يخوض الرئيس الاميركي حربين لم يبدأ اياً منهما ـ العراق حيث انتهت الحرب الاميركية عمليا ، وافغانستان. وكان لا يريد حربا ثالثة وجبهة اخرى تشغله قبل محاولته الفوز بولاية ثانية العام المقبل، إلا أن التطورات في ليبيا فرضت عليه تدخلا عسكريا كان يريد الابتعاد عنه.


أخيرا حزم الرئيس الاميركي امره واتخذ قرارا حاسما بجسارة بدأ العالم يعتقد أنه لا يملكها. فالولايات المتحدة تريد الآن إسقاط الزعيم الليبي معمر القذافي ولن يهدأ لها بال إلا بتغيير النظام.

وكان اوباما امضى الاسابيع الأخيرة في التردد والتوجس مثيرا حنق بريطانيا وفرنسا ، اللتين تقفان في مقدمة الدول الداعية الى التدخل العسكري في ليبيا. واستخدم اوباما مناسبات عامة للحديث عن خطط ومشاريع واحتمالات وما في كل هذه من سلبيات. وترك لكبار المسؤولين في ادارته مثل وزير الدفاع روبرت غيتس ابداء الشكوك والمخاوف من الغوص في مستنقع ليبي.

فالرئيس الاميركي يخوض حربين لم يبدأ اياً منهما ـ العراق حيث انتهت الحرب الاميركية عمليا ، وافغانستان. وكان لا يريد حربا ثالثة وجبهة اخرى تشغله قبل محاولته الفوز بولاية ثانية العام المقبل.

ولكن ضغط صقور ديمقراطيين مثل جون كيري وجمهوريين مثل جون ماكين بدأ تدريجيا يؤتي أكله بمساهمة من المواقف المتشددة التي اتخذتها لندن وباريس ، كما تقول صحيفة الغارديان البريطانية.
وهكذا اتخذت اميركا قرارها وستتدخل لوقف القذافي عند حده. ولن تكون هناك اجراءات نصفية. فكل الخطوات جائزة ، ورهن التنفيذ الفوري ما عدا ارسال قوات تقاتل على الأرض الليبية ، كما نص القرار الصادر عن مجلس الأمن.

ويعني هذا توجيه ضربات جوية يمكن ان تبدأ في الحال فضلا عن فرض حظر على طيران القذافي. وهو يعني احتمال وقوع خسائر في الأرواح تتكبدها القوات الغربية إذا أُسقط طيارون أو هبطوا بالمظلة أو أُخذوا رهائن. وهو يمكن ان يعني وقوع خسائر في ارواح المدنيين ، كما حذرت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي كاثلين آشتون. وإذا لم تجر الرياح كما تشتهي سفن الغرب فانه قد يعني تصعيدا يتخطى الحدود المرسومة الآن ، ولن يعرف احد متى يتوقف هذا التصعيد.

لعل النتيجة المباشرة لقرار مجلس الأمن وقف تقدم القذافي باتجاه بنغازي. وإذا حدث ذلك فانه سيكون خشبة انقاذ للثورة ولو في اللحظة الأخيرة. ولكن صمودها بعد ذلك قضية أخرى ، كما ترى صحيفة الغارديان.

وتراهن الولايات المتحدة وحلفاؤها الاوروبيون والعرب على تراجع القذافي امام احتمالات مواجهته بقوة تأديبية ساحقة ، ويستجيب لمطلب الأمم المتحدة بوقف اطلاق النار فورا وحتى الموافقة على التفاوض مع الثوار. ولكن الحظر الجوي لن يكون كافيا لانقاذ بنغازي. ولايصال الرسالة الى القذافي بلا لبس قد يكون من المطلوب استهداف دروع القذافي ومدافعه بضربات جوية ، وربما هجمات تستهدفه شخصيا كما حاول رونالد ريغان في عام 1986.

يتصرف القذافي مثل أي بلطجي جبان ولكنه طاغية متجبر. وتوجيه ضربة موجعة الى كبريائه الفارغ وحده الذي سيقنعه بأن يرعوي. وهذا ما سيتلقاه الآن على الأرجح.

لا يكمن التكهن بالآثار بعيدة المدى للتدخل ولكن وقوع كارثة واحد من الاحتمالات القائمة ، كما ترى الغارديان مشيرة الى حرب الخليج الأولى. فان تدخل بلدان عربية ودعمها يعني ان الحرب الليبية لن تُعد اعتداء غربيا على بلاد المسلمين ، اللهم إلا بنظر جهاديين متطرفين والقاعدة. ولكن إذا طال القتال ولم يتنازل القذافي أو يهرب وإذا تسلم مقاليد الأمور احد ابنائه الأعلى كفاءة وإذا تسبب التدخل في تفاقم الوضع بدلا من تحسينه للمواطنين الاعتياديين فإن الرأي العام العربي سينقلب على الغرب مرة أخرى كما حدث بعد تحرير الكويت. وسيطل شبح الحرب المديدة الذي يطارد البنتاغون على شواطئ البحر المتوسط.

ولكن هناك فرص طيبة للنجاح ايضا. وإذا اثبت الثوار الذي انقذهم قرار مجلس الأمن من الإبادة قدرة على تشكيل حكومة تستطيع ان تتولى الادارة على كل الأراضي الليبيبة وليس الشرق المحرر فقط فان مقامرة اوباما ستتكلل بالنجاح.
يتطلع اوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الى كوسوفو أو كويت أخرى وليس الى عراق آخر. فهذه قصة يريدان ان يكتباها بنهاية سعيدة ، مشهدها الأخير بلد مستقل وديمقراطية جديدة. ولكنهما لا يستطيعان التحكم بالنتيجة. وما عليهما الآن إلا الانتظار والأمل بأن قرارهما كان صحيحا.