مواجهات بين محتجين عراقيين وقوات مكافحة الشغب

قال مختصون عراقيون خلال ورشة عمل نظّمها المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية في عمان تحت عنوان quot;قانون حظر البعث: رؤية نقديةquot;، إن الفكر الاستئصالي يحكم تاريخ العراق الحديث منذ تأسيس الدولة العراقية. وأكدوا أن النخب السياسية لم تع بعد فكرة القانون.


لندن: قال باحثون وسياسيون وقانونيون واكاديميون عراقيون، إن تاريخ العراق الحديث مستمر بالخضوع لحكم الفكر الاستئصالي بجميع اتجاهاته الشيوعية والبعثية والاسلامية. وأكدوا ان النخب السياسية العراقية لم تع بعد فكرة القانون فجميعها تتعامل مع القانون بوصفه أداة ووسيلة لغايات سياسية مباشرة وأنه ليس أكثر من سطر يكتبه القابضون على السلطة ويمحونه متى يشاؤون.

جاء ذلك خلال مناقشات ورشة عمل نظمها المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية في عمان تحت عنوان: quot;قانون حظر البعث: رؤية نقديةquot;، تمت خلالها مناقشة قانون حظر البعث والكيانات والاحزاب والانشطة العنصرية الارهابية والتكفيرية للحكومة العراقية. وتوصل الباحثون الى ان الفكر الاستئصالي يحكم تاريخ العراق الحديث منذ تأسيس الدولة العراقية لا نظريا فقط وإنما ممارسة أيضا في الخطاب السياسي والممارسة السياسية وتاريخ الدولة والسلطة .

واشاروا الى ان الامر بدأ مع حظر الحزب الشيوعي في العهد الملكي ثم تكرّس من خلال تاريخ جريان الدم في العراق منذ عام 1958 وحتى الان حيث لم يتم النظر إلى هذا التاريخ إلا من خلال فوهة بندقية أو استدارة حبل مشنقة ومن خلال زاوية الإيديولوجيا التي لا تؤمن إلا بأنها وحدها المالكة للحقيقة المطلقة وأنها وحدها القابضة على مشعل quot;الوطنيةquot;.

وقالوا انه لم يكن هناك فرق فيما إذا كان هذا الاستئصال يتم من خلال الشرطة السياسية ومشانق الساحات العامة عام 1949، أو من خلال الرفاق الثوريين والديماغوجيين وحبالهم quot;ماكو مؤامرة تصير والحبال موجودةquot;، أو الرفاق الثوريين اللاحقين من quot;الحرس القوميquot; من خلال عمليات القتل في معتقلات رسمية، أو الرفاق الثوريين من رجال الجهاز الخاص أو الأجهزة الأمنية المختلفة لاحقا أو من خلال المجاهدين الثوريين وميليشياتهم، كما انه لا فرق إذا ما تم ذلك بتواطؤ، معلن أو غير معلن، مع الدولة/ السلطة التي يفترض أنها المحتكر الوحيد للعنف أو من خلال قوانين وأنظمة وأوامر quot;شرعيةquot; تقررها الدولة/السلطة. واوضحوا انه لم يكن هناك فرق فيما اذا تم ذلك بتجريم الانتماء إلى الحزب الشيوعي أو إلى الحزب الإسلامي أو إلى حزب الدعوة وأخيرا حظر البعث.

واكد الباحثون ان النخب السياسية العراقية لم تع بعد فكرة القانون، ملكيين وجمهوريين، دكتاتوريين وديمقراطيين مفترضين، جميعهم تعاملوا مع القانون بوصفه أداة ووسيلة لغايات سياسية مباشرة، فهو ليس أكثر من سطر يكتبه القابضون على السلطة، ويمسحونه متى يشاؤون حيث إن هذه الصيغة كانت تعريف الرئيس السابق صدام حسين للقانون، ولكنها كانت ايضا تعبر عن وعي جماعي للنخب السياسية العراقية بطبيعة العلاقة بين السلطة والقانون.

ولاحظوا انه طوال السنوات اللاحقة للاحتلال الذي بدأ عام 2003 لم يعد حزب البعث العربي الاشتراكي يحضر في الخطاب السياسي في العراق إلا من خلال الأمر رقم واحد الذي أصدره بريمر في 16/5/2003، والذي حمل بالنسخة الرسمية باللغة العربية عنوان quot;تطهير المجتمع من حزب البعثquot;، ولكنه اشتهر من خلال مصطلح الاجتثاث. وكانت هناك محاولات واعية، أو غير واعية لعدم الإشارة إلى quot;البعثquot; بشكل مباشر عند الحديث عن الدور المحتمل لأعضائه في عمليات العنف واستبدال ذلك بمصطلحات مثل أيتام النظام، أو الصداميين وغيرها في محاولة لتأكيد انتهاء quot;البعثquot; رمزيا، حتى إن الدستور وفي المادة (7) تحدث عن حظر quot;البعث الصداميquot; وليس حزب البعث.

