في الجزء الثاني من إستطلاع quot;إيلافquot; نتعرف إلى آراء كتاب وصحافيين لبنانيين في ثورة 25 يناير المصرية، والمشترك والمختلف بين ثورة الضباط الأحرار المصرية في 1952 وثورة 25 يناير 2011 . وإذا ما كانت ثورة شباب فايسبوك، قد شكلت لحظة quot;القطعquot; التاريخي مع ثورة الضباط الأحرار. وهل ملأت الفراغ الذي حاولت أن تشغله الثورة الإيرانية بقيادة الخميني وغيرها من المحاور.


ثورة 25 يناير المصرية بعثت الحلم بمستقبل أفضل لملايين العرب
بيروت: أجمع عدد من الكتاب اللبنانيين على أن ثورة 25 يناير، افتتحت حقبة تاريخية جديدة بالكامل، وبغضّ النظر عن تعرّج مسارات هذه الثورة، والصعوبات التي ستواجهها، فمن المؤكد أنها قد ولدت حلمًا بمستقبل أفضل، وشكلت الحدّ الفاصل بين الموت والحياة بالنسبة إلى الملايين من أبناء البلاد العربية.

وكانت quot;إيلافquot; استطلعت آراء عدد من الصحافين والكتاب السياسين اللبنانيين حول المشترك والمختلف بين ثورة الضباط الأحرار في العام 1952 وثورة 25 يناير 2011. واذا ما كانت ثورة شباب فايسبوك في مصر، قد شكلت لحظة quot;القطعquot; التاريخي مع ثورة الضباط الأحرار. وما إذا كانت ثورة 25 يناير قد ملأت الفراغ الذي حاولت أن تشغله الثورة الإيرانية في المنطقة العربية، بعدما فشلت ثورة 1952 الناصرية في تحقيق أهدافها التاريخية في التحرير والتنمية والديقراطية للشعوب العربية؟.

يؤكد الصحافي في جريدة المستقبل سليمان الرياشي أن ثورة عبد الناصر في العام 1952 كانت ثورة مركبة ضد بقايا الإستعمار المباشر وتبنّي الايديولوجية القومية، بما فيها تأميم قناة السويس، ودعم الثورة الجزائرية ومواجهة اسرائيل. ومن ثم كان لها وجه تنموي، شمل الإصلاح الزراعي وحركة التصنيع وبناء السد العالي، وتوفير التعليم الإلزامي المجاني، وما يتبعه من زجّ ملايين المصريين، وخصوصاً الفلاحين في الحياة السياسية والإجتماعية. بينما تميزت الثورة الحالية بالتركيز على الداخل المصري وبشكل محدد تعديل الدستور والإصلاحات وإسقاط الرئيس.

ويعتبر الرياشي أن هذا التمايز بين الثورتين لا يشكل حالة quot;قطعquot; تاريخي بينهما لأن المهمات نفسها لا تزال مطروحة، لكن يمكن القول إن القطع قد حصل في الجانب السياسي، حيث كان هناك شبه وصاية على الجماهير المصرية إبان ثورة عبد الناصر، ويبدو الجديد الآن في الثورة الشعبية الحالية إستقلاليتها، وسيكون هناك تحد كبير أمامها في إثبات ديمومة هذه الإستقلالية.

ويضيف الرياشي quot;كل ما يمكن تأكيده في اللحظة الحالية هو أن مصر أمام مرحلة لا يمكن الجزم بإتجاهها النهائي، لكن وبكل الأحوال لن يكون هناك أي عودة الى الوراء، بل أمام ضغط شعبي من جهة، وعمل تشريعي ونظامي يشرف عليه المجلس الأعلى للجيش المصري من جهة أخرى، دون نسيان تقيد مصر بإتفاقيات كامب ديفيد وإعلان السلطة الجديدة إستمرار إلتزامها بالإتفاقيات والمعاهدات التي وقعها النظام السابقquot;.

ويبقى الكلام برأي الرياشي حول ملء ثورة 25 يناير المصرية الفراغ الذي شغلته الثورة الإيرانية في المنطقة العربية سابقًا لأوانه، لأنه لم تتضح حتى الآن الأهداف القومية للثورة الشعبية المصرية الجديدة وعلاقاتها بجوارها وموقف مصر النهائي حيال الإتفاقيات والمعاهدات التي وقعها النظام السابق، وهو ما سيكون مرهونًا بالدينامية التي ستفجرها هذه الثورة داخل وخارج مصر.

يلفت الرياشي الى أن الثورة الايرانية هي ثورة مركبة أيضا بمعنى من المعاني، بسبب ربطها بين النضال ضد الاجنبي (بريطانيا والولايات المتحدة الاميركية) وعملية التحرر الاجتماعي، ولكن لم يتضح برنامجها الاجتماعي حتى الآن، وما زال يطغى عليها الوجه الريعي الذي يغذي سياسة شعبوية، تحاول ان تأخذ منحى تبشيريًا في محيطها والعربي منه على وجه الخصوص .

