تسأل quot;إيلافquot; صحافيين وكتابا من لبنان عن المشترك والمختلف بين ثورة الضباط الأحرار المصريّة في 1952 وثورة 25 يناير 2011 . وإذا ما كانت ثورة شباب فايسبوك ، قد شكلت لحظة quot;القطعquot; التاريخي مع ثورة الضباط الأحرار. وهل ملأت الفراغ الذي حاولت أن تشغله الثورة الإيرانية بقيادة الخميني وغيرها من المحاور.


بيروت: يتواصل تلقي المنطقة العربية الهزات الارتدادية، للثورة التي اشتعلت مع اندلاع النار في جسد بائع الخضار التونسي محمد البوعزيزي، والتي سرعان ما امتدت في هشيم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمعيشية للشعوب العربية، بدءا بتونس ومرورا بمصر والآن في ليبيا ووصولا الى التظاهرات المندلعة في اليمن والبحرين والمغرب والعراق.

ولكن الحدث الزلزالي الأكبر، هو الانتصار الذي حققته الثورة البيضاء للشباب المصري، والتي تشبه بأهميتها التاريخية ثورة الضباط الاحرار في العام 1952 ، لجهة المدى الهائل للانعكاسات التي ستولدها على مجمل الاوضاع الجيواستراتيجية للمنطقة العربية والشرق الاوسط .

سألت quot;ايلافquot; عددا من الصحافيين والكتاب السياسيين اللبنانيين حول المشترك والمختلف بين ثورة الضباط الاحرار في العام 1952 وثورة 25 يناير 2011 . واذا ما كانت ثورة شباب فايسبوك في مصر، قد شكلت لحظة quot;القطعquot; التاريخي مع ثورة الضباط الاحرار. وهل ملأت ثورة 25 يناير الفراغ الذي حاولت أن تشغله الثورة الايرانية بقيادة الخميني في العام 1979 في المنطقة العربية، بعد ان فشلت ثورة 1952 الناصرية في تحقيق اهدافها التاريخية في التحرير والتنمية والديمقراطية للشعوب العربية؟

وتجمع باقة الكتاب الذين تم اللقاء بهم على ان ثورة 25 يناير، افتتحت حقبة تاريخية جديدة بالكامل، وبغض النظر عن تعرج مسارات هذه الثورة، والصعوبات التي ستواجهها، ولكنها من المؤكد انها قد ولدت حلما بمستقبل افضل، بل وشكلت الحد الفاصل بين الموت والحياة بالنسبة للملايين من ابناء البلاد العربية.

يعتبرالكاتب السياسي في جريدة المستقبل ميشال نوفل بأن ما شهدته مصر، هو ثورة حقيقية قادها شباب مثقف، واستقطبت لاحقا كل فئات الشعب، وبالتالي فإن جذورها ستكون راسخة بسبب قاعدتها العريضة، وخصوصا ان الجيش المصري هو جيش وطني، ودوره يشبه الجيش التركي كضمانة لاستقرار الدولة، وتنفيذ أهداف المرحلة الانتقالية ( تعديل الدستور، إلغاء حالة الطوارئ، حل مجلسي الشعب والشورى، ...) والجديد الذي تقدمه ثورة 25 يناير، هو انها ليست انقلابا عسكريا كثورة 1952 ، بل نموذج لثورة شعبية استخدمت فيها تقنيات الاتصالات الاجتماعية الحديثة عبر الانترنت، اي ما يمكن اعتباره نمطا جديدا في التنظيم والقيادة والوصل والربط والتقنية، وبسبب هذه الميزة الجديدة، فان جمهور الاحزاب التقليدية لم يستوعبها وانضم اليها لاحقا.

ويرى نوفل ان التسارع الهائل في تداعيات الثورتين التونسية والمصرية، يعود الى النظام الامني الواحد والمترابط في دول المنطقة، وبالتالي فإنها باتت أمام المسار الناجم عن اصطدام كتلتين كبيرتين الاولى تتشكل من الانظمة الامنية المتشابهة، والثانية كتلة اخرى من الشباب والتي تمثل غالبية الشعب، وبات لديها وعيها ومطالبها ومنظومة القيادة والتنظيم والتعبئة الحديثة الخاصة بها.

أمين قمورية: ثورة الشباب المصريّ في يناير 2011 تختلف عن ثورة الضباط الأحرار في 1925

ويؤكد نوفل ان الثورة المصرية ستكون اقرب الى النموذج التركي في التحول من النموذج الايراني الذي ما زال يراوح في دائرة النظام الامني، بعد تجربة هائلة لرئيس الجمهورية السابق محمد خاتمي في الانفتاح والديمقراطية وإطلاق الحريات، وتجربة اخرى للمحافظين في ايران قطعت عليها الطريق، واصبحت بالتالي امام مفترق طرق للحسم بين الشرعية الدينية quot;المنزلةquot; واصحابها الذين يرفضون اي نقاش، ويعتبرون الاساس والشرعية الشعبية الآتية من الانتخابات الديمقراطية الحقيقية، حيث إن عدم حل هذه الاشكالية، هو الذي يقف وراء الازمة الراهنة التي دخلها النظام في ايران.

ويعتقد نوفل أنه لابد من ان يجد العرب والايرانيون مستقبلا آلية لضبط العلاقات في ما بينهم، وأقله من اجل ضبط الخلافات قبل معرفة كيفية حلها، لأن مصيرهم المشترك هو اللقاء وان يكون التنافس في ما بينهم ايجابيا، وعدم إعطاء القوى الخارجية الاخرى فرصة الاستفادة من التناقضات الموجودة بينهم.

