يمنح قرار مجلس الأمن 1973 الخاص بحظر الطيران في الأجواء الليبية الغرب الفرصة لإطاحة القذافي وإن جاء متأخرا بسبب تردد الاتحاد الأوروبي والبيت الأبيض. لكن هذه الفرصة الجديدة يجب أن تُستغل يداً بيد مع العرب.


لندن: كان لإصدار مجلس الأمن قراره 1973 الخاص بحظر الطيران في الأجواء الليبية مفعوله الفوري. فقد كانت ردة الفعل لدى نظام القذافي هي إعلانه وقف إطلاق النار وتخليه بالتالي عن محاولة استرداد المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.


ولكن، كالعادة، كان هذا وعدا كاذبا. فالتقارير الواردة من مصراتا تقول إن قوات العقيد تواصل قصفها بالمدفعية التي قتلت 25 شخصا على الأقل، وبنغازي أيضا لم تسلم من المصير نفسه تبعا لآخر الأنباء.

لكن إعلان وقف إطلاق النار في حد ذاته يوضح اليأس المتهور الذي يتّسم به نظام العقيد وفقا لصحيفة laquo;تايمزraquo; البريطانية. فهو يدرك الآن أن الغرب - بعد تردد ومراوغات سياسية - مصمم على وقف ذبح معارضيه عبر ضربات جوية تشل قواته إذا تطلب الأمر ذلك.

ويجب أن يكال قدر من الثناء في التوصل الى قرار الأمم المتحدة لرئيس الوزراء البريطاني ديفيد كامرون. فقد كان من أوائل الزعماء الغربيين الداعين إلى فرض حظر الطيران من أجل حماية أولئك الليبيين الشجعان الذين تجرأوا على تحدي العقيد رغم افتقارهم المريع إلى السلاح. ولثلاثة أسابيع مخجلة راح بقية القادة الغربيين يترددون في ما يمكن عمله، ويحيطون استراتيجية العمل بالشكوك، ويتعللون بالمصاعب اللوجستية، وحال العراق، وردات الفعل المحتملة وسط شعوبهم.

وكان الاستثناء هو الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي الذي وقف كتفا لكتف مع كامرون. ورغم أن هذا لم يكن كافيا لإقناع بقية زعماء الاتحاد الأوروبي، فقد كان حجر العثرة الأساسي يتمثل في موقف البيت الأبيض إلى أن غيّر موقفه في الأيام القليلة الأخيرة. فلماذا؟

ربما لأن تهديد القذافي لشعبه بأن ثأره سيكون بلا رحمة أقنعه بأن هذا المهرّج هو أيضا طاغية مصاص دماء. وربما لأن استعداد بريطانيا وفرنسا للسير قدما من دون الولايات المتحدة أثار قلق الخارجية الأميركية إزاء حال التضامن الأميركي - الأوروبي. وربما لأن الرئيس باراك اوباما اقتنع أخيرا بأن تردده يسلط المزيد من الضوء على تضاؤل مكانة بلاده على خشبة المسرح الدولي وعلى قيادته المتعثرة. ولكن، حتى هذه اللحظة فإن موقف اوباما الجديد لا يبدو مضمونا بالكامل.

وربما كان من قبيل المفارقة أن امتناع البيت الأبيض عن القيادة في ما يتصل بليبيا هو الذي أقنع روسيا والصين المعترضتين أبدا على مشاريع القرارات داخل مجلس الأمن، بالامتناع عن التصويت بدلا من استخدام أي منهما حق النقض (الفيتو). ومع ذلك فلا يبدو أن الولايات المتحدة في عجلة من أمرها إزاء توفير الموارد المطلوبة لوقف ثأر القذافي.

وإزاء كل هذا الوضع يجد الغرب نفسه، وبدعم يُرحب به من العديد من الدول العربية، أمام تحدٍ حقيقي يتمثل في تحديد عملياته غير الواضحة المعالم حاليا، وفي إقناع اولئك الذين جاؤوا متأخرين وخصوصا ألمانيا وإيطاليا بعدالة القضية، وأيضا في أن يضمن أن الثمن الآتي من قتل ودمار محتملين مشروح الأسباب وبلا جدال حوله.

وهذه النقطة الأخيرة بالغة الأهمية. فالسبب في أن الديمقراطيين العرب يدعمون العمل ضد دكتاتورية القذافي هو أن النصر لهذا السفّاح يعني عمليا نهاية quot;ربيع الثورات العربيquot;. والأرجح هو أن الحكومات العربية سترحب برحيله بالنظر الى تاريخه الحافل بالتجاوزات وجنون العظمة وتمويل الإرهاب.

لكن الوقوف وراء هجمات غربية على بلاد مسلمة يتعارض وثقافة العداء التقليدية للغرب بشكل يستدعي الشرح والتبرير المعقول على الدوام. ولا شك في أن الأصوليين الإسلاميين، الذين ينتظرون نهاية حكم القذافي على أمل أن يسدوا الفراغ، سيؤججون مشاعر العداء للغرب بنشرهم الشائعات عن الهيمنة الغربية والمصالح النفطية والامبريالية الجديدة. وإيران ليست أقل من هؤلاء في هذا الصدد.

وأخيرا فإن التحدي أمام القوى الغربية في ليبيا يتألف من ثلاثة عناصر: الأول هو أن هذه القوى المنهكة في العراق وأفغانستان، وأيضا بسبب الخفض في ميزانياتها الحربية، ستجد أن وقف دبابات العقيد عن الاستيلاء على سائر الأراضي الليبية بما فيها بنغازي مهمة ليست سهلة بأي حال من الأحوال. والثاني هو أنها ستواجه امتحانا يتمثل في نزاع آخر سيأتي معه بالغضب الداخلي إزاء الخسائر البشرية ونقص الإمدادات النفطية والرهائن. والثالث هو أن تلك القوى لم تصل بعد إلى الإجماع على الهدف النهائي وهو إطاحة القذافي.

هذا تحدٍ يتعين للغرب أن يجتازه بنجاح باهر على الرغم من تشعب دروبه.. لأجل الديمقراطية والإنسانية والكرامة العربية.