من جهته، يؤكد الكاتب والصحافي سعد محيو أن ثورة 25 يناير، هي ثورة شعبية بقيادة الشبان الذين استطاعوا تعبئة المجتمع لتحقيق أهداف هذه الثورة، التي كانت ولا تزال وستستمر ثورة المواطنة، اي الفرد وتحرره وتثبيت حقوق الإنسان والحريات المدنية، بينما كانت ثورة 1952 على يد الضباط الأحرار كإنقلاب عسكري بداية، وتحول لاحقاً الى ثورة تحديثية من ناحية (اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا) وتحررية من ناحية اخرى في مواجهة الاحتلال البريطاني والاسرائيلي، وفشلت في تحرير فلسطين رغم نجاحها في تحرير الجزائر واليمن ودعم بعض حركات التحرر في الدول العربية.
لكن مسألة الحريات والديمقراطية السياسية غابت عنها،وهو ما شكل خطأ تلك الثورة، وبالتالي سيكون على ثورة 25 يناير أن لا تسقط التحديث الاقتصادي المبني على أسس العدالة الاجتماعية، وبذلك يتم تأمين التكامل بين الثورتين من وجهة النظر التاريخية.

ويوضح محيو أن الوجه التحديثي الأول الذي يجب أن تحققه ثورة 25 يناير، هو بناء نظام سياسي ديمقراطي، لكن ذلك سيكون هشاً ما لم يستند الى تطوير اقتصادي في مجالات الصناعة والزراعة وتكنولوجيا المعلومات، وتصفية الحساب مع الليبرالية الإقتصادية quot;المتوحشةquot; التي بدأت في العام 1999 وتحويل إقتصاد مصر الى اقتصاد quot;كازينوquot; أي المضاربات العقارية والمالية والمصرفية في جو من الفساد والرشاوى والإثراء غير المشروع، وبالتالي فإن ثورة المواطنة ستكون بحاجة الى برنامج اقتصادي اجتماعي يؤمّن لمصر مسلكًا آمنًا في مسارات العولمة الصعبة، وهنا يمكن الإقتداء بنموذج تركيا والنمور الآسيوية.

ويعتبر محيو الثورة الإيرانية تحديثية وتحررية كما كانت ثورة 1952 المصرية رغم الفارق الايديولوجي والثقافي والديني بينهما، وتحاول ان تشق طريقا مستقلا لإيران، لكنها اتجهت نحو نظام سلطوي أقل تركيزاً على مسألة الديمقراطية، وأدى بها الى مأزق تأرجحها بين أن تكون دولة ديمقراطية أو الإستناد الى ولاية الفقيه، وهو ما لم يكن معضلة في ظل شخصية الخميني الكاريزماتية، لكن الثورة الإيرانية باتت الآن امام مفترق طرق كي تحسم أمرها بين أن تكون دولة ديمقراطية كاملة أو ثيوقراطية كاملة، ويتوقع محيو أن تتجه إيران نحو التأثر بثورة المواطنة والديمقراطية المندلعة في الوطن العربي .

محيو يشير إلى quot;أن التأثير الفوري لثورة تونس في باقي الساحات العربية، أسقط كل النظريات التي تحدثت عن موت الأمة العربية، وأثبت انها لا تزال حية وقادرة على الفعل التاريخي، وهو ما قد يؤدي الى بناء شرق أوسط جديد عربي ndash; تركي ndash; ايراني، يقوم على أسس جديدة، هي المواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ويكون مستقبل اسرائيل فيها مظلما جداquot;.

في الإطار نفسه، يدعو الكاتب السياسي في جريدتي الحياة والسفير احمد جابر الى الحذر في استعمال مصطلح ثورة بالنسبة إلى الحركة الشبابية المصرية، التي تبقى كي يصح عليها هذا الوصف، بحاجة إلى إعلان تصور فكري وبرامجي، وتشكيل بنية تنظيمية، والإستناد الى قاعدة شعبية واضحة، وبالتالي تشكيل بديل للسلطة القائمة.

ويضيف جابر بأنه يمكن القول إن هناك حركة شبابية انطلقت من تنظيم إفتراضي quot;فايسبوكquot; بسبب القمع الذي واجهه الشعب المصري، وهي حركة تكونت في الميدان، وتبقى حركة شعبية بإمتياز، إلتحقت بها قوى إجتماعية عديدة، وتشكل مفصلاً تاريخياً في حياة مصر، كما كانت حركة الضباط الاحرار في العام 1952 وافتتحت حقبة جديدة، يرتبط إتجاهها الإيجابي بتبلور قيادتها وبرنامجها ومطالبها.
لكنه من المؤكد أنها قد ولدت الأمل بنهوض عربي متجدد، خصوصاً أنها حركة مسرحها مصر ذات الموقع القائد في محيطها العربي، والتي تفيض دائمًا عن حدودها، وتفتح الحركة الشبابية والشعبية التي قامت الطريق أمام مصر نحو العودة التدريجية الى ساحة الفعل العربي.

ويلفت جابر الى ان الثورة الإيرانية بعدما فشلت في الداخل على مستوى الحريات وبناء العدالة الاجتماعية وانفتاح ايران على العالم، بدأت تبحث عن دور اقليمي لتجميع الأوراق من أجل الاستقواء بها، ومما شجعها على ذلك ضعف النظام العربي العام، لكن من المؤكد انها باتت النموذج الذي لا يلهم أحدًا لأنها تستلهم الاستبداد والانغلاق عن العالم، والفتوى والخرافة.