يقول الكاتب في جريدة النهار أمين قمورية إن الثورة الحالية للشعب المصري، لا تشبه أيا من الثورات السابقة، ولاول مرة في التاريخ نحن أمام حركة شعبية، وثورة بيضاء لا قائد لها ولا محرك ولا احزاب او خلايا ثورية، سوى الناس التي نزلوا لتفجر غضبهم، بينما كانت ثورة عبد الناصر في العام 1952 ، قد بدأت بعمل ثوري أخذ شكل الانقلاب العسكري، بسبب الظروف والضغوط الكبيرة كإعلان دولة اسرائيل في العام 1948 ، والنكبة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني اثر ذلك وفساد الملكية.

ويضيف قمورية ان الاهمية الخاصة لثورة مصر، تنبع من كون مصر دولة كبيرة وقائدة لمحيطها، وبالتالي فان ارتدادات الثورة الحالية ستكون كبيرة جدا (ارتفاع وتيرة التحركات في العديد من البلدان الغربية) وهي أشبه ما تكون بالمصعد الذي يرفع ما حوله، وعنما يتوقف او يهبط يصبح المجال واسعا للآخرين من أجل اللعب في الساحة العربية، وهو ما ثبت عندما أحدثت ثورة 1952 تغيرا شاملا في مصر والمنطقة على مستوى التنمية ومواجهة الاستعمار، والفعل العكسي الذي ولدته الثورة المضادة التي قادها السادات، و بدأها بزيارته لإسرائيل عام 1978 والتي جعلت اسرائيل في وقت لاحق، تحتل اول عاصمة عربية (بيروت) وتحتل الولايات المتحدة الاميركية العراق، ويقسم السودان وتبدد القضية الفلسطينية.

ويعيد قمورية نجاح الثورتين التونسية والمصرية الى النسيج الاجتماعي الموحد في البلدين، حيث سيعطي نجاح الشباب الذين قاموا بالثورة فيهما الثقة للشباب على امتداد الوطن العربي، للقيام بالشيء نفسه أي تحولهما الى قدوة في هذا المجال، على الرغم من أن الثورتين ستواجهان الكثير من العقبات تحت ضغط الظروف الداخلية والخارجية، وعلى كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ويوضح قمورية قائلا : quot; ان الثورة الايرانية ما كان لها لتشغل دورا في المنطقة العربية لو لم تكن مصر غائبة، ولكن على الرغم من ذلك فان اسرائيل تبقى هي المشكلة الكبرى وعاشت على التناقض بين دول الطوق ودول الاطراف التي كان لها علاقات مع ايران وتركيا، وكانت المفارقة هي خروج مصر من الصراع مع اسرائيل، عندما كانت ايران وتركيا تدخلان اليه.

ويشير إلى أن إيران تعيش الآن أزمة التغير داخل النظام، أي تغير وجه السلطة وبالتالي عدم تغير الخيارات السياسية الكبرى، حيث ستبقى القضية الفلسطينية من اهم اولوياتها، لان العكس يعني نزع الشرعية عن النظام نفسه، ويبدو كلام المعارضين فيها واضحا لجهة التأكيد على إسقاط الفساد وليس تغير الخيارات السياسية الأساسية للثورة الايرانية.

ويقول الصحافي في قناة quot;العالمquot; فيصل عبد الساتر بانه لايصح مبدأ الاسقاط لصفات التشابه بين ثورتي 1952 وثورة 25 يناير 2011 المصريتين، كما لا يصح القطع بالكامل بينهما، لأن الشعب نفسه هو من قام بالثورتين، حيث وبالحد الادنى ستكون ثورة 1952 الناصرية حاضرة على مستوى التجربة السياسية، ولكن الفارق الاساسي بين الثورتين، سيبقى في ان الاولى قامت بها مجموعة من القادة العسكريين، وامسكوا بالسلطة وانهوا النظام الملكي، واختاروا من بينهم الشخصية المناسبة لتلك المرحلة.

فيصل عبد الساتر: يوجد اختلاف في المنطلقات بين الثورة الايرانية والثورتين المصريتين القديمة والحديثة

وقد أطلقت حينها تلك الثورة زخما شعبيا كبيرا، وتداعيات أدت الى إطلاق ثورات وتغير أنظمة، بينما غاب في الثورة الحالية القائد الكاريزمي، وحل مكانه مجلس الامناء أو الحكماء، اي ان كل شيء حضر بعد ان اندلعت الثورة، وليس قبل ذلك، اضافة لسرعة اندلاعها وانتصارها وانتشارها في طول العالم العربي وعرضه، بعد ان طفح كيل الشعوب العربية، اضافة الى دخول الاعلام كجيش اضافي، يساعد في التأثير من أجل حسم المعركة في وقت مبكر وسريع والذي بات بامكانه التحكم بالصورة وصناعتها وتقديمها.

ويلفت عبد الساتر إلى ان ما يحصل في المنطقة، هو خارج سياق السياسة الاميركية والاسرائيلية، ويضيف القول ان ثورة 25 يناير، ستعيد الى مصر دورها التاريخي في التقريب بين المذاهب الاسلامية من الناحية الفقهية، على الرغم من اختلاف منطلقات الثورة الايرانية عن الثورتين المصريتين القديمة والحديثة، وتطلق مسار التقارب بين مصر وايران من جهة، ومصر وتركيا من جهة اخرى، وبالتالي عودة الحياة الى مثلث الشرق الاوسط العربي ndash; الإيراني - التركي.

ويلفت عبد الساتر الى ان الثورة الايرانية، تتميز بالزخم الشعبي الذي كان يشتد بفعل تساقط الشهداء، ويجعل علاقة الشعب الايراني بقيادته المتمثلة بالخميني اكثر قوة واندفاعة، نحو اسقاط الشاه الذي وضعه الخميني هدفا وحيدا لحسم عملية انتصار الثورة.