بروكسل: فوجئ عابرو الشارع الاكثر ازدحاما في بروكسل، ظهر السبت، بحاجز وقف امامه شباب بزي عسكري، وارتفعت الى جانبه اعلام اسرائيلية. وتجمع كثيرون ليتابعوا كيف يتم التوقيف على الحاجز ومنهم من جرب عبوره ومقاومة حراسه عبثا، في حدث أقيم ضمن quot;الاسبوع العالمي لمناهضة التمييز العنصري الاسرائيليquot;.

جاء ذلك بمبادرة من عشر منظمات بلجيكية، ناشطة في دعم القضية الفلسطينية، مستثمرة أجواء يوم العطلة الذي يزدحم فيه شارع quot;نيو ستراتquot; (الشارع الجديد) بالخارجين للتسوق وسط العاصمة البلجيكية.

وتقول الشابة البلجيكية لارا دو وافرين، التي كانت إحدى المنظمين، لوكالة فرانس برس إنهم يريدون quot;توعية الناس لما يعيشه الفلسطينيون يوميا في الاراضي المحتلةquot;، وأضافت quot;قلنا لانفسنا ان الطريقة الأكثر واقعية لنظهر التمييز الاسرائيلي هي أن نقيم حاجزا كالذي يقيمونهquot;.

الحاجز كان عبارة عن مجسم معدني على شكل جدار مطلي باللون الزيتي، في اعلاه جزء يبدو شبيها بأعلى برج المراقبة، وأمامه وقف عدة شبان وشابات يرتدون الزي العسكري، ويعتمر بعضهم الخوذ ملوحين ببنادق ومسدسات بلاستيكية.

الجزء المخطط من القصة جاء مشهدا تمثيليا. درب المنظمون بعض الشبان على لعب دور الجنود الاسرائيليين، والبعض الاخر لعب دور فلسطينيين يحاولون عبور الحاجز، وكان المارة المحتشدون للمشاهدة يتابعون كيف يصرخ الجنود ويلقون أمتعة الفلسطينيين، قبل أن يفتشوهم بعنف ويطردوهم.

وبين من لعب دور الجنود كانت الشابة ليري اشنداش التي كانت تضع نظارة شمسية داكنة وتعتمر خوذة عسكرية. قالفت ليري لفرانس برس quot;إنها تجربة صاعقةquot;، قبل ان توضح quot;أنا مصعوقة. كنت ارتجف تقريبا وأنا أقول وأفعل كل هذه الاشياء، يجب أن تكون اعصابك باردة جدا وتعاني رهابا كي تتصرف مثل الجنود الاسرائيليينquot;.

ويعتبر من وقف على الحاجز ان اقامته تأتي كحل بديل عن تجربة ربما لن يتسنى للجميع عيشها. وتقول اشنداش إن quot;ليس بالضرورة أن يسكن الجميع هناك كي يفهموا ما يحصل على الحواجزquot;. وتشرح انهم حاولوا الاقتراب من الواقع قدر الامكان من دون استخدام عنف زائد عن اللزوم، وتضيف quot;ليست الفكرة ان نضرب احدا، بل ان نظهر للناس ما يحصل هناكquot;.

ولم يقتصر الأمر على المشهد التمثيلي الذي كان يعاد مرارا، فبعد انتهائه دعا المنظمون، صارخين في مكبر يدوي للصوت، من يريد تجربة عبور الحاجز أن يتقدم، وهذا ما فعله البعض. ولم يتصرف الممثلون الجنود بطريقة ألطف مع من بادروا للتجربة. حاول عدة شبان التحدث الى الجنود للعبور، لكن الاخيرين كانوا يكررون الصراخ والدفع، ويصدونهم بكل الطرق حتى لو اشتبكوا معهم بالايدي.

في الدائرة القريبة من ساحة المشهد، كان الشاب حمزة الثني، البلجيكي من اصل مغربي، يلتقط الصور بكاميرته، قبل أن يبادر لتجربة عبور الحاجز حينما سمع دعوة المنظمين للمشاركة. وبعد أن تلقى شتائم الجنود وتهديداتهم عاد أدراجه، ليقول لفرانس برس بعد هذه التجربة quot;أحسست نفسي محتقرا وأقل من لا شيء، شعرت اني معزول مع ان هذا فقط تمثيل بينما الفلسطينيون يعيشونه في حياتهم اليوميةquot;.

ويرى هذا الشاب الذي يعمل موظفا حكوميا ان مشهد الحاجز quot;يرينا ما لا يظهرونه على التلفزيونات الاوروبية، فنحن نرى صورة اسرائيل الجميلة التي يقدمونها على انها البلد الديموقراطي في الشرق الاوسطquot;.

وقالت اشنداش قبل ان تعود لاعادة تمثيل دورها كجندية اسرائيلية، انهم يأملون عبر ما يفعلونه ان يتعرف المارة على ما يحصل على الحواجز وquot;ربما يأخذون هذا النقاش الى بيوتهم وعائلاتهم ويستعلمون اكثر عما يحصل في الواقع، ليكونوا رأيهم الشخصيquot;.

ويجري هذا النشاط في اطار quot;الاسبوع العالمي لمناهضة التمييز العنصري الاسرائيليquot;، الذي يقام للمرة السابعة بين 7 و21 آذار/مارس، ونظمت فعالياته العام الماضي ما يزيد عن 40 مدينة حول العالم، كما يبين القيمون عليه.

ورغم ان المشهد تمثيلي لكن البعض اعترض عليه، واستوقف احد المارة، وهو شاب في الثلاثينات، واحدا من المنظمين وقال له quot;يجب ان تروجوا للحوار وليس للعنف، كيف تفعلون ذلك فهذا يصدمنيquot;. فرد عليه محادثه بالقول quot;هذا ما نريده، ان يحس الناس بالصدمة، فنحن لا نروج للعنف بل ننقل جزءا بسيطا من الواقعquot;.

بين المارة المتجمهرين، حضر فلسطينيون قالوا ان المشهد أثر فيهم ايضا. وسيم حسين طالب فلسطيني من غزة، يقيم في بروكسل منذ عام ويعد في جامعتها لشهادة ماجستير في الادارة. يقول وسيم بعد متابعته مشهد الحاجز quot;انه مشهد مؤثر، لقد جعلني استرجع كل شيءquot;.

ويوضح انه quot;عندما تعيش في غزة وترى القتلى يتساقطون يوميا يصير العنف بالنسبة لك مشهدا معتادا، لكن عندما تبتعد وترى هذا المنظر تتأثر بهquot;.

وإلى جانب الحاجز، كان بعض الناشطين في الجمعيات المنظمة يوزعون على المارة قطع خبز مغمسة بالحمص، وايضا اوراقا تبين كيفية تحضيره. وتقول ماريون غوتنغ، الشابة البلجيكية التي تطوعت للمشاركة، انهم يريدون quot;تقديم شيء خاص من الشرق الاوسطquot;، وتضيف quot;يأتي الناس ليتذوقوا، وهذه مناسبة لنحدثهم عن نشاطاتناquot;.

واللافت ان المنظمين لم يعلنوا عن الحدث، وتقول لارا دو وفرين معللة ان داعمين لاسرائيل quot;جاؤوا مؤخرا وخربوا نشاطات كنا نقيمها بعدما علموا بهاquot;، وتضيف quot;لم نعلن عن الامر كي نتجنب المشاكل نفسهاquot;.