ولم يحضر باسمه الصريح إلا في الدعاية الانتخابية لعام 2005، وتحديداً من خلال تركيز الائتلاف العراقي الموحد على وصم منافسيه، وبالأخص إياد علاوي بوصمة quot;البعثيةquot;، ونتذكر جميعا الملصق الذي حمل جزءا من صورة علاوي وهي تكمل خلفية تحمل صورة صدام حسين.

واشاروا الى ان الوضع بدأ يتغير مع نهاية عام 2008 وكانت البداية من خلال تصريح رئيس الوزراء نوري المالكي بإمكانية التعامل مع quot;البعثquot; في إطار ما يسمى بالمصالحة الوطنية ولكن ردة الفعل التي واجهتها الدعوة quot;ائتلافياquot; ومحاولات تسويق رد الفعل شعبيا، دفع بالمالكي للعودة إلى موقف أكثر تشددا من quot;البعثquot; وquot;البعثيينquot; في هجوم مقابل سريع بهدف منع quot;المؤتلفينquot; معه من تسجيل أي نقطة محتملة ضده quot;شعبياquot; ومن ثم quot;انتخابياquot;.

وأضافوا ان وتيرة محاولة تسويق quot;فوبياquot; البعث صارت جزءا من الخطاب السياسي باتجاه تصاعدي وكانت لحظة الذروة في هذا التصعيد تفجيرات الأربعاء 19/8/2009 حين تم للمرة الأولى اتهام quot;البعثquot; بأنه وراء هذه العملية النوعية بحيث لم يعد quot;البعثquot; مجرد quot;عدوquot; مسلح قادر على تنفيذ عمليات نوعية ضد رموز سيادية وإنما صار عدوا قادرا على تغيير المعادلة السياسية في العراق quot;الجديدquot;.

ثم تناول الباحثون بالشرح قانون الهيئة الوطنية العليا للمساءلة والعدالة لاجتثاث البعث، واكدوا ان نصوصه تتعارض مع الدستور العراقي حيث ان من يقرأه يشعر بأنه يقرأ نصوصا لا صلة لها بالفصل الثاني من الدستور الذي يتحدث عن حقوق العراقيين وحرياتهم. وقالوا انه من الواضح أن الرغبة في الانتقام قد انعكست على ذهنية واضع المشروع فمن حيث المبدأ لا يجوز للقانون الذي يصدر لتنظيم ممارسة واحدة من الحريات الدستورية أن يصادر هذه الحريات أو أن يفرغها من مضمونها بحجة تنظيمها.

واوضحوا ان عبارات القانون فضفاضة المعنى بطريقة يستحيل معها على أية جهة قانونية ان تحدد ما يندرج تحتها، ومن ثم سيكون التأويل والتأويل المفرط أحيانا ولأغراض سياسية مباشرة، هو الحاسم في تطبيق أحكام هذا القانون المفترض، ومن خلال ذلك ستتمكن الحكومة واجهزتها من مواجهة خصومها السياسيين وغير السياسيين من استخدام هذا التأويل في الادعاء بأن ما يصدر عن أحزاب أو كتل سياسية او افراد، مخالف لأحكام هذا القانون وسوقهم إلى المحاكم بل وتوقيع العقوبة عليهم.

وجاء انعقاد ورشة العمل هذه متزامنا مع تفجر ازمة سياسية خطيرة في العراق، اعقبت مباشرة اكتمال الانسحاب الاميركي بعد نحو تسع سنوات من اجتياح البلاد لإسقاط نظام الرئيس السابق صدام حسين . فقد قررت القائمة العراقية السبت (82 نائبا من اصل 325) بزعامة رئيس الوزراء الاسبق اياد علاوي مقاطعة جلسات مجلسي النواب والحكومة التي دشنت اليوم الخميس عامها الثاني في الحكم.

وقد هدد رئيس الحكومة نوري المالكي امس باستبدال الوزراء المنتمين الى العراقية اذا واصلوا مقاطعة الحكومة ملمحا ايضا الى امكان تشكيل حكومة quot;اغلبية سياسيةquot;.

واليوم الخميس افاق العراقيون على اعنف تفجيرات تستهدف البلاد منذ اشهر، اوقعت 63 قتيلا و189 جريحا في اول سلسلة هجمات تهز البلاد منذ اكتمال الانسحاب العسكري الاميركي الاحد الماضي.