لا يزال مستقبل المرأة غير واضح في اليمن برغم التطورات التي طرأت، ورغم مشاركتهن في التظاهرات ليس فقط من أجل إسقاط نظام علي عبد الله صالح وإنما من أجل تغيير مسارات الأجيال اللاحقة من النساء اليمنيات.


بيروت:اليمنية أهلان مثنى تقود حشود المتظاهرين في مسيرات ضد الحكومة، الأمر الذي كان مستيحلاً على امرأة ان تقوم به منذ عام واحد فقط. اليوم، بات باستطاعتها أن تتكلم وتعبر عن رأيها، والرجال الذين لم يأخذوها على محمل الجد يستمعون الآن إلى أفكارها ويوافقونها الرأي، بعد ان انضموا اليها في الاحتجاجات المطالبة بالعدالة الاجتماعية.

لكن قبل بضعة أيام، تلقت مثنى صفعة أعادتها إلى الواقع، فالمستقبل الذي كانت تحلم به وتأمل بأن يتحقق بعد الثورة، بدا لها بعيد المنال إذ طُلب منها أثناء توجهها إلى اجتماع للمعارضة، أن تتوجه وغيرها من الناشطات للدخول من باب خلفي. ما ذكّر مثنى أن هناك العديد من المعوقات التي لا تزال تواجه المرأة في المجتمع اليمني المتغير.

بالنسبة لآلاف النساء، الانتفاضة التي استغرقت 11 شهر اًلم تهدف فقط إلى إسقاط الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الذي حكم البلاد طوال 33 عاماً. الهدف من الثورة بالنسبة لهن كان إعادة كسب العديد من الحريات الأساسية التي حرمن منها لعقود، وتغيير مسارات الأجيال اللاحقة من النساء اليمنيات.

صفق العالم لتطلعات النساء اليمنيات، ونالت الناشطة توكل كرمان جائزة نوبل للسلام لهذا العام وكانت أول امرأة عربية تحصل على هذا الشرف. لكن هذا لم يطمئن المرأة اليمنية التي تشعر في قلب هذا الصراع أن الثورة باتت رهينة ايدي القوات المتنافسة، من الجغرافيا السياسية إلى القوى الإقليمية، حتى الخوف من الارهاب.

استمرت الاحتجاجات يوم الأحد، بعد أن قتلت قوات الامن اليمنية ما لا يقل عن تسعة متظاهرين في العاصمة صنعاء. تظاهر الآلاف هناك، مطالبين باستقالة عبد ربه منصور هادي، نائب الرئيس على عبد الله صالح، الذي يقود حكومة الوحدة الوطنية الإنتقالية.

مثل عشرات الآلاف من المحتجين، شعرت المرأة اليمنية انها استبعدت من المرحلة الانتقالية، فاليمن الجديد يبدو شبيها جداً بالقديم، في ظل مخاوف من أن المكاسب الصغيرة التي تمكنت نساء اليمن من انتزاعها باتت مهددة بالزوال مجدداً.

في هذا السياق، نقلت صحيفة الـ quot;واشنطن بوستquot; عن مثنى قولها: quot;المرأة اليمنية تخشى أن يتم إقصاءها خارجاً بعد الثورة. نخشى أننا لن نشارك في العملية السياسيةquot;.

من بين جميع الدول العربية التي شهدت ثورات وحركات احتجاجية في السنة الماضية، يمكن القول أن اليمن الدولة الوحيدة التي كانت بحاجة لاكتساب الكثير والاستفادة من التغيير. تحت حكم صالح الاستبدادي، ابتليت اليمن بالقبلية والفساد والصراعات الداخلية وطموح انتشار تنظيم القاعدة في البلاد التي تعتبر الأكثر فقراً في المنطقة.

على الرغم من كل ذلك، بقيت اليمن الدولة الوحيدة من بين البلدان التي شهدت سقوط الحكام المستبدين، من دون أن تكتمل ثورتها وبقيت ناقصة حتى اليوم.

تقول إسراء محمود الطيب (19 عاماً) التي قتل والدتها عندما قصفت القوات الحكومية ساحة الحرية في وسط المدينة جنوب تعز الشهر الماضي: quot;العالم لم يقف معنا مثلما فعل مع شعوب مصر وتونس وليبياquot;.

ولدت كرمان الحائزة على جائزة نوبل في مدينة تعز، التي ربما تكون المكان المثالي للمرأة لتثور. هذه المدينة لديها تاريخ طويل من المقاومة، مدفوعة بمشاعر الغضب والاستياء تجاه صالح لتجاهله المنطقة لعقود من الزمن. على الرغم من أن اليمن يعاني من الأمية بين النساء تصل نسبتها إلى 60%، إضافة إلى تدني معدل التحاق الفتيات بالمدارس في الشرق الأوسط، إلا أن كثير من أسر تعز اصرت على تعليم الفتيات.

