دستوري ودعا إلى تنفيذه، وكما وقع ستة عشر عضوا من مجلس محافظة الأنبار من بين أعضائه التسعة والعشرين على وثيقة اعلان الأنبار اقليما مع طلب إجراء استفتاء شعبي من قبل السكان حول المطالبة بتحويل المحافظة الى اقليم مستقل.

ورغم ان المالكي قد حذر في وقت سابق من مطالب تشكيل أقاليم باستقلالية إدارية واقتصادية، ألا ان ربيع الاقاليم العراقية الذي تم اطلاقه لأول مرة باعلان اقليم صلاح الدين يعتبر المنطلق الأساسي لهذا الربيع العراقي الجديد لتشكيل الأقاليم، والحق الدستوري لاطلاق هذا الربيع وهذه الدعوات تسندها المادة 119 من الدستور الدائم التي تنص على quot;يحق لكل محافظة أو أكثر تكوين إقليم بناء على طلب بالاستفتاء عليه، يقدم بإحدى طريقتين: أولاً، طلب من ثلث الأعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الإقليم، وثانيًا: طلب من عشر الناخبين في كل محافظة من المحافظات التي تروم تكوين الإقليمquot;.

والحقيقة المشتركة التي نلمسها من دعوات اعلان الاقاليم للمحافظات الثلاث هي الاحساس العميق بتهميش المحافظة من قبل حكومة نوري المالكي والاحباط الشديد من الحاضر والتخوف من المستقبل، وكأن لسان الحال يقول عنهم ان مرارة الواقع المرير دفع بهم الى يأس شديد لا يحمل أي أمل بتحقيق اي تحسن أو تطور في ظل الأوضاع السيئة التي تعيشها تلك المحافظات في ظل النظام المركزي للسلطة التنفيذية في بغداد، وبينما الحكومة قبضت أكثر من ثمانين مليار دولار في ميزانيتها لهذا العام ولم يحدث أي تقدم أو تحسن في حياة العراقيين.

وبغض النظر عن الطروحات الجديدة لاعلان ربيع الاقاليم على الساحة العراقية فان فكرة الفيدرالية وأهميتها تعتبر رؤية سياسية حديثة وضرورة واقعية واستراتيجية للعراقيين لادارة الدولة على أساس اللامركزية لأنها توفر استقلالا اداريا واقتصاديا للمحافظات وللحكومات المحلية، وهي تعتبر الضامن الرئيسي لتحقيق التنمية والتطور للمجتمعات التي تسعى الى تحقيق العدالة والمساواة لجميع مكوناتها بعيدا عن المحاصصة والطائفية والتركيبة السياسية الفاشلة التي اشتركت فيها الأحزاب والكتل البرلمانية المشاركة بإدارة دفة الحكم في العراق بالواقع الراهن.

وضمن هذا السياق فإن تطبيق النظام الفيدرالي على المحافظات في الدولة العراقية وتحويلها الى أقاليم يساعد على تحقيق آمال وطموحات ومطالب كل المواطنين في المحافظات، وهو يعمل على انشاء التركيبة الإدارية والسياسية الناجحة في كل اقليم لضمان حقوق المجموعة السكانية حسب خصوصياتها وحاجاتها وضروراتها، ومن أهم ميزات الفيدرالية ضمان مشاركة جميع السكان في وضع السياسات العامة واتخاذ القرارات وإبداء الرأي والمشاركة في الأنشطة الخاصة بتحديد الأهداف النابعة من ضرورات الحاجة للاقليم المعني، وتأمين التوافق والانسجام والمساهمة في تحديد الاستراتيجيات والأهداف العامة، وتحقيق مطالب المجموعة في المعيشة وضمان تأمين الاحتياجات الأساسية في الحياة.

ودعما لهذا الطرح فان النظام الاتحادي يعمل على ارساء المرونة التامة في إدارة الحكومات المحلية وتدعيم العراق الفيدرالي بطريقة ايجابية، وهذا النظام يشكل الأساس المتين لبناء الدولة العراقية الحديثة لضمان وحدتها وسيادتها، وتلبية ضرورات الاحتياجات الحاضرة والمستقبلية لكل المكونات السكانية بالاقاليم في جميع المجالات الخدمية والادارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتجارية.

وانطلاقا من هذا المنظور فإن ربيع الاقاليم العراقية المنطلق من المحافظات صلاح الدين والأنبار وديالى، سيشكل الفرصة الذهبية أمام الدولة لتجاوز الأزمات والمشكلات التي تعاني منها الغالبية العظمى من العراقيين، ولاشك ان إرساء النموذج الفيدرالي للمحافظات سيعمل على ضمان الوحدة ومنع التقسيم والنهوض بالأمة لرسم عراق مشرق للحاضر وزاهر للمستقبل ومضمون للأجيال اللاحقة.

كاتب صحفي ndash; كردستان العراق
[email protected]