تباينت النظرة إلى تلميح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بالقيام بإصلاح سياسي شامل في بلاده، وإختلفت التحليلات بين اعتبارها مناورة منه مشككة بالنوايا والأهداف وبين ترقب للتغيير المنشود.

عبد عزيز بوتفليقة

الجزائر: تتباين قراءات السياسيين والمحللين بشأن تلويح الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، قبل أيام، بإصلاح سياسي شامل في بلاده. وتتضارب آراء رصدتها quot;إيلافquot; بين من يترقب إقدام حاكم البلاد على مراجعة عميقة لدستور البلاد، مقابل فريق مشكك في نوايا وأهداف الإصلاح المنتظر، إذ تصنف قوى المعارضة رفقة شباب الفايسبوك، إطلالة بوتفليقة في خانة المناورة لامتصاص زخم دعوات التغيير في الجزائر.
يذهب العياشي دعدوعة القيادي البارز في الحزب الحاكم quot;جبهة التحريرquot; إلى أنّ طبيعة الإصلاح المُرتقب، سيكون مكمّلا لإصلاحات جرى الشروع فيها منذ عشر سنوات وتتواصل بإطراد في قطاعات القضاء والإدارة والتعليم وغيرها.

كما يلفت دعدوعة إلى أنّ الجديد هذه المرة، يكمن في تعديل معمّق للدستور بما يوضح طبيعة النظام السياسي السائد في الجزائر، حيث يبدي حزب الغالبية تهليله لفضائل الإنتصار لنظام رئاسي يزيل نهائياً ما يسميها quot;هجينية الحكمquot;، في وقت لا يحظى الأمر بتزكية حليفه quot;التجمع الديمقراطيquot; لزعيمه أحمد أويحيى فهذا الأخير يقدّر أنّ المعطيات العامة في البلاد ترشح لقيام نظام شبه رئاسي، مصراً على أنّ فرص نجاح نظام رئاسي معدومة في الجزائر، وحرص الوزير الأول في مناسبات سابقة على إبراز مخاوفه من حدوث إنسداد سياسي كبير جرّاء ذلك.

وإزاء التكهنات التي تتردّد حول حلّ وشيك للبرلمان، يورد دعدوعة الذي يترأس الكتلة البرلمانية لجبهة التحرير، أنّ ما يُراج حول حلّ غرفتي الجمعية الوطنية، غير صحيح ولا مكانة له في الإصلاح المُنتظر، وذلك لسببين، أكبرهما أنّ اللجوء إلى حل البرلمان يتم إذا ما نشب صراع حاد بين سلطتين مصدرهما الشعب يؤول إلى إنسداد، وذلك لم يحصل في الجزائر، وعليه فإنّ حلّ المؤسسة التشريعية بغرفتيها والذهاب إلى انتخابات مسبقة، أمر غير وارد بنظر دعدوعة.
وفي سياق تعليقه، يقدّر المحلل محمد بوزواوي أنّه من الخطأ الإعتقاد أنّ الإصلاح سيكون جوهرياً وعميقاً بحيث يستجيب لمطامح مواطنيه، ويختزل المعادلة كلها في quot;رغبة السلطة الفعلية ركوب قطار التغيير حفاظاً على النظامquot;، لذا من الضروري توظيف بعض التوابل والبهارات وتبني مطلب الإصلاح ظاهرياً وشعاراتياً بما يمهّد لترتيبات الشوط السياسي القادم.

من جهته، يرى محسن بلعباس الناطق باسم الحزب العلماني المعارض quot;التجمع من أجل الثقافة والديمقراطيةquot;، أنّه لن تكون هناك أية إصلاحات، مقدّرا أنّ الرئيس اكتفى بإطلاق تلميحات تخصّ تحريك مبادرات عجز عنها طوال الإثني عشر عاما التي قضاها على رأس الدولة الجزائرية. ويشكك بلعباس في قدرة بوتفليقة على ذلك بحكم افتقاده للجرأة السياسية، على حد تعبيره، وعدم امتلاكه القدرة والرغبة، بعدما نجح في الأسوأ.
محسن بلعباس

بهذا الشأن، يلاحظ المتحدث باسم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية سعيد سعدي، أنّ الرئيس الحالي أرجع الجزائر إلى الوراء خصوصا في الشق الخاص بالحريات الجماعية والفردية، وإقدامه على إعطاء نفسه حق الحكم مدى الحياة عبر ما يسميه بلعباس quot;اغتصاب الدستورquot; في إحالة على التعديل الجزئي الذي تمّ في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2008 وسمح لبوتفليقة بالترشح لولاية ثالثة غداة شطب مادة كانت تحدّد عدد الفترات الرئاسية في اثنتين فحسب.