بوحي من النساء الناشطات في تونس ومصر، وتقديراً لكرمان، تتجه يومياً المئات من النساء إلى ساحة الحرية، النقطة المركزية لنشاط المعارضة، ترتدين العباءات السوداء التي تغطيهن من الرأس إلى أخمص القدمين، هاتفات لصالح بمغادرة البلاد.

المحامية نادية العامري (30 عاما) تتذكر كيف أن القضاة الذكور لم يعيروها اهتماماً ولم يأخذوا مرافعاتها القانونية على محمل الجد في قاعة المحكمة. أما الآن فينظرون اليها باحترام، رغم أنهم لا يعتبرونها حتى الآن مساوية لهم.

تشير بلقيس العبدلي، ناشطة يمنية ترتدي حجاباً زهري اللون، إلى أن النساء في اليمن خرجن في الاحتجاجات جنباً إلى جنب مع الرجال، ووقفن في مواجهة الرصاص مثلهم أيضاً، مضيفة: quot;كثير من الرجال ينظرون إلى المرأة الآن على أنها مواطنة حقيقيةquot;.

هذا التطور يمكن أن يعتبر نوعياً في اليمن، حيث كان ممنوعاً على المرأة ان تخرج من منزلها بدون مرافقة رجل. لكن على الرغم من هذا التقدم، لا تزال هناك العديد من العراقيل التي تقف في طريق المرأة نحو التحرر والحرية.

عندما قامت مجموعة من الناشطات، من ضمنهم مثنى، بالتوجه إلى القاهرة الشهر الماضي لحضور مؤتمر، أدركن أن طريق نضالهن طويل.

فيما تتحدث ناشطات من مصر وتونس وليبيا حول كيفية تعزيز حقوق المرأة وإشراكها في العملية السياسية في عالم ما بعد الدكتاتورية، شعرت المرأة اليمنية بأنها غير قادرة على المشاركة في هذا النقاش إلا من خلال تحقيق إصلاح شامل للنظام السياسي في اليمن.

ينص الدستور اليمني على المساواة في الحقوق لجميع اليمنيين. لكن في الواقع، يبقى للعادات القبلية المحافظة الغلبة على المدونات القانونية، فالمرأة لا رأي لها في مسائل الزواج والميراث والطلاق وحضانة الأطفال، كما أنها ليست محمية ضد العنف المنزلي.

تم استبعاد المرأة اليمنية تاريخياً من الحياة العامة، ونادراً ما تشارك في السياسة أو الأعمال التجارية، كما انها مرغمة على ارتداء العباءة السوداء والحجاب.

ما يقدر بـ 14 في المئة من الفتيات اليمنيات ترغمن على الزواج قبل سن 15 عاماً، وبعضهن يتم تزويجهن في سن الثامنة، وفقاً للارقام الصادرة عن الأمم المتحدة والحكومة اليمنية.

وتخشى بعض النساء اليمنيات من تزايد نفوذ الاسلاميين في بلادهن، مثلما فعلوا في الانتخابات الأخيرة في تونس ومصر، إذ يشكل الإسلاميون الكتلة الأقوى في المعارضة اليمنية. وعلى الرغم من وجود عدد من المعتدلين، إلا أن المحافظين المتشددين يتمتعون بنفوذ قوي في البلاد.

تقول أفنان ياسين الاغبري (23 عاما) طالبة جامعية سلفية، انها تشعر بالتهديد من قبل الثورة والقيم التي تاتي بها quot;مثل اختلاط النساء والرجالquot;، وتطمح إلى جهة إسلامية محافظة تحكم اليمن لأن quot;تعاليم الإسلام لا تطبق اليوم بالشكل الصحيحquot;.

أعطيت المرأة اليمنية تمثيلاً خجولاً في المجلس الوطني للمعارضة التي شكلت لتكون بمثابة حكومة انتقالية حتى تشكيل الحكومة المنتظرة. من بين 35 وزيراً في حكومة الوحدة الوطنية الانتقالية، لا توجد سوى ثلاث نساء، اياً منهن لا تحمل حقيبة بارزة.

تقول دلال بداني (24 عاماً): quot;أين ثورتنا الآن؟ كنا على وشك أن نحقق أحلامنا، لكن المعارضة والحزب الحاكم قسموا السلطة وعدنا إلى المربع الاولquot;. وختمت اليمنية الشابة التي ترتدي حجاباً ملوناً وتضع قرطاً في أنفها: quot;نحتاج إلى العديد من الثورات في اليمنquot;.