تقول تقارير جديدة إن ثورة مصر كشفت عن وجه آخر للأخوان المسلمين من حيث نظرتهم للعديد من القضايا.


اعتبرت تقارير جديدة أن الثورة المصرية التي نجحت في الإطاحة مؤخراً بنظام الرئيس السابق، حسني مبارك، قد كشفت عن وجه آخر لجماعة الإخوان المسلمين، مختلف ومغاير للصورة النمطية المألوفة والمعروفة عن الجماعة.

معاذ عبد الكريم

ودلّلت صحيفة quot;وول ستريت جورنالquot; الأميركية على ذلك بشخصية الشاب معاذ عبد الكريم، الذي يبلغ من العمر 29 عاماً، وكان من بين مجموعة من الناشطين الشبان الذين أعدّوا لتلك التظاهرات التي شهدتها القاهرة مؤخراً. ورأت الصحيفة الأميركية أنه يُمثِّل الوجه الأحدث للإخوان المسلمين، من منطلق أن رؤاه السياسية بشأن حقوق المرأة، والحرية الدينية، والتعددية السياسية تتناغم مع القيم الديمقراطية الغربية. وأوضحت أنه يصب تركيزه على النضال من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر.

ثم عقَّبت الصحيفة بقولها إن الوجه الآخر للجماعة يتمثل في شخصية محمد بديع، المرشد الحالي للإخوان، الذي يبلغ من العمر 66 عاماً وينتمي للجناح المحافظ في الجماعة. وقد تعهد مؤخراً بأن يستمروا في رفع شعار الجهاد ضد اليهود، الذين يصورهم بأنهم أعداء الجماعة أولاً وأخيراً. كما نوهت الصحيفة إلى مواقفه التي انتقد من خلالها الامبريالية الأميركية، والدعوات التي أطلقها للمطالبة بإقامة دولة إسلامية.

وتابعت الصحيفة بلفتها إلى أن الجماعة أضحت على وشك الاضطلاع بدور متنامي في الحياة السياسية في البلاد، بعد أن أعلن الرئيس مبارك عن تنحيه من منصبه يوم الجمعة الماضي، وسط انتفاضة شعبية هي الأكثر دراماتيكية في المنطقة منذ اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979. لكن التساؤل الذي يلح على كثيرين الآن هو المتعلق بأي الوجهين الذي ستظهر من خلاله الجماعة في المشهد السياسي مستقبلاً.

فهناك الفريق الذي ينتمي إليه عبد الكريم، وغيره من الأشخاص الذين يصغرونه في السن، وساهموا بدور محوري في تنظيم التظاهرات التي بدأت في الخامس والعشرين من شهر كانون الثاني/ يناير الماضي. وهناك أيضاً الحرس القديم المعادي للغرب والذي يعتبر أكثر تحفظاً، ومازال يشكل حتى الآن الجزء الأكبر من قيادات الجماعة.
ورغم إعلان الجماعة عن أنها لن تخوض انتخابات الرئاسة المقبلة، في محاولة من جانبها لتهدئة المخاوف من احتمالية أن تستولي على السلطة، إلا أن المصريين والأجانب مازالوا يشعرون بالقلق. وأرجعت الصحيفة ذلك إلى أنهم غير متأكدين من الطريقة التي ستُسَخِّر من خلالها الجماعة في نهاية المطاف أية مكاسب سياسية مكتشفة حديثاً وما إن كان جناحها الأكثر اعتدالاً هو من سيحظى بالنفوذ الدائم.

من جهته، قال جوش ستيشر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية كينت، الذي قضى سنوات في مصر لدراسة الإخوان quot;لم يسبق أن اتضحت الصورة تماماً بشأن أجندة الإخوان. فهي جماعة كبيرة، ويوجد بها الكثير من وجهات النظر المختلفة. ويمكنك أن ترى هناك ثمة شخص مشغول على الدوام بإسرائيل، ثم ترى أشخاصاً آخرين لا يكترثون بإسرائيل، لأنهم منشغلون تماماً برفع معدلات معرفة القراءة والكتابةquot;.

وتخشى إسرائيل، التي تشترك في حدود طويلة وسهلة الاختراق مع مصر، من أنه إذا ما نجح جناح الإخوان المعتدل في التواجد ndash; وهو ما يُشكِّك بشأنه كثيرون من قادة إسرائيل، فإن التيارات الأكثر تطرفاً داخل التنظيم من الممكن أن تتصدى له في المستقبل.

ونقلت الصحيفة في هذا الشأن عن مسؤول إسرائيلي رفيع، قوله: quot;إذا وصلت جماعة الإخوان إلى السلطة، عن طريق الانتخابات أو بطريقة أخرى، فإن هذا سيُعَد تكراراً لما حدث في إيران عام 1979. وإننا إذ ننظر بحذر شديد إلى ما يحدث في مصر الآنquot;.

وفي وقت التزمت فيه واشنطن بسياسة الانتظار لترى ما ستؤول إليه الأحداث ومتغيرات الوضع في مصر خلال الفترة المقبلة، قالت الصحيفة إن الجماعة تعاني من انقسامات بين الجيل الصغير والجيل القديم، بين الإصلاحيين والمتشددين. وأوضحت أن الجماعة تضم ساسة يجيدون فن إبرام الصفقات، وكذلك مجموعة من الدعاة القرويين المحافظين الذين يتجنبون الخوض في السياسة من أجل التبشير بالإسلام.

وفي غضون ذلك، رأت الصحيفة أن التحالف التاريخي الذي أبرمه الجناح الواقعي للجماعة خلال السنوات الأخيرة مع نشطاء المعارضة العلمانيين، والذي مكَّنهم من لعب دوراً في الإطاحة مؤخراً بالرئيس مبارك، يبدو أنه قد عزز من موقفهم في الصراع على النفوذ مع حرس الجماعة القديم المتحمس. وقال هنا المحامي عصام سلطان، العضو السابق بالجماعة الذي غادرها في تسعينات القرن الماضي ليقوم بتكوين حزب الوسط الإسلامي المعتدل :quot; لا تستحق جماعة الإخوان بأكملها أن يعود إليها الفضل في تلك الثورة، لكن هناك بعض الفصائل المنتمية إليها قد ساهمت قطعاً في تلك الانتفاضة، وهم عامةً الأشخاص الذين يحملون أفكاراً أكثر اعتدالاًquot;.

وقالت الصحيفة إن هذا الفصيل يُمثِّل في نواح كثيرة الساسة المحافظين المنتمين إلى يمين الوسط والموجودين في أماكن أخرى من العالم العربي. كما أنهم يتبنون وجهة النظر التي تقول إن الإسلام جزء من التراث المصري ويقولون إن الديمقراطية والتعددية قيم إسلامية وسطى. كما أنهم أتقياء ومحافظون اجتماعياً، ويرفضون العلمانية الصارمة التي تعتبر ميزة لمعظم المفاهيم الغربية الخاصة بالديمقراطية الليبرالية.