ويسجّل بلعباس أنّ التصريحات المكتوبة للرئيس، في إشارة إلى أنّ بوتفليقة لم يلق خطاباً مباشراً بل جرى ذلك عبر رسالة قرأها مستشاره علي بوغازي، هي quot;مراوغة لكسب الوقتquot;، أمام دوامة الاحتجاجات المتصاعدة ومحاولة إرضاء الشركاء الأجانب.

كما يتساءل قيادي التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، عن مدى صدقية رئيس ينظم لقاءات سرية مع أناس هم برأيه، طرف مسؤول في الإنسداد الذي وصلت إليه البلاد، ويرتضي بوتفليقة مرة أخرى الرد عن مطلب التغيير والشفافية بالمناورة والغموض، على حد وصف بلعباس.

تشاؤم شباب الفايسبوك

من جانبهم، يبدي شباب الشبكات الاجتماعية تشاؤما حيال قدرة بوتفليقة على إجراء إصلاح عميق وجذري، بهذا الشأن، يقول سمير دراجي ممثل ما يسمى quot;جبهة الشباب الجزائري لإنقاذ الجمهوريةquot;، أنّه يتوقع جديدا على صعيد الإصلاحات في غضون الساعات القادمة كحل البرلمان الذي أصبح أمراً مفروغاً منه، لكنه يرى أنّ المشكلة تكمن في من سيثق فيهم الشعب وهوية من سيكونون ضمن المجلس التأسيسي؟

ويتصوّر دراجي أنّ التغيير الفعلي يفرض نفسه كحتمية، لكن ينبغي بحسبه منع جميع أعضاء البرلمان الحالي من الترشح مجددا، وتغيير الحكومة بالكامل، والاعتماد على الكفاءات وأطياف التيار الوطني.

بدوره، يقول أمير قادر عن quot;التجمع الفايسبوكي الجزائريquot;، إنّه لا يشكك في نزاهة بوتفليقة ولا حتى نيته لتوخي إصلاح حقيقي، لكنّ بوتفليقة برؤية أمير قادر، لا يملك من الأمر شيئا، معتبرا أنّ الجزائر شبيهة بالكمبيوتر، حيث فيها نظام أمني وهو الهاردوير hardware ونظام سياسي وهو السوفتوار software .

ويتوقع قادر أنّ تغيير الحكومة وحلّ البرلمان هو أقصى ما يستطيع أن يقوم به بوتفليقة، وهو بذلك لن يغير سوى quot;السوفتوارquot; أي النظام السياسي، ويبقى الفاسدون والمفسدون الحقيقيون محميين لأنّهم خط أحمر في منظومة quot;الهاردويرquot;.

ويشدّد أمير قادر (25 سنة) على أنّ المطلوب حركة تغييرية جذرية للنظامين الآنفي الذكر، بدل اعتماد قرارات ارتجالية لإمتصاص الغضب، وهي إجراءات ستزيد من بؤرة الفساد وتبديد المال العام من وجهة نظره.

ويدافع قادر عن رأيه، بكون بوتفليقة متواجدًا على رأس قمة هرم الحكم منذ ربيع سنة 1999، فكيف له أن يجسد في هذا الوقت الميت، ما عجز عن فعله خلال 12 عاما؟ ويجزم قادر أنّ النظام الحاكم يحتاج الى معجزة وخاتم سليمان ليتجنب السقوط الحر، موقنا أنّ سقوطه قادم لا محالة.

وينتهي أمير قادر إلى دعوة بوتفليقة إلى حل البرلمان واستبدال الحكومة، وتنظيم استفتاء شعبي يخصّ إتمام ولايته، طالما أنّه جرى تمديد الحكم لصالحه في مهزلة برلمانية، كما يرى قادر الذي يبدو مقتنعا أنّ الأمور تكاد تخرج عن السيطرة وإذا اشتعلت فلن تهدأ حتى تسقط كل شيء، في سيناريو يختلف عن كل ما شهدته المنطقة العربية لحد